يعتبر الاستاذ الجامعي عبد العكاري من ابرز الاسماء التونسية الباحثة في المجال الاقتصادي والمشهود لها عالميا، التقيناه لاستشارته حول الواقع الاقتصادي التونسي والحلول التي يراها لبعض المشاكل فكان الحوار التالي: ❊ الأستاذ عبد الله العكاري كيف ترى آفاق الاقتصاد التونسي بعد الثورة؟ لا شك في أن الاوضاع الاقتصادية ستتحسن وانها ستشهد تطورا مهما مقارنة بالفترة السابقة خاصة ان الفساد الاقتصادي قد زال، وتحرر الاقتصاد من قبضة الاقلية الفاسدة، وهو ما سيمنح مناخا من الثقة والشفافية وحرية المعلومة، وهي ظروف لازمة للنمو الاقتصادي، ففي الفترة السابقة كان الاقتصاد مبنيا على انعدام الثقة والخوف حتى ان الجميع اصبح يخشى النجاح خوفا من الفساد والسطو، كما ان هناك نقص في الربح الذي يذهب في شكل تسربات نحو جيوب العائلة الحاكمة. وعموما فان الاقتصاد لا ينمو في ظل الفساد وانعدام الثقفة. ❊ ماذا تتوقع في علاقة بالاستثمار الأجنبي المباشر؟ مؤكد أنه سيرتفع وان المستثمر سيقبل على تونس مقارنة بالفترة السابقة ويكفي ان تسمع ما قاله احد رجال الاعمال عن الرئيس المخلوع الذي كان هو نفسه يطالبه باقتسام الارباح، هل تتوقع ان مثل هذه المعطيات تغيب عن المستثمر الاجنبي؟ طبعا لا فالكل يدرك ان استثماره في خطر لذلك لا يجازف بالقدوم. ❊ بماذا تنصح المسيرين الاقتصاديين؟ ما حصل هو ثورة ستفرض اعادة النظر في كل شيء ولا يمكن الآن تقديم نصائح محددة ولكن الدولة ستلعب دورا مهما يجب اعادة تحديده كما سيتحسن أداء القطاع الخاص الذي تحرر من خوف السطو يبقى ان تحديد برنامج عمل وخطة اقتصادية شاملة يستوجب دراسة مفصلة ووفرة المعطيات وتحديد حجم السرقات وهي أمور لا يمكن البت فيها في الوقت الراهن وتستلزم بحثا معمقا. ❊ كيف يمكن تحقيق تنمية جهوية عادلة؟ في هذا المجال توجد تجربة افريقية اعتبرها شخصيا محترمة وجديرة بالاهتمام وهي دولة »رواندا« التي قطعت اشواطا كبيرة جعلتها تتجاوز اقتصادنا بمراحل، وكنت قد زرت هذا البلد في اطار اعمال بحثية وأندهشت لتطوره فعلى سبيل الذكر لا يوجد في رواندا اي وعاء بلاستيكي ملقى في الشارع ليس فقط لان الناس متحضرون ولا يلقون بالفضلات البلاستيكية بل لأن الورق عوّض البلاستيك في جل الصناعات بما في ذلك قوارير الماء، وهو مثال بسيط لكن يعكس عمق السياسات الاقتصادية المتبعة واصرار اصحاب القرار على التنمية فعلى خلاف ما هو معمول به في باقي الدول الافريقية، كان وُلوجنا الى المعلومة سهلا وبلا مقابل وهو ما يعكس الشفافية الكاملة حتى ان كل مدينة تحتوي على مؤسسة لمراقبة الشفافية وفيما يخص مجال التنمية الجهوية فقد قامت التجربة الرواندية على الحوكمة المحلية والتي تعني ان يصبح تعني ان يصبح لرئيس البلدية المنتخب دولة مستقلة تتخذ كل القرارات اللازمة لدفع التنمية داخل الجهة دون العودة الى الدولة المركزية وأعتقد ان هذه السياسة هي افضل الحلول بالنسبة الى اقتصادنا حتى نحقق التنمية الجهوية العادلة. ❊ كيف ترى علاقة الدولة بالقطاع الخاص في المرحلة القادمة؟ على الدولة في المرحلة القادمة ان تلعب دور المؤطر في مستوى التشجيع على الاستثمار وتعديل الاسعار وتوفير المعلومة خاصة المتعلقة بالسوق العالمية لأن هناك معلومات تتجاوز القطاع الخاص ويعجز بمفرده عن التقاطها وبعبارة أدق على الدولة ان تلعب دور اليقظة والتوجيه. ❊ هناك خلاف قائم بين دعاة عودة الدولة وأصحاب الفكر الليبرالي فما هو تعليقك؟ في اعتقادي ان عودة الدولة للعب دور متقدم في الاقتصاد مسألة ضرورية ومهمة، وفي الحقيقة فإن العالم كله يشهد الآن بعد الازمة العالمية الاخيرة عودة قوية لدور الدولة. وأبعد من ذلك فقد لاحظت ان البلدان التي كانت الدولة تلعب دورا اقتصاديا كبيرا تجاوزت الازمة بأخف الاضرار مقارنة مع البلدان التي تعتمد الليبيرالية، ومن الأمثلة على عودة الدولة الى دورها الاقتصادي احداث فرنسا لوزارة »هيكلية« تعنى بالتخطيط للاقتصاد وهي خطوة كبيرة نحو تدخل الدولة بقوة بعد ان قضينا سنوات عديد يفزعُ خلالها البعض عند سماع مصطلح »الاصلاح الهيكلي«. ويمكن الاستنتاج من الاحداث الاقتصادية الاخيرة ان الدولة تلعب دورا مهما بتدخلها في الاقتصاد شرط ان نعرف دورها وان تقتسم المهام مع القطاع الخاص. وكما قلت سابقا على الدولة ان تلعب دور المراقب اليقظ ويجب ان لا تفرط في عدد من المجالات لفائدة الخواص لأنها تختل اذا ما تركت لقانون السوق وهذه المجالات متنوعة وأهمها مجالات المضاربة. وفي اعتقادي ان الازمة العالمية قد أدت الى عودة الفكر الماركسي خاصة في جانبه الاجتماعي والثورة التونسية في الحقيقة تحمل في عمقها النظرة الماركسية للأشياء حيث يقول لينين تحدث الثورة عندما يرفض من هم في الأسفل ويعجز من هم في الأعلى.