»علّم الصغار وهم يلعبون« »من شبّ على شيء شاب عليه« لذا نقول إنّ فيها نربّي أبناءنا ونغرس فيهم القيم التي تميّزنا حضاريا عن بقيّة الأمم، ونُحبّب لأنفسهم لغة الضاد، ونسوّي نطقهم ونؤهلهم ليكونوا في المدرسة تلاميذ نجباء لأنّ المدرسة ليست كما يظنّها البعض المسؤولة وحدها عن تربية الناشئة. إنّ البلدان الراقية المتقدّمة تعتني بالطفل منذ نشأته فتصقل مواهبه وتهذب ذوقه وتعلمه لغته لتكون له خير زاد عندما يلتحق بالمدرسة عند بلوغه السادسة من عمره، ولعلّ سبب تقدّم الشعوب التي تعتني بتربية أبنائها منذ الصغر يكمن في امكانية استيعاب أطفالهم للمواد العلمية لأنّ اللغة لا تشكّل معوّقًا في سبيل هضم المعلومات. أمّا عندنا فأصبحت اللغة العربية محاضرة لما اعترى الشارع من ألفاظ ممْجوجة، فاختلطت على التلميذ عربية المدرسة وهي الفصحى وعربية البيت والشارع وهي في انحدار متواصل. إنّ التلميذ في مدارسنا رغم تلقينه مواد التربية الدينية والوطنية والبدنية والموسيقيّة، متأثّر بلغة المحيط أي البئة الثالثة الملوّنة التي تقضي على ما يلقنه المعلم أو الأستاذ في ساعات معدودات. إنّ العرب قديمًا كانوا يحرصون على تعليم أبنائهم أصول الأخلاق العربية الأصيلة ويبعثون بصغارهم إلى القبائل التي لم تلوّثها اللهجات الهجينة، فلِمَ لا نحاول تنقية لغتنا العاميّة ونطهّر الأماكن العامة والملاعب الرياضية خاصّة من هجين القول حتى نحمي رصيدنا اللغوي الذي نلقنه لتلاميذنا في المدارس وحتى لا تصبح اللغة الفُصحى مجرّد لغة معزولة تستعمل في مرحلة الدراسة فقط. ولسائل أن يسأل: لماذا لا نفكّر ولا نبدع؟ إنّ أفكار مربّينا وتلاميذنا وطلبتنا مشتّتة بين الفرنسية والأنجليزية والايطالية... فاعلموا أنّ الفرنسية للفرنسيين والانجليزية للأنڤلوسكسونيين، والعربية للعرب! (سنشرح بتفصيل في آخر المقال). أما سمعتم بأنّ عملاقين من عمالقة العالم، وهما روسياواليابان قد جلبا التكنولوجيا من الغرب وأمريكا وأخضعاها إلى لغتيهمَا، فأين نحن من ذلك؟ وبما أنّنا في زمن الثّورة، علينا أن نعرف ونحدّد أهدافها من تغيير وبناء وتشييد وتضحيات جسام. فالثّورة تكون شاملة أي أنّها تزحف على كلّ سائد من ركود وظلم وتشريعات زائفة.. لتأتي بالبديل والجديد في شتى الميادين لمواكبة العصر واكتساب المناعة وأسباب البقاء الأفضل، فلْنَحْذُ حذو هذين العملاقين (روسيااليابان) وغيرهما ككوريا الشمالية... ونبدأ بالتّعريب أوّلا (أي تدريس كلّ المواد العلميّة باللغة العربية لنكتسب العزّة والكرامة واالوطنية، لنستقلّ ونبدع، فاللغة العربية أو لغة الضاد، أو اللغة الأم، أو لغة الدولة، أو لغة الكتابة قادرة على استيعاب كلّ العلوم، والدّليل أنّ المصطلحات الكميائية والرياضية والآلات الطبية التي تستعمل في الجراحة كانت ومازالت عربيّة. انّ الاستعمار طمس اللغة الأم وأبقى عملاء له يواصلون عملية التغريب ومنهم بورڤيبة الذي تنكّر للعروبة (لأنّه من أصل بوسني) وللغة العربية واستبدلها بلهجة عاميّة ممجوجة، هجينة، وقحة، ثمّ دمّر قدرات التلميذ التونسي بواسطة حشوِ دماغه بعدّة لغات كالفرنسية والانجليزية والايطالية... وبتدريس كلّ العلوم بالفرنسية ولما نقده العرب نقدا لاذعًا واتهموه بالتغريب، أمر بتدريس العلوم بالابتدائي والاعدادي باللغة العربية ثمّ بالفرنسية، بالثانوي والعالي، وهذه خطّة استعماريّة أخرى حيث قضت على ملكة الذكاء عند التلاميذ والطلبة حيث أصبحوا يواجهون لغة ومعلومة، وهذه الخطّة تطبّق إلى الآن، وكما ترون لا تقدُّمَ ولا ابداع! لذلك وجب تغيير طرق التعليم بدءًا بالمنزل (المدرسة الأولى) وفي الغرض أقدّم النصائح التالية: على كل ولي أن يفكّر ويخطّط ويسأل ذوي الاختصاص كيف يجعل ابنه ذكيًّا، مخترعًا، صانعًا، وعليه أن يعلم أنّ الانسان في كلّ مكان قادر على استيعاب العلوم بلغته الأم وعلى الاختراع متى حصل على الغذاء الكامل وزُوّد بالعلم الصحيح مع التطبيق، فالاختراع ليس حكرًا على الأمريكي أو الياباني... فليبدأ كلّ ولي بإلفات نظر ابنه إلى ما يوجد حوله أو في منزله من آلات الكترونية أو ميكانيكيّة (الآلات التي تعمل بالحيلة) ثمّ يشرع الصغير في رسم أجزائها، ثمّ تفكيكها ثمّ بتركيبها، ثمّ بصناعة أجزائها من الورق أو من الخشب مع تلقينه مبادئ اللغة العربية، وأن لا يشغله بأمور الدين والخرافات المخيفة لأنّها لا تعطيه المنفعة المباشرة تغيير طرق التعليم بالابتدائي أ) يجب على المدرس بالابتدائي أن يكون أستاذًا في مادته، والقيمون كذلك دورهم هو مراقبة وارشاد ومساعدة التلاميذ وتوجيه سلوكهم أثناء الراحة وأمام المدرسة. ب) تدريس المواد التالية: لغة عربية رياضيات فيزياء تكنولوجيا علوم طبيعية وموسيقى كلّها مع التطبيق، فهذه المواد علميّة تعطي المرَبَّى المنفعة المباشرة، هنا، نضرب مثلا بسيطًا: عندما تعطي التلميذ مئة ملّيم وتطالبه بتقسيمها على أربعة فسيعطي كل واحد 25 مليما، فالمنفعة المباشرة هنا هي ملامسة الحقيقة والعدل وعندما نعلمه أنّ الحديد اذا صُهِرَ بالنّار يمكن تحويله إلى آلة فالمنفعة المباشرة هي فهم سلوك المادة ثمّ تطويعها أو تحويلها إلى آلة، والحاجة أمّ الاخترع. ج) نربّي أبناءنا على المشاهدة، التجربة، الاستنتاج، وعندما تنجح التّجربة تصبح لدينا سلسلة أخرى وهي فكرة جديدة مع تجربة (وهذا هو التطور العلمي). د) عدم تدريس المواد التالية: القرآن، التاريخ والحديث حول الألوهية لأنّها لا صلة لها بالعلم وبالمنفعة المباشرة، وفوق ذلك ترهب الانسان وتخيفه وتشلّ قدر اته العقلية والتي هي: الادراك التفكير التذكر التخيّل والتصور وهنا أذكر أنّ الرسول الرجل الثائر نزل عليه الوحي وهو في الأربعين! ه) الأناشيد (الهادفة) والرياضة يمكن تعلّمها بواسطة التلفاز. و) على الدولة انشاء مؤسسة خاصة لبعض اللغات للتعامل مع ناطقيها ولمواكبة التطور العلمي. خاتمة: علوم التربية ظهرت مختلف علوم التربية كعلم النفس التربوي وعلم النفس التحليلي التربوي، وعلم الاجتماع التربوي وتاريخ التربية... زمن تطور بحوث العلوم الانسانيّة، زمن الحرب االعالميّة الثانية. 4) يعرّف العلماء »التربية« بأنّها تمرير للمعارف سواء كانت حضاريّة (كالتاريخ) أو علميّة (رياضيات، فيزياء، بيولوجيا..) أو عملية، كالمعارف الخاصة بالحرف والمهارات اليدوية. كما ينصحون باستعمال البيداغوجيا pédagogie وأصلها لا تيني paidogogia ويعرّفها Berger بقوله: هي مجموع الطرق والوسائل التي تمكّننا من أن نُعين تلامذتنا على المرور من طور الطفولة إلى الكهولة، أمّا Leret فيقول: انّ البيداغوجيا علم من العلوم الانسانية التطبيقية يمكّن المدرس من مساعدة المربّي من تطوير شخصيته وتفتحها، ويعرفها البعض بأنّها مجموعة العمليات والوسائل التي يختارها المدرّس وفقا للوضعية التي يوجد فيها قصد ترشيد العملية التدريسية. ولهذا علينا أن نختار الطرق والوسائل الناجعة لتنمية الذكاء عند الصغار منذ نعومة أظافرهم لنجعل منهم عباقرة مفكرّين ومخترعين ليمهدوا السبل ويقضوا على مخلفات الاستعمار.