حزب الله يؤكد استشهاد القيادي إبراهيم عقيل في غارة صهيونية    أخبار النادي الصّفاقسي ... الانتصار مع الاقناع    تونس : دفعة معنوية كبيرة للنجم الساحلي قبل مواجهة الإتحاد المنستيري    حكايات من الزمن الجميل .. اسماعيل ياسين... الضاحك الحزين(2 /2).. النهاية المأسوية !    في أجواء عراقية حميمة: تكريم لطفي بوشناق في اليوم الثقافي العراقي بالالكسو بتونس    عادات وتقاليد: مزارات أولياء الله الصالحين...«الزردة»... مناسبة احتفالية... بطقوس دينية    حادثة رفع علم تركيا ... رفض الإفراج عن الموقوفين    موعد انطلاق المحطات الشمسية    عاجل/ الاطاحة بمنفذ عملية السطو على فرع بنكي بالوردية..    بنزرت ماطر: العثور على جثّة طفل داخل حفرة    في قضيّة تدليس التزكيات...إحالة العياشي زمّال على المجلس الجناحي بالقيروان    يُستهدفون الواحد تلو الآخر...من «يبيع» قادة المقاومة ل «الصهاينة»؟    أم العرايس ... قصّة الفلاح الذي يبيع «الفصّة» لينجز مسرحا    شهداء وجرحى في عدوان صهيوني على لبنان .. بيروت... «غزّة جديدة»!    لقاء الترجي الرياضي وديكيداها الصومالي: وزارة الداخلية تصدر هذا البلاغ    وضعية التزويد بمادة البيض وتأمين حاجيات السوق محور جلسة عمل وزارية    مسالك توزيع المواد الغذائية وموضوع الاعلاف وقطاع الفلاحة محاور لقاء سعيد بالمدوري    بداية من 24 سبتمبر: إعادة فتح موقع التسجيل عن بعد لأقسام السنة التحضيرية    المدافع اسكندر العبيدي يعزز صفوف اتحاد بنقردان    طقس الليلة.. سحب كثيفة بعدد من المناطق    مركز النهوض بالصادرات ينظم النسخة الثانية من لقاءات صباحيات التصدير في الأقاليم من 27 سبتمبر الى 27 ديسمبر 2024    أولمبياد باريس 2024.. نتائج إيجابية لخمسة رياضيين في اختبارات المنشطات    مريم الدباغ: هذا علاش اخترت زوجي التونسي    بالفيديو: مصطفى الدلّاجي ''هذا علاش نحب قيس سعيد''    تأجيل إضراب أعوان الديوان الوطني للبريد الذي كان مقررا لثلاثة أيام بداية من الاثنين القادم    جامعة رفع الأثقال: هروب رباعين تونسيين الى الأراضي الأوروبية خلال منافسات المنافسات    بني خلاد: مرض يتسبّب في نفوق الأرانب    '' براكاج '' لسيارة تاكسي في الزهروني: الاطاحة بمنفذي العملية..    إيقاف شخصين بهذه الجهة بتهمة الاتجار بالقطع الأثرية..    غرفة الدواجن: السوق سجلت انفراجا في إمدادات اللحوم البيضاء والبيض في اليومين الاخيرين    الأولمبي الباجي: 10 لاعبين في طريقهم لتعزيز صفوف الفريق    تأجيل الجلسة العامة الانتخابية لجامعة كرة السلة إلى موفى أكتوبر القادم    زغوان: برمجة زراعة 1000 هكتار من الخضروات الشتوية و600 هكتار من الخضروات الآخر فصلية    منحة قدرها 350 دينار لهؤولاء: الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يكشف ويوضح..    تنبيه/ اضطراب في توزيع مياه الشرب بهذه المناطق..    رئاسيات 2024 : تسجيل30 نشاطا في إطار الحملة الإنتخابية و 6 مخالفات لمترشح وحيد    فتح باب الترشح لجائزة الألكسو للإبداع والإبتكار التقني للباحثين الشبان في الوطن العربي    تونس: حجز بضائع مهرّبة فاقت قيمتها أكثر من مليار    سقوط بالون محمل بالقمامة أطلقته كوريا الشمالية بمجمع حكومي في سيئول    قفصة: إنطلاق الحملة الدعائية للمرشح قيس سعيد عبر الإتصال المباشر مع المواطنين    يهدد علم الفلك.. تسرب راديوي غير مسبوق من أقمار "ستارلينك"    "دريم سيتي" يحل ضيفا على مهرجان الخريف بباريس بداية من اليوم    رم ع الصيدلية المركزية: "توفير الأدوية بنسبة 100% أمر صعب"..    سعر الذهب يتجه نحو مستويات قياسية..هل يستمر الإرتفاع في الأشهر القادمة ؟    السيرة الذاتية للرئيس المدير العام الجديد لمؤسسة التلفزة التونسية شكري بن نصير    علماء يُطورون جهازا لعلاج مرض الزهايمر    الحماية المدنية تسجيل 368 تدخلّ وعدد366 مصاب    عاجل/ عملية طعن في مدينة روتردام..وهذه حصيلة الضحايا..    تونس تشتري 225 ألف طن من القمح في مناقصة دولية    ثامر حسني يفتتح مطعمه الجديد...هذا عنوانه    ارتفاع عائدات صادرات المنتجات الفلاحية البيولوجية ب9.7 بالمائة    تحذير طبي: جدري القردة خارج نطاق السيطرة في إفريقيا    مصادر أمريكية: إسرائيل خططت على مدى 15 عاما لعملية تفجير أجهزة ال"بيجر"    كظم الغيظ عبادة عظيمة...ادفع بالتي هي أحسن... !    والدك هو الأفضل    هام/ المتحور الجديد لكورونا: د. دغفوس يوضّح ويكشف    "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"...الفة يوسف    مصر.. التيجانية تعلق على اتهام أشهر شيوخها بالتحرش وتتبرأ منه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التنمية المجتمعية واتجاهاتها العلمية من خلال البحث السيسيولوجي التحليلي (الجزء الأول)
٭ النوبي بن فرج
نشر في الشعب يوم 28 - 05 - 2011

يرجع الاهتمام بمشاكل التغير الاجتماعي والتنمية في النصف الثاني من القرن العشرين، الى ظهور الأمم الحديثة ومحاولتها ايجاد حلول بمشاكلها التي ظهرت بعد حصولها على الاستقلال فلقد لجأ قادة وجماهير تلك المجتمعات الى علاج المشاكل التي تراكمت في الماضي بانجاز الأوجه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لمجتمعاتهم، وبالتخطيط الطويل الى المدى وبخلق ايديولوجية تحدد الاهداف التي تصبو اليها مجتمعاتهم.
فبعد ان استقلت هذه الامم سياسيا، تبلورت مظاهر الاختلاف بين الدول النامية، وقد يفسر هذا الاختلاف من خلال عملية التحرر والاستقلال، فلقد اختلفت في مراحل التحرر السياسي من حيث سجون بعض الدول مستعمرة او نصف مستعمرة او مازالت واقعة بين براثن الاستعمار الجديد كما لوحظ ايضا انه هناك دول نامية قد انتهجت الاشتراكية واخرى قد اخذت بأساليب النظام الرأسمالي ومجموعة ثالثة مازالت تحت سيطرة النظام الاقطاعي.
كما قد يرجع التفاوت في عملية الانماء الى التقسيم العالمي للعمل والى علاقة الدول المتقدمة بالدول النامية، والى اهتمام الدول المتقدمة بعلمية التنمية فالدول المتقدمة بأوروبا الغربية قد قامت بإنشاء السوق الاوروبية المشتركة كما ان دول اوروبا الشرقية قد قامت بانشاء منظمة التعاون الاقتصادي فيما بينها. ولذلك بعتقد الدكتور أنور عبد الملك ان ظاهرة التخلف في مجتمعات الامة العربية تمثل في المقام الاول الوجه السالب لعملية جدلية تركيبية شاملة تمثل فيها مجموعة المجتمعات النامية في الغرب العنصر الايجابي.
وتختلف تحديات التنمية في الدول النامية اليوم عن تحديات تنمية الدول المتقدمة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر حيث ان الدول الاخيرة لم تعان من قبضة وسيطرة القوى الاستعمارية ابان عملية الانماء، فالموقف يختلف من حيث سيطرة الدول المتقدمة اقتصاديا وسياسيا على اقتصاديات الدول النامية فالعالم النامي يعتبر مصدرا للمادة الخام اللازمة لصناعات الدول المتقدمة، كما يعتبر في الوقت نفسه مجالا لتسويق منتجات هذه الدولة وهذا هو اساس مفهوم الدكتور عبد الملك السابق الاشارة اليه.
ويرى الدكتور ابراهيم عبد الرحمان ان ما يحدث من تغييرات الوضع الاقتصادي للدول العربية منفردة او مجتمعة، لا يمكن ان يكون منفصلا عن التغيرات السياسية والتكنولوجية والتنظيمية والتعليمية والحضارية على المستوى العالمي.
فالتغييرات استمرت اساسا في الخارج وطبقت في البلاد العربية وفقا كما اتيح لهذا التطبيق من تحويل وتوجيه غيرت في صورة الحياة المادية وبالتالي تفاعلت مع صورتها المعنوية والاجتماعية والفردية والجماعية وبالتالي اصبحت عنصرا مهما في وصف الوضع الاقتصادي الانتاجي والاستهلاكي.
كما يختلف ميكانيزم التغير والتغيير الذي مرت كل من الدول النامية والمتقدمة من مراحله واتجاهاته، هذا الى جانب ضرورة ملاحظة التقدم السريع للدول المتقدمة الذي يؤدي الى زيادة واتساع الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية. اذ تفيد احصائيات الامم المتحدة ان دول العالم الثالث قد حققت معدلا نجد ان الناتج القومي للأجيال خلال الفترة 1950 1970 يزيد قليلا عن 5% وكان الرأي على ذلك يعد هذا المعدل أعلى ما كانت تحققه الدول المتقدمة في مراحل عمليات انمائها الاول... ولكن الواقع يكذب هذا اذا ان معدل نمو الناتج القومي على مستوى العالم الثالث مضلل لأنه يخفي اثرا الانتاج الضخم في الناتج القومي لعدد محدود من الدول المنتجة للبترول.
ودراسة التنمية ليست بالدراسة السهلة بمعنى انه ليس من اليسير معالجة قضية التنمية وادراكها كشيء جزئي، من الملاحظ ان بعض الخبراء يتناولها كوظيفة عملية او اساسية في تكوين رأس المال والمهارة والتكنولوجيا...
والبعض الآخر يفضل تفسيرها من خلال وظيفتها في معالجة التخلف بالدول النامية.
وقد يكون اطار التنمية قوميا وشاملا كما قد يكون محددا في الحصول على الحاجات الضرورية لكل فرد، بمعنى ان للتنمية اتجاهات على المستوى العالمي او على المستوى المحلي التي تنحصر في التحرر سير المعيشة.
تستلزم دراسة التنمية التفرقة بينها وبين بعض المصطلحات التي قد تكون موازنة لها مثل: مصطلح النمو اذ يعتبر النمو اصرار لزيادة الدخل الحقيقي ويعتمد في ذلك على تراكم رأس المال وعلى تقدم المعرفة والاختراع والتكنولوجيا ووسائل الانتاج والادارة. ولا يعتبر النمو مقياسا لمستوى معيشة الجماهير أو مقياسا لزيادة متوسط الدخل الفردي. اذ توجد دول يرتفع فيها الدخل القومي ومتوسط الدخل الفردي، وفي نفس الوقت تعاني جماهيرها من الفقر، وذلك لتمركز الثروة في ايدي ثلة من افراد الشعب.
ولقد ذكر محجوب الحج ان البرازيل قد خفضت نسبة نموها في الدخل القومي في فترات سابقة بما يقرب عن 7% ورغم ذلك فإنها مازالت تعاني من التخلف وسوء، توزيع الدخل، ولم تتحقق تنمية المجتمع لأن الاهتمام بزيادة النمو وزيادة الدخل القومي لا يجدي في القضاء على المشاكل المتعلقة بالفقر، ولا في القضاء على البطالة ولا في اعادة توزيع الدخل بطريقة عادلة... وهذا يثير تساؤلا حول الاخطاء التي وقعت فيها عملية التنمية في البرازيل ويجيب محجوب الحج عن هذا التساؤل فيقول ان عملية التنمية التي تبلورت في شكل نمو الدخل القومي قد أخطأت في اتجاهين.
1) لم يكن الهدف هو القضاء على أسوأ أنواع الفقر وانما كان السعي الى تحقيق أعلى مستوى متوسط الدخل الفردي والنمو من خلال التصدير والاستيراد الهدف الى القضاء على الفقر وسوء توزيع الدخل.
2) الاعتقاد بأن سياسات الدخل تنفصل عن سياسات النمو، وهو اعتقاد ساذج في فهم وادراك التفاعل الذي يتم بين الانظمة الاقتصادية والسياسية.
ويستطرد محجوب الحج فيقول لقد اثبتت تجربة الصين خطأ الاعتقاد بأن العمالة الكاملة تتحقق بارتفاع معدلات النمو. الخلاصة ان الهدف من التنمية ينبغي ألا ينحصر في نمو الدخل القومي وانما يجب ان يمتد الى علاج المشاكل التي يعاني منها المجتمع مثل الفقر والجهل والمرض.
وقد تعرف التنمية من خلال عناصر التقدم مثال ذلك تعريف اDos santosب في مقالته اTheory and the problem of dependance in latin American.
1) التقدم والاستجابة لوضع معين في المجتمع لتحقيق ما حققه المجتمع المتقدم اي المجتمع الصناعي.
ب) اقتناء الدول النامية لنموذج الدول المتقدمة.
ج) إن هناك العمليات السياسية والاقتصادية والسيكولوجية التي تسمح بتعبئة المصادر القومية وتستخدم في عناصر التنمية الاقتصادية.
د) هناك الحاجة الى تنسيق القوى الاجتماعية والسياسية لتدعيم التنمية، ومما هو جدير بالذكر ان التنمية في هذا القرن تختلف مفهومها عن فكرة التقدم في القرن التاسع عشر فهي لا تعني مجرد التغير، وانما تعني التغير الى حالة أفضل المقصود بالحالة الأفضل في القرن العشرين المساواة في المجال السياسي والعدالة في توزيع الثروة، وزيادة الدخل القومي.
وقد تعرف التنمية بأنها عملية ملازمة للتحدث وقد اختلف العلماء في تعريف مصطلح التحديث فأكد البعض في تعريفه على الجوانب البنائية، بينما رأى البعض الآخر انه التحول في النسق الثقافي وفي التنظيمات الاجتماعية وفي الخواص السيكولوجية، والتحديث قد يستعمل تعبيرًا عن التكنولوجيا أو التنظيمات الحديثة والاستعمال المألوف لمفهوم التحديث هو استحداث شيء قديم وتحويله الى صورة حديثة، فالتحديث اذن هو خصائص عمل التكنولوجيا وأسلوب الحياة والتنظيمات الاجتماعية والفن واسلوب الانتاج.
ويعرّف اEisentandب التحديث بأنه التدرج بالمجتمع للوصول الى درجة النضج.
٭ الاتجاه الماركسي
في مجال تطور المجتمعات يعتمد الاطار التصوري للأفكار الماركسية على مسألتين أساسيتين المادية التاريخية والتطور من خلال الصراع الطبقي. ويحدد ماركس تاريخ المجتمعات في خمس مراحل اختلف فيها النسق الانتاجي وبالتالي العلاقات الاجتماعية. ويعتقد ماركس نه يستلزم لتغيير النسق الاجتماعي الرأسمالي سيطرة الطبقة العمالية وملكيتها لوسائل الانتاج كما يستلزم لتحقيق ايضا الثورة، فالثورة هي طريق التنمية والارتقاء الى مرحلة أعلى يمكن توصيف التنمية من ماركسية ماركس بأنها:
1) عملية تحول من مرحلة الى أخرى أكثر رقيا مما سبقتها من مراحل وان التنمية تحتوي على حلول للمتناقضات من خلال التغيير الثوري الذي ينتج تنظيما على مستوى أرقى من التنظيم السابق. اي تغيير كيفي.
2) بعد التغيير الكيفي يبدأ المجتمع في النمو والتطور الى ان يستنزف كافة امكانيات النمو ضمن المرحلة وهنا يحتاج الامر الى تغيير كيفي جديد اي ثورة تؤدي الى تغيير علاقات الانتاج.
3) ويستمر التحول الكمّي يؤدي الى تحول كيفي من خلال الثورة الى ان نصل الى مرحلة تحل فيها التناقضات بالتخطيط الشامل الواعي وتنتهي مرحلة التغييرات الكمية.
4) تتم الثورة عن نتيجة اصطدام الصراع الطبقي الذي يعبر عن تناقضات تظهر أساسا في التناقض بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج.
5) يؤكد على الحتمية التاريخية في مراحل تطور المجتمعات.
ونظرا لأن الماركسية لم تشر الى امكانية قيام صراع جديد عند الوصول الى مرحلة المجتمع الشيوعي فهذا يعنى ان التنمية ستؤدي الى التوزان المبني على العقلانية والعدالة الاجتماعية. ويجب ألا تفهم التنمية على أنها نمو بسيط ينتهي نهاية سعيدة بل يجب ان ندرك انها عند ماركس تنبع من الصراع والتفاعل وفي نتاج أبنية جديدة.
6) إن البناء السياسي أو نمط الدولة يمكن الاهتمامات الاقتصادية للمجتمع اذ يعتقدها ماركس ان السلطة في اي مرحلة من مراحل التنمية تخدم الاهتمامات الاقتصادية للطبقة المسيطرة.
واذا حاولنا ان نلخص نموذج ماركس في عملية التنمية المجتمعية الرأسمالية من المنظور الطبقي نحصره في الآتي.
الاقتصادي، ويعتبر الثورة عاملا سلبيا في عملية التحديث ويتعرض اWertheim, W.F.ب لمفهوم التحديث، فيذكر انه من وجهة نظر المدافعين عنه عملية موجهة من قبل الجهات العليا فعملية التحديث قد أخذت مكانتها من حيث رفع المجتمعات الي مستوى النضج الاقتصادي والسياسات مثالا لذلك... ولقد وجه اWertheimب نقدا إلى نظريات التحديث ووصفها بالضعف لإهمالها النظام الاقتصادي العالمي وعرف البعض أمثال بندك اM.I.Logan Bendkب ومحمود عودة التحديث بأنه العمليات الاقتصادية والتغير الاجتماعي الذي تسعى الدول النامية من خلاله الى الأخذ بخصائص الدول الرأسمالية الغربية. والفرق بين التنمية والتحديث هو ان التحديث يهدف الى زيادة امكانيات المجتمع الى الحد الأقصى من خلال أهداف محددة وأساسية للبناء الاجتماعي، وان التنمية عكس ذلك، حيث انها تبغي زيادة امكانيات المجتمع الى الحد الاقصى دون التقيد بأهداف لها نهاية محدودة في تحقيق التغير والتنمية تقبل التجديد الذي يؤدي الى استقلال موارد وامكانيات المجتمع، وتعتمد في تحقيق ذلك على الموضوعية التي تأخذ معنى الترشيد في مصطلحات الثقافة الغربية ويختلف التحديث في التنمية من حيث اهتمام التحديث بالنواحي الكمية المتمثلة في النمو الاقتصادي وفي النواحي الكيفية، في حين أن التنمية تهتم بالاوجه الكمية والكيفية، ومهما يكن من شأنه الغموض الذي يحيط بمصطلح التحديث في مرادفته لمصطلح التنمية الا انه جزء متمم لعملية التنمية وليس مساويا لها. اذ ان التباين كامن في تفسير دلالة ومفهوم كل منهما. ويتبلور مظهر الاختلاف نوعية تغير المجتمعات النامية، ومدى صلاحية علم الاجتماع الغربي في دراسة المجتمعات غير الغربية.
ويعرف د. أنور عبد الملك التنمية بقوله: بما ان عملية التنمية الحضارية بأسرها تعني اول ما تعني الاعتماد على النفس وتعبئة كافة الامكانات والطاقات والقوى الوطنية. وتحديد مراحل التقدم استراتيجيا وتكتيكيا على ضوء التفاعل الجدلي بين الطاقة الوطنية منظور اليها في تطورها من ناحية، بين القوى المعاصرة والضاعطة وكذا الحليفة او المواكبة لها في عالم متغير من ناحية اخرى.
ويذكر احمد خليفة: «أن التنمية عملية مركبة من عناصر سياسية واقتصادية واجتماعية. ومن الاصوب ان يقال ان التنمية الشاملة تتجه الى اهداف مرحلية تتمثل في مضاعفة الدخل القومي ورفع معدلات الدخول، والى اهداف بعيدة تتمثل في الارتفاع بمستوى المعيشة، والتوسع في الخدمات الاجتماعية والرعاية الاجتماعية، وتحقيق اقصى قدر من الوئام الاجتماعي، أما التقدم التنكولوجي باعتباره عنصرًا من عناصر التنمية، فانه يمثل الدائرة المفرغة التي تدور فيها الشعوب النامية.
والتنمية من وجهة نظر د. سمير نعيم هي «النمو الاجتماعي والارتقاء بمستوى الانسان، ذلك الارتقاء الذي يتحقق من خلال استمرار تحريره من العجز عن اشباع حاجاته الأولية بحيث يستطيع الانطلاقة الى خلقه واشباع المزيد من الاحتياجات العقلية والروحية، اي تلك الاحتياجات التي تميزه عن غيره من الكائنات الحية».
وأوضح د. اسماعيل صبري عبد الله استحالة التنمية على الاسلوب الغربي الرأسمالي ودعا الى ضرورة ان تتبع التنمية الاسلوب الاشتركي، على ان تكون نقطة البدء فيها الاعتماد على النفس والاستخدام الامثل لكل الموارد الذاتية، والعمل على اشباع الاحتياجات الاساسية لجماهير الشعب، ووضع تصور جديد لهيكل الانتاج، واستخدام التكنولوجيا المناسبة وضرورة المشاركة الشعبية، والعدالة الاجتماعية.
ويتعرض د. علاء الدين ميلاد لتعريف التنمية بقوله: إن قضية التنمية هي عملية تغير حضاري شامل تتناول كافة أبنية المجتمع وأدواره المادية وغير المادية. وفي هذا الاطار فان مفهوم التنمية يتضمن عنصرين مترابطين:
1) تطور مركز يتمثل في ازدياد قدرات وامكانيات النمو الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بما يجعلها اكثر قدرة عن الوفاء بالمطالب والتحديات المختلفة واكثر قدرة على الانجاز في اطار ظروف المجتمع ومحدداته.
2) إن هذا التطور يسعى الى تحقيق مجموعة من الاهداف والقياسات المستوحاة، تتمثل في تأكيد الاستقلال الوطني والثقافة الوطنية والمساواة في مضامينها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومفهوم التنمية عند د. لسعد الدين ابراهيم يعني انبثاقة ونمو كل الامكانيات والطاقات الكامنة في كيان معين، بشكل كامل وشامل متوازن سواء كان هذا الكيان هو فرد أو جماعة او مجتمع ولهذا التعريف عناصر أساسية أهمها:
أ) التنمية عملية داخلية ذاتية بمعنى ان كل بذورها ومقوماتها الاصلية موجودة في داخل الكيان موضوع التنمية بنفسه، وان اي عوامل أو قوى خارج هذا الكيان لا تعدو ان تكون عوامل مساعدة وثانوية.
ب) إن التنمية ديناميكية وحركية مستمرة وليست حالة ثابتة أو جامدة أو نهائية.
ج) إن التنمية ليست ذات طريق او اتجاه واحد محدد مسبقا وانما تتعدد طرقها واتجاهاتها وأشكالها، باختلاف الكيانات وباختلاف تنوع وتفاوت الامكانيات الكامنة في كل منها.
والتنمية قد تعني ايديولوجية واستراتيجية واهداف الافراد في وصفهم الحالي وفيما يجب ان يكونوا عليه... فالتنمية عملية تخطيطية لتغيير البناء الاجتماعي، وهي في نفس الوقت عملية ديناميكية تهدف الى تحقيق التقدم في الأوجه الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع بالاستخدام الفعال الكفء لموارد ومصادر المجتمع، كما انها عملية يتم خلالها اتخاذ الاجراءات التي تؤدي الى استمرارية الفرص امام الافراد لتحسين طاقاتهم وقدراتهم.
نستخلص من بعد ان السوسيولوجيين وغيرهم من العلماء قد اهتموا بمعالجة ودراسة موضوع التنمية ومفاهميمها من عدة أوجه وهدفنا من الدراسة السوسيولوجية التحليلية لاتجاهات التنمية هو محاولة فهم وتحليل عملية التنمية المجتمعية في المجتمعات النامية عموما وفي المجتمع التونسي بصفة خاصة ولا يمتد الهدف الى محاولة اثبات صحة وبطلان اتجاه سوسيولوجي على حساب اتجاه آخر، وانما ينحصر الهدف في الوصول الى معرفة الظروف الاجتماعية للمجتمعات النامية والمجتمع التونسي خصوصا، خلال العرض النقدي التحليلي للاتجاهات في الوصول الى معرفة بدائل المفاهيم والاتجاهات والنظريات التيت عرضت لدراسة الدول النامية. فالاتجاهات السوسيولوجية دور في توجيه البحث والدراسة اذا ما استخدمت بحكمة ودراية وهذا يتطلب دراسة مفاهيم الاتجاهات وتصوراتها والالمام بمحاولتها وبما احتوته من اهتمامات مختلفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.