فظيع... مقتل تونسية مقيمة في ايطاليا على يد طليقها أمام أبنائها القصر    بشرى سارة للتونسيين بخصوص هذه المواد الاستهلاكية..    تونس تسجل سنويا ما لا يقل عن 1000 إصابة بداء السلّ.    تعليق رحلات وطلبات بالمغادرة.. توتّر في أعلى درجاته بين لبنان واسرائيل    رفض تأخير توقيت لقاء النادي الصفاقسي امام إتحاد بن قردان : التلفزة الوطنية توضح    وزارة التربية تفتح باب الترشح للتدريس بالمدرسة التونسية بطرابلس    تفكيك "وفاق إجرامي مندمج" والاحتفاظ ب 11 مهاجرا من جنوب الصحراء وتونسي    زغوان القبض على مقترف جريمة قتل نفس بشرية عمدا في وقت وجيز    سرقة ''ألماس'' أحمد سعد في ايطاليا    ضحى العريبي :'' يا تلافز و يا اذاعات تونس معادش تكلموني ...و نظهر وقت نحب أنا ''    "أيام المسرح التونسي" بداية من اليوم بدار الثقافة ابن رشيق بالعاصمة    أسباب سحب كميات من ال''أوقمونتان'' في تونس    متحور جديد من كورونا ينتشر بسرعة في 15 دولة    وزارة الصحة تجدد على ضرورة إتخاذ التدابير الوقائية لحماية الأطفال من البرونكيوليت.    توجه نحو تكثيف الاستثمارات الصينية في تونس في مجال النسيج    سليانة: برمجة زراعة 155 ألف و 500 هكتار من الحبوب    التضخم في تونس: منحى تنازلي مؤكد عام 2024    زغوان: المصادقة على 47 عملية استثمار فلاحي بقيمة 1 فاصل 7 مليون دينار    وزير الشؤون الخارجية يشارك في نيويورك في الاجتماع الوزاري لحركة عدم الانحياز    الجامعة التونسية لكرة القدم تتظلم مما حدث للاتحاد المنستيري في الجزائر    الرابطة الاولى - حسام بولعراس يقود مباراة الملعب التونسي ونجم المتلوي ونضال بن لطيف حكما للقاء الاتحاد المنستيري والنجم الساحلي    رقم اليوم : 342 269 ,عدد التلاميذ المسجلين عن بعد بمؤسساتهم التربوية    عاجل/ تفاصيل جديدة بخصوص جريمة سوق الجملة..    "لا تعقدوا اجتماعا!".. رئيس الوزراء القطري الأسبق يوجه رسالة إلى جامعة الدول العربية    قصّة مثيرة: طفلة نيجيرية تصل الى تونس في ''حرقة '' وتعود الى غدا عائلتها    عاجل/ فرنسا تدعو إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي حول لبنان..    إسبانيا.. القبض على 5 متهمين بالاحتيال على النساء بشخصية "براد بيت المزيف"    قادة العالم يجتمعون في الأمم المتحدة وسط مخاوف من توسع رقعة الحرب بالشرق الأوسط    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الثلاثاء 24 سبتمبر    إعادة فتح التسجيل عن بعد لأقسام السنة التحضيرية بداية من اليوم    خطوط جوية عربيّة تعلّق رحلاتها إلى بيروت    أبرز ما جاء في لقاء رئيس الجمهورية برئيس الحكومة..    الرابطة الأولى: الكشف عن هوية حكم ديربي الساحل بين الإتحاد المنستيري والنجم الساحلي    بطولة كرة السلة : النادي الإفريقي يسحق نجم حلق الوادي .. ويلتحق بكوكبة الصدارة    كأس السوبر الإفريقي: برنامج النقل التلفزي لمواجهة الأهلي والزمالك    البطولة الإسبانية : ريال مدريد يمدد عقد مدافعه فيرلاند ميندي لعامين إضافيين    500 قتيل بلبنان خلال يوم.. وحزب الله يقصف قواعد ومطارات إسرائيلية    قابس: نحو اعتماد تجربة العمل بنظام الحصة الواحدة بثلاثة مدارس إعدادية    وزير الخارجية يتحادث في نيويورك مع نظيرته الاندونيسية    المتحف الوطني بباردو: افتتاح معرض "صلامبو من فلوبار إلى قرطاج"    انقلاب حافلة في بوفيشة : ماهي الحالة الصحية للسياح الايطاليين الذين تعرضوا لحادث ؟    مجلس وزاري حول مشروع الميزان الاقتصادي لسنة 2025 - منوال النمو -    صفاقس زيارة غير معلنة للوالي للميناء التجاري    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    رسالة من المشتبه به: حاولت اغتيال ترامب لكنني خذلت العالم    لمسافر قادم من دولة عربية: الهند تعلن تسجيل أول إصابة بجدري القردة سريع الانتشار    استشهاد 10 لبنانيين من أسرة واحدة في غارة إسرائيلية    قصة وعبرة ...بكم تبيع أخاك...؟    علمتني الحياة...ردينة هنشيري أصغر فارسة في قفصة .. غرامي بالفروسية لا حدود له    حكايات من الزمن الجميل: «شارلي شابلن العرب» حكاية محمد شكوكو ... مع الزواج والحب !    الفلاسفة والحب ..«كانط» و«شوبنهاور»... والعزوبية !    قصة مثل : «أكرم من حاتم الطائي»... !    بدار الشباب الفرابي بقرمبالية : تكريم المتفوقين في المسابقة الجهوية لمسرح الطفل    بطولة النخبة الوطنية لكرة اليد (الجولة3): برنامج المباريات المتاخرة    ثقافة : الإسراع في انجاز البرامج والمشاريع ذات العلاقة وخاصة مشروع ترميم سور القيروان    تراجع أسعار تلقيح النزلة مع توفير 280 ألف جرعة    اليوم الاعتدال الخريفي للنصف الشمالي للكرة الأرضية    الاعتدال الخريفي يحدث في تونس غدا الأحد على الساعة 13 و43 دقيقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حروب المبدعين
كمال الزغباني
نشر في الشعب يوم 19 - 06 - 2010

نابولي 1569. في الثالثة والعشرين من عمره يتطوّع الطالب والشاعر الشاب ميغيل دي سرفنتيس في الجيش الإسباني لمحاربة الأتراك. كانت تهزه دائما أحلام ورؤى بطولية انغمس فيها منذ أيام المراهقة لمّا كان شغوفا بقصص الفرسان والعشاق النبلاء التي امتلأت بها مكتبة أبيه الجراح. في 1571 خلال معركة شهيرة قطعت يده اليسرى وتم توسيمه باعتباره بطلا حربيا. وفي 1575 لمّا كان عائدا إلى إسبانيا، وقع أسيرا لدى قراصنة باعوه لأمير وهراني لمّا عرفوا أنه من عائلة عريقة ويمكنه بالتالي أن يعود بالنفع على تجارتهم المحرّمة. أودعه الأمير الوهراني قلعة حصينة تعتلي قمّة الجبل وتشرف على البحر من جهة الميناء الشهير . وبعد محاولات متعددة للهرب تم إطلاقه في 1580 بعد أن أرسل أهله فدية. لكن بطولاته الحربية وإبداعاته الشعرية والقصصية لم تشفع له لدى السلطات فعاش أغلب الوقت معوزا. وحتى عندما كلّف بجمع الضرائب فقد وقع اتهامه بخيانة الأمانة وسجن مرّات عدّة...
من ثمّة جاءت رائعته دون كيشوت التي مثلت تدشينا عبقريا لفن لم تعرفه البشرية من قبل : الرواية. في الجزء الثاني من إبداعه الروائي الفذ، يضمّن سرفنتيس في نصه سخرية لاذعة من أشباه الكتّاب الذين أرادوا استغلال النجاح الساحق الذي عرفه جزؤها الأول لينشروا تقليدات عنه تسيء إلى إبداعية ذلك الثنائي العجيب: دون كيشوت وسانشو بانشا. في منعطفات هذا
الجزء الثاني يعود سرفنتيس أيضا على تجربته الوهرانية ليعيد كتابتها على نحو يتلامس فيه المعيش بالمتخيّل حتى يندمجا كلّيا. على الخان المعزول الذي قاسى فيه البطلان كل الويلات بسبب تهوّر الفارس المملوء أوهاما، يقبل تباعا أشخاص لا علاقة لأحد منهم بالآخر لأوّل وهلة، لكن تفاصيل السرد المنفلتة من عقالها تقيم بينهم أواصر متينة.
من بين هؤلاء، ثمّة شاب نبيل وحزين تصحبه امرأة ذات ملامح مورسكية ولا تفقه من لغة الإسبان حرفا. بعد ترددات كثيرة يقبل الفارس أن يسرد على الجمع الملتف حول دون كيشوت حكايته العجيبة. يخبرهم أنه ثالث أبناء نبيل إسباني اختار كل منهم لوجوده سبيلا: التجارة للأوّل، البحر للثاني والحرب للثالث. أسر هذا الأخير لدى الأتراك وأودع قلعة حصينة في أعالي جبل وهران. في الأسر لم يستسلم الفارس المغوار للمذلة التي ضربت أقرانه من الأسرى بل حاول جاهدا أن يجد سبيلا للإفلات رفقة كل من يقدم معه على تلك المغامرة المحفوفة بخطر الموت. ويجيئه العون من الجهة التي لم يكن يتوقعها أحد (بما في ذلك القراء): من ابنة الأمير الوهراني الذي كان قد بيع إليه. كانت الفتاة شابة وفاتنة ووحيدة أبيها وكانت ترى في أولئك الأسرى الإسبان ذوي السحنات الشقراء غير المألوفة معبرا لعالم عجيب كانت تتحرّق إلى التعرّف إليه (فهي كانت قد تربّت منذ نعومة أظفارها على يدي جارية مسيحية متستّرة على دينها). ووقعت أسيرة حب الفارس المغوار لما لاحظته عليه (خلال استراقها النظر من نافذتها العالية) من شهامة وإباء في تعامله مع السجانين كما مع رفاقه من الأسرى. بعد أحداث يتمازج فيها الفنتازي بالتاريخي والعاطفي بالحربي يتمكّن المحارب النبيل (الذي هو الصنو السردي لسرفنتيس نفسه) من الهرب رفقة عدد من الأسرى الآخرين وخصوصا رفقة أمينة، الأميرة الفاتنة التي وقعت أسيرة غرام الأسير فاعتنقت دينه وتخلّت عن الوطن والأهل من أجله...
مكنات الحرب
كيف يرتسم الفعل الإبداعي، فلسفة كان أم فنا أم علما بما هو مَكَنة حربية تقوّض السائد والمتداول من القيم والمعاني وتنشئ أرضا جديدة لتهيّئ لشعب مقبل؟
يؤكد دولوز وغواتاري على ضرورة التمييز بين مكنة الحرب من جهة وبين الدولة من جهة ثانية. فلئن كان التاريخ الإنساني موسوما بخضوع المكنة الحربية لسلطة الدولة في قصوويتها الإخضاعية فإن مكنة الحرب لم تنفكّ، خلال ذلك التاريخ نفسه، عن أن تثبت خروجها الدائم عن منظومة الدولة ومقتضيات هيمنتها على الذوات. وفي هذا السياق تحديدا يتمّ توسيع مفهوم "مَكَنة الحرب" في بعدها الثاني الذي يخص الإبداعات الأدبية والتشكيلية والموسيقية والسينمائية. فموضوع مَكنة الحرب هنا ليس الحرب وإنما تنويعة من التشكيلات الإبداعية. "ضمن هذا البعد الثاني تلتقي مَكنة الحربِ الحربَ ولكن باعتبارها موضوعها التأليفي والإضافي بما هو موجَّه ضد الدولة وضد الأكسيومية العالمية المعبّر عنها من قِبل الدول" (دولوز وغواتاري، ألف مسطّح) وبهذا المعنى تحديدا يمكننا تناول الحركات الاجتماعية والفنية وحتى العلمية والفكرية باعتبارها "مَكَنات حرب".
لا شكّ، يقول دولوز، أن الرّحّل هم الذين ابتكروا مَكَنة الحرب بالمعنى التاريخي. "ولكن، طبقا للماهية، ليس الرّحّل وحدهم من يمتلكون سرّ تلك المكنات. إذ من شأن حركة فنية أو علمية أو إيديولوجية أن تشكّل مكنة حرب مقبلة باعتبارها ترسم سطح تشكُّلٍ وخطّ انفلات أو فضاءا ناعما" (نفسه)ومن ثمّة جاء الفرق بين حرب العصابات بما هي حرب ثورية وبين الحرب النظامية في خضوعها لمقتضيات هيمنة الدولة. لا تقوم الأولى بالحرب إلا بشرط أن تبدع أمرا آخر في الوقت ذاته أي جملة من العلاقات الاجتماعية اللاعضوية الجديدة. ثمّة إذن خطّان أو قطبان لا يكفّان عن التصارع وفي الآن ذاته عن التواصل والتداخل: خط انفلات يبدع أو يؤول ضربا من التحطيم، سطح تشكُّلٍ يتكوّن جزءا جزءا وقد يؤول سطح تنظيم وهيمنة...

أسير وهران (2)

في ما مضى
من الزمان البعيد
حلّ بوهران عاشق ومحارب إسباني
اسمه سرفنتيس
جاء يطلب حربا وموتا
ووقع أسيرا
غير أنه عاد ممتلئا حبّا
لأن وهرانيّة كان اسمها أمينة
خلّصته من الأسر
وغادرت الأهل والقوم معه
حبّا وتطلّعا إلى الحرّيّة....
.............
مضى زمان
وجاء زمان
.................
قصد وهرانَ
عاشق تونسي
كانت من قبلُ
أصابته في القلب
سهامٌ وسهامْ...
جاء وهران حرّا
وعاشها حرّا
غير أنه غادرها أسيرا
لأن القلب منه
قد ظلّ معلّقا...
...بأهداب سهام

الكتابة بما هي مكَنة حرب
تشكل الكتابة واحدة من أهم مكنات الحرب بحسب هذا التوسيع الذي يجريه على معناها دولوز وغواتاري. إذ ثمّة لديهما صلة لا تنفصم بين الإبداع والمقاومة، بين ابتكار أفكار جديدة ضمن تعبيرات إبداعية طريفة وابتكار أشكال فعل ثورية. فالبعد الإسطيتيقي لا ينفصل عن البعد السياسي والإيطيقي للكيانات المفردة والجماعية في آن. إنهم المبدعون الذين يرسمون خطوط إفلات مترحّلة ومربكة في الآن ذاته. فالمكنة الأدبية، عبر اشتداداتها المخصوصة، تشكّل بامتياز مكنة حرب. ولعلّ أبرز مثال على ذلك هو فرانز كافكا الذي أفرد له دولوز وغواتاري كتابا يربط إبداعه القصصي والروائي بمسألة القلّة والأقلّية، لا بالمعنى الإتنولوجي، وإنما بالمعنى السياسي والإبداعي الذي يجعل من الكتابة فعل مقاومة أقصى يصبو إلى أرض جديدة وإلى شعب مقبل.
فالكاتب هو ذاك الذي تُفرده العشيرة (إفراد البعير المعبّد- طرفة بن العبد) لا فقط من فرط "تشرابه الخمور ولذّته" وإنما لكون زمانه المبدع ليس زمان أهل زمانه(أبو الطيب). إنه دوما نشدان لزمان لا-متزمّن (intempestif ) ولشعب لم يوجد بعد (بول كلي). يبدع الكاتب لا فقط نصا جديدا ورؤية للعالم مبتكرة، ولكن أيضا حساسية وذائقة جديدتين. وهو بهذا المعنى تحديدا فعل سياسي وإيطيقي أقصى. لكن هذه الصلة بين المكنة الأدبية والمكنة الحربية، بين الإبداع والثورة، لا ينبغي أن تفهم ضمن أي شكل من أشكال التبعية أو التشريط على نحو ما يسمّى بالأدب الملتزم (على شاكلة الواقعية الاشتراكية مثلا). فالمكنة الأدبية تُناوب المكنة الثورية المقبلة، لا لأسباب إيديولوجية، ولكن لأنها الوحيدة التي عليها أن تحقق شروط التلفّظ التي لا تتحقق في أي حيّز آخر. عبر هذا التوسيع لمدلول مكنة الحرب، يتغير معنى قراءة النص ذاته. فالقراءة ليست مجرد تمرين متمرّس بالنصوص يبحث باستمرار عن المدلولات الكامنة وراء الدوال، وإنما هو استعمال مخصب للمكنة الأدبية وتركيب مبدع للمكنات الراغبة في صلة عميقة بتسآل الإبداع إبداعيته...

ذئب في جزيرة الماعز
غير بعيد عن وهران توجد جزيرة خالية ولكنها خضراء...حين لمحتها من بعيد وتساءلت عن أمرها قيل لي أنه في زمن بعيد حدث فيها التالي: كان لعدد من المعمرين قطيع من الماعز وضعوه في الجزيرة الخضراء الخالية. وكانوا من وقت لآخر يبحرون إليه في قارب صغير سواء لحلبه أو لذبح بعض الجداء منه. ذات يوم حدثت خصومة بين واحد من المعمّرين الذين يملكون ماعز الجزيرة وأحد الوهرانيين. أحسّ هذا الأخير بمرارة القهر إذ لم يكن قادرا على رد إهانات المعمّر، باعتبار أن وطنه كان يعيش تحت نير الاستعمار. بعد تفكير دام أياما تفتقت في ذهن الوهراني المهان فكرة جهنمية للانتقام: قبض على ذئب وأخذه، تحت جنح الظلام، إلى الجزيرة التي كان المعمرون قد أطلقوا فيها ماعزهم...تركه هناك وقفل راجعا...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.