في اطار البحث عن حلول للاقتصاد التونس والسبل الكفيلة بتحقيق نماءه لدى الخبراء والمختصين التقينا السيد منجي السماعلي هو أستاذ جامعي مختص في الاقتصاد و هو أيضا كاتب عام النقابة الأساسية لأساتذة المعهد العالي للتصرف بتونس ماهي مواطن الخلل في السياسات الإقتصادية التي كان ينتهجها النظام السابق ؟ يمكن حصر مواطن خلل الإقتصاد التونسي في ستة نقاط : - شدة الإرتباط بالسوق الأوروبية وخاصة السوق الفرنسية (أكثر من 80? من صادراتنا موجهة للسوق الأوروبية) وهذا يخلق نوع من التبعية لهاته السوق؛ - إقتصاد موجه للتصدير مع إختصاص في إنتاج السلع التي تعتمد على يد عاملة لا تتطلب كفاءة كبيرة مثل قطاع النسيج، السياحة، التركيب،...إلخ - عدم التطابق بين العرض والطلب بخصوص اليد العاملة ذات الكفاءة العالية، مما إنجر عنه إرتفاع عدد العاطلين عن العمل من ذوي الشهادات العليا (نسبة طالبي الشغل من حاملي الشهادات الجامعية بلغ 55? من مجموع اليد العاملة النشيطة سنة 2009 بينما لم يتجاوز 20? سنة 2000) - ضعف الإستثمار الداخلي الخاص ممّا زاد في تعميق البطالة حيث بلغت إجمالا 14? سنة 2010 و30? بالنسبة للفئة العمرية بين 15-29 سنة حسب الإحصائيات الرسمية - مناخ أعمال غير سليم يتميز بتفشي الفساد على مستوى الإدارة ووجود جماعات ضغط مفترسة (Prédateurs) ممّا أدى إلى تقلص الإستثمار الخاص الداخلي وأثر سلبا على طلب اليد العاملة وعلى تفاقم البطالة؛ - وجود فوارق بين الجهات، أساسا الجهات الداخلية التي لم تنل حظها من التنمية، وليس بالغريب أن تنطلق الثورة من هذه الجهات الأكثر حرمانا والأكثر بطالة والتي تنعدم فيها البنية التحتية والتجهيزات الجماعية الضرورية لحفز الإستثمار. ما هي أهمّ الإصلاحات الإقتصادية اللازمة لتحقيق النمو الإقتصادي ؟ من أهم الإصلاحات التي يجب إتخاذها هي تنقية مناخ الإستثمار، وذلك برفع العراقيل الإدارية وبإنشاء منظومة توفر التسيير الرشيد للإدارة، التي يجب أن تصبح في خدمة المستثمر لا أن تعيقه كما يجب إيجاد آليات لمنع وجود جماعات ضغط وللحد من تدخلها في المشاريع الإستثمارية. - إعطاء دور أساسي لتمويل المشاريع الفلاحية في الداخل لأن ذلك يساعد على خلق مواطن شغل وعلى تأمين الأمن الغذائي لتونس - البحث عن أسواق خارجية أخرى للحد من التبعية للسوق الأوروبية وهذا على المستوى المتوسط والبعيد - إحداث إستثمارات ذات مفعول جرّار على عديد القطاعات (effet d?entrainement)، وبالأخص إستثمارات في البنية التحتية خاصة في المناطق الداخلية وهذا مما سيمكن من الحدّ من نسبة البطالة وكذلك الحد من الهجرة الداخلية وإرتفاع الطلب الداخلي مما يدفع بالنمو إلى نسب عالية لماذا فشلت الحوافز والتشجيعات في دفع الإستثمار الخاص ؟ عندما نتفحص قانون الإستثمار التونسي نلاحظ وجود حوافز وتشجيعات عديدة خصوصا للإستثمارات في قطاع التصدير والإستثمار داخل الجهات المعنية بالتوازن الجهوي. لكن رغم هاته الإمتيازات يبقى الإستثمار الداخلي الخاص ضعيفا ويرجع السبب كما أشرنا له سابقا إلى تعفن مناخ الإستثمار مع وجود جماعات ضغط مفترسة مكونة أساس من عائلة الرئيس الفار وزوجته والعائلات المصاهرة. وهاته العائلات كان لها نفوذ على المسؤولين في الإدارة أضف إلى ذلك تطور السوق الموازية التي يهيمن عليها بعض من جماعات الضغط وأنجر عن ذلك أن المستثمر التونسي يجد نفسه غير قادر على منافسة بضائع قادمة من الصين والبلدان الآسياوية وتباع بأسعار لا يمكن منافستها وهذا ما أضر بالإقتصاد التونسي وأساسّا الإستثمار. هناك جدل قائم بين دعاة تدخل الدولة والمطالبين بتحرير الإقتصاد فما هو تعليقك؟ من بين ركائز برنامج الإصلاح الهيكلي الذي إعتمدته تونس سنة 1986 تخلي الدولة عن دورها كفاعل في الميدان الإقتصادي وترك المجال للقطاع الخاص. هذا الإنسحاب مع ضعف الإستثمار الخاص الذي لم يتمكن كما بينا سابقا من الإقلاع إنجر عنه خلل يتمثل في إرتفاع نسبة البطالة وتفاوت بين الجهات في الوضع الراهن ولتحقيق العدالة الاجتماعية والعدالة بين الجهات بات حسب نظري من الواجب تدخل الدولة كمستثمر داخل الجهات المحرومة لان هذا سيمكن من خلق مواطن شغل وبالتالي خلق حركية اقتصادية داخلية مما يحث المستثمر الخاص على الاستثمار ويمكن للدولة خاصة بعد تطهير مناخ الاستثمار أن تنسحب بعد ذلك بخصخصة هاته الشركات عندما تسير الأمور على ما يرام. لقد لاحظنا خلال الأزمة العالمية الأخيرة أن دور الدولة كان محددا فلولا تدخل الدولة لإنقاذ الشركات والبنوك التي كانت على وشك الإفلاس لكان وقع اللازمة كارثيا على الاقتصاد العالمي. ما هي واجبات الدولة من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية؟ بالإضافة إلى تدخل الدولة عبر إعادة توزيع الدخل بشكل عادل فإني أعتقد أن تحقيق العدالة الاجتماعية يتطلب وجود مجتمع مدني فاعل لان هذا المجتمع المدني بما فيه من نقابات وجمعيات هو الذي سيدافع على إرساء الشفافية عبر ترسيخ حرية الإعلام واستقلال القضاء. لأن يتوفر هاذين الشرطين: حرية الإعلام واستقلالية القضاء يمكن للمجتمع المدني وبالتالي كل مواطن من ضمان حقوقه.