لم يعد هناك ريبة ولا شك في إلزامية القطع مع الشرعية القانونية التي أنشأتها الديكتاتورية القائمة منذ 1 جوان 1959، ونظرا الى قيام الانتفاضة الشعبية التي أطاحت برمز الفساد »بن علي« ونداء لصوت الشعب بضرورة القضاء على الانتهازية التي كرّسها النظام القائم سابقا فانه من الضروري، وجوبا انجاز مؤتمرٍ وطنيّ. بعيدا عن سياسة الاقصاء والتهميش والتنصيب على ضمير الشعب التونسي الذي ثار ضد تكبيل الأفواه ومنع الحرية والحدّ من الديمقراطية بشرعية فاسدة تتجاوز أدنى الاعتبارات الانسانية فقد أصبح لزاما علينا انجاز مؤتمرٍ وطنيّ يضم جميع مكونات المجتمع المدني في تونس بما فيه من أحزاب ومنظمات وجميعات ونشطاء في المجال السياسي والنقابي ودكاترة قانون وقضاة ومحامين... ومن المجتمع التونسي الذين دفعوا دماءهم ولم يدخروا جهدا في الذود عن سلامة أحيائهم لكل هؤلاء وغيرهم الحق في الوجود في مؤتمر وطني ينتهي بمشاريع قوانين تسيير للفترة السابقة للانتخابات التشريعية والرئاسية على ان يتمخض عن المؤتمر الوطني لجنة منتخبة من السياسيين ورجال القانون يمثلون سلطة تأسيسية أصلية ثانية تعدّ دستورا جديدا على ان هذا الدستور الجديد نرى انه من الواجب عرضه على استفتاء شعبي، صحيح ان فكرة الاستفتاء الشعبي تم عن مغالطة وتضليل وحتى لا تكون كذلك فإن الاستفتاء يجب ان يكون مسبوقا بمناقشة فصول الدستور الجديد فصلاً فصلاً في وسائل الاعلام والصحافة ووجوب ان تجندّ السلطة التأسيسية لمناقشته والاجابة عن كل استفسرات المواطنين قبل ان يعرض على سبر آراء لرجال القانون دكاترةً وأساتذة ومحامين وقضاة... وطلبة القانون ان أمكن وبعد ذلك يعرض مقترح الدستور على الاستفتاء الشعبي فإن حظيَ بموافقة أغلبية المستفيدين فانه يتم العمل به دستورا للبلاد وان لم يحْظ بموافقتم ولم ينل رضاهم فانه يقع تعديل الفصول بالرّجوع الى نتائج سبر آراء ثم يعرض ثانيا على الاستفتاء، من الواجب ان يكون الدستور الجديد ذا طبيعة جامدة اي يخضع في تعديله لاحقا الى اتباع اجراءات محددة كما انه من الواجب تحديد الفصول التي اذا تم المساس بها تخرج الدستور من دائرة الشرعية حتى لا يكون الدستور الجديد »لعبة« بيد السلطة التشريعية او التنفيذية كما انه لابد ان يكون الدستور الجديد ضامنا للحريات دون قيد أو إحالة للقوانين ويضمن كذلك فصلا تاما بين مجاليْ السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ويضمن فعليا استقلالية القضاء اي ان يكون بنود الدستور تعبيرة واضحة لا لبس فيها عن ارادة الشعب التونسي ناطقا بصوتهم ضامنا لكرامة التونسي وحقه في العيش الكريم. إننا في هذه اللحظة الدقيقة من تاريخ تونس المجيد على موعد مع الحرية المسؤولة فلنكن مسؤولين عن ارادة شعبنا من اجل مستقبل افضل للآتي من تاريخنا ويجب ان نعي مقولة الدكتور محمد محجوب »ما الماضي إن لم يمض الى المستقبل، وما المستقبل ان لم يستقبل الماضي وما الحاضر ان لم يكن نقطة وصل وفصل بينهما؟«.