مازالت تجربة محمد علي النقابية والفريدة من نوعها تثير التساؤلات حول حقيقة ما كان يضمره هو ورفاقه في تلك الفترة من تاريخ البلاد التي كانت تحت الحماية الفرنسية التي سلم لها الجميع أمرهم حتى حزب الدستور الذي أُنْشِىءَ سنة 1920 وعند ظهور حركة محمد علي وبروز القسوة والحدة التي جابهتها بها قوى الاستعمار على اختلاف تشكلاتها ومكوناتها بدءا بالكنفدرالية العامة للشغل الفرنسية التي لم تحترم القوانين الفرنسية التي تجيز التعددية النقابية وتعاملت مع تجربة محمد علي ان العامل التونسي مستعمر ولا يحق له التّمتّع حتى بالحري? النقابية وممارسة قناعاته والدفاع على مكتسباته الخاصة والخصوصية باعتبار انه يختلف عن العامل الفرنسي والاجنبي بالبلاد في كل شيء بقطع النظر عن التلافي في صفة العامل التي هي قاسم مشترك عالمي ولا يمكن بأي حال من الاحوال التمييز بين العمال تحت اي غطاء او ظرف كان، لكن لما تترسخ عقلية الاستعمار في عمق السلوكيات البشرية تنتفي عندها كل القيم والاعراف الحقوقية هذا الشيء الذي دفع برئيس الكنفدرالية العامة للشغل للقدوم لتونس وعقد اجتماعات عامة وخاصة والالتقاء بعدد من الوجوه السياسية بالبلاد لعلّهم يجدون مخرجا للتخلص من?محمد علي وجامعته التي تقض مضاجعهم في توقيت لم يكونوا جاهزين فيه فكريا ولا سياسيا اضافة الى السلطات الاستعمارية التي لم ترق لها فكرة محمد علي النضالية التي ترمي الى الخروج بالفرد التونسي من المهانة والاحتقار التي يعيشها في وطنه اضافة الى التملص غير المعلن للحزب الدستوري والذي تكفل بعض اعضائه بالعمل على اقناع العمال التونسيين بطرقهم الخاصة بالانسلاخ عن جامعة محمد علي والرجوع الى الكنفدرالية العامة للشغل الفرنسية وهي خطوة فيها الكثير من التزلف للمعتدي والتنكر لبني الوطن ولم يكن مجيء ليون جوهو رئيس الكنفدرالية?العامة للشغل الفرنسية من 24 اكتوبر لغاية 6 نوفمبر 1924 لتونس عفويا أو نشاطا يدخل في اطار السياسة العامة للمنظمة الفرنسية انما الأكيد انها كانت للتكشف على حقيقة هذه الجامعة وشخصية الرجل الذي يقف وراءها وتتبع أهدافه ومراميه والأجواء النقابية والسياسية المحيطة ولما اكتشف رئيس الكنفدرالية ان النسق الميداني لواقع العمل بالجامعة النقابية التونسية الوليدة بعيد كل البعد عما حدثته عنه التقارير السرية والعلنية الواردة عليه من المسؤولين الفرنسيين ومشاهدته مدى الحماس والاستعداد اللّذين يحدوان كل الحضور ووقوفه على الق?رة العجيبة التي يمتلكها محمد علي في الاقناع والتفاف القواعد العمالية حوله وتأكده بأن الرجل رمز لا ترد له كلمة وانه يتفوق في مدى تأثيره بكثير على رجال السياسة ليس في صفوف العمال فحسب بل ايضا لدى العامة الذي يرنو الى الانعتاق والخروج من التخلف وهو ما زاد في مخاوف المسؤولين الاستعماريين السياسيين والنقابيين هو ان الغشاء بدأ ينقشع من على بصائر الشعب التونسي الذي كان يساق كالاغنام على كامل تراب الإيالة التونسية لقد تفطن المسؤول النقابي الفرنسي لذلك لما قدمت له التقارير حول واقع وضعية الجامعة العامة لعموم العمل? التونسيين التي في ظرف اشهر قليلة جاب مؤسسها ورفاقه كل القطر التونسي وكونوا لهم نقابات في كامل البلاد الى حد انهم وصلوا الحوض المنجمي حيث نبهوا العمال الى خطورة الوضع الذي هم مستكينون له ولم يغادر محمد علي المتلوي قصرا من القوات الاستعمارية الا وقد خلف وراءه نواة نقابية مؤمنة به وبأفكاره التحررية وكذا العمل في صفاقس وبنزرت وقابس وتونس والقيروان وزغوان وغيرها من المدن التونسية التي تجاوبت معه بكل روح وطنية لما لمسته فيه وفي حديثه من صدق مشاعر وقدرة اقناع ومقارنة بين واقع التونسي ابن الوطن والعامل الاجنبي ال?افد لابتزاز خيراته قسرا وهو امام ذلك من الصاغرين لقد حرر محمد علي الكوامن وأيقظ الهمم وشحذ العزائم حتى انه جمع حوله ستة الاف منخرط تونسي لحما ودما بل تعداه الى ما هو ابعد وهي نقطة فيها الكثير من التحدي للمستعمر وللنقابات الفرنسية الغازية اللاديمقراطية حيث انخرط معه ما يقارب العشرين عاملا أجنبيا يعملون بتونس (من الاكيد انهم انسلخوا من الكنفدرالية العامة للشغل لينضموا الى محمد علي وجامعته) ولقد أراد محمد علي ان تكون صفة الانخراط في جامعة عموم العملة قانونية ولا يرقى لها الشك من اي طرف عمد الى اصدار بطاقات ان?راط تلك البطاقة التي مازالت خالدة الى يومنا هذا والتي مازال النقابيون يفخرون بها وتزين جدران مكاتبهم وأروقة دور الاتحاد والتي لو لا شعار حشاد العظيم لاتخذها الاتحاد العام التونسي للشغل شارته المميزة كل تلك العوامل جعلت من المستعمر يتوجّس خِيفة من ذلك الحراك الجماعي بقيادة محمد علي ورفاقه وبقراءة بسيطة واستنادا الى نتائج موجة الاضرابات التي صاحبت انبعاث جامعة عموم العملة والتي كانت في معظمها ناجحة وأحدثت اضطرابا كبيرا في داخل البلاد وأحرجت السلطات الاستعمارية امام الرأي العام الداخلي والخارجي واحدثت ايضا اح?اجا للباي نفسه من البديهي ان يقر الجميع بخطورة هذا التمشي النقابي النضالي التصاعدي المتصدي للمستعمر على واجهة وطنية ظاهرها نقابي اجتماعي وباطنها وطني تحرري يرمي من ورائه الجميع الى التخلص من الاستعمار وما صاحبه من ويلات ومصائب طالت الجميع وامام مثل هذه الوضعيات اتفقت كل قوى الشر على ضرورة مسح هذه الجامعة من على الوجود وضرب جذورها من الاساس حتى لا تعاودها الحياة من جديد ومن مجمل التقارير التي مثل بها محمد علي ورفاقه امام القضاء الظالم للمستعمر الغاشم هو التخطيط لاضراب عام بالبلاد والسؤال هنا هل كان محمد يخط? فعلا للاضراب العام؟ شخصيا لا اعتقد ان الفكرة لم تخامره هو ورفاقه لكنه يمكن كان يريد مزيدا من الوقت وفرصة اخرى لرص الصفوف وتقوية عود الجامعة واعتقد ان الاضرابات القطاعية التي كانت تشمل في معظمها الحرفيين والقطاعات الصغرى كانت له ولرفاقه بمثابة المحرار الذي تنبني عليه برامجهم النضالية ثم ما الذي كان سيتغير لو ان الجماعة دعوا الى الاضراب العام بالبلاد ونجحوا في خطوتهم تلك؟ هل كانت السلطات الاستعمارية ستغير موقفها من الجامعة ومؤسسيها؟ كيف ستكون ردة فعل المنظمات الدولية النقابية والحقوقية؟ ومع ذلك لو ان محمد ع?ي اقدم على تنفيذ فعليا فكرة الاضراب العام لكانت نتائجه تفوق كل التوقعات ولغيرت الواقع المعيش ليس في البلاد التونسية فحسب بل في المغرب العربي ككل ولأعطت الى الانتماء الوطني ابعادا اخرى ولفرضت مبكرا القضية التونسية على طاولة نقاش المنظمات الدولية باعتباره ملفا عاجلا غير ان المستعمر فوّت عليه الفرصة والاقدار لم تمهله لتحقيق ذلك لكن الخلف حققوا ما خامر اسلافهم حيث نفذ حشاد ورفاقه الاضراب العام يوم 5 اوت 1947 فكان المساهمة الفعلية من الاتحاد العام التونسي للشغل الوريث الشرعي لتجربة محمد علي كما وصفها حشاد نفسه ?ي تحرير الوطن والفرد من المستعمر رغم ان الضريبة كانت قاسية جدا فدفع حشاد ورفاقه لأجلها دماءهم وأرواحهم مثل محمد علي ورفاقه من قبلهم والاجيال متعاقبة للأبد.