إنّه اليوم الاول من الشّهر... ينهض صابر متفائلا... يقوم بعمليات الاغتسال والفطور بحركات سريعة... يكثر من العبارات الودّية لأبنه وابنته وحتّى زوجته... تأخذ زوجته ابنتهما الى الروضة ويتولّى هو إيصال ابنه للمدرسة القريبة لهذا الحيّ الشعبيّ... بعد ذلك يقف في محطّة انتظار الحافلات.. تمرّ الحافلة الأولى دون توقّف...قرب المحطّة حفرة تترسّب بها مياه أمطار نزلت منذ يومين.. تنثر تلك المياه على المنتظرين بعض السيارات المسرعة، تصيب بعض المياه الموحلة حذاء صابر وجزء من سرواله... يلعن البلدية والحفر الأبدية في الطريق... أخيرا تأتي الحافلة شبه ممتلئة يحشر جسده مع الاجساد الأخرى... تقلقه ممارسات بعض الركّاب... تتأفّف امرأة من راكب بجوارها فينصحها بامتطاء تاكسي... يصل صابر أخيرا إلى عمله بإحدى المؤسسات الإدارية.. لقد تأخر خمس دقائق ينظر إليه رئيسه المباشر نظْرة عتابٍ متعالية.. يحيّيه معتذرًا ويدخل الى مكتبه... يجدُ زميله منكبّا على لعبة الكلمات المتقاطعة والسّودوكو... يجلس صابر وينطلق في دراسة الملفات أمامه... يبْدو أنّه الوحيد الذي يشتغل في هذه الادارة ينغمس في شغله بعد أكثر من ساعة يتمّ زميله ألعابه فينهض، يعلمه بأنّه ذاهبٌ للبنك لسحْب جرايته... يواصلُ عمله في صمت سيذهب هو أيضا إلى البنك لكن عند راحة الغداء... طبعا سيجد طابورا طويلا فيضطرّ للانتظار مما يضيّع عليْه فرصة الغذاء... ويعود مسرعًا الى عمله... حين يغادرُ مكتبه في المساء.. يكون التعب قد أخذ منه مأخذًا شديدا يسرع الخطى نحو مطعم عمّ »ميلودْ« يطلب نصف صحن و»بريكة« ويدلفُ الى حانته القريبة يجلس صامتا تبْدأ الزجاجات بالتّراص على طاولته يجبُ أن يتمّ »دُوزتَهُ« بسرعة، ليلْحق بالحافلة... ينشبُ خلافٌ بالحانة بيْن طاولتين يجلس قربه شابان يشربان ويتحدّثان إنّهما يرغبان في التوقف عن الشرب يفهم من حديثهما أنّهما نادمان ويسعيان الى التوبة والصّلاة... يزعجه حديثهما يتمّ زجاجته الاخيرة يدعو النادل لينقده ثمن ما شرب... يختلف معه... صابر متأكّد أنّه شرب ثمانية زجاجات بيرة... يصرّ النادل أنّها عشرة.. وتجاوزا للمشاكل ينقده صابر ثمن عشرة ويغادرُ.. لا يعجبه الانتظار في المحطّة... يتجرّأ ويوقف تاكسي يجبره السائق على الاستماع طيلة الطريقة الى إذاعة الزيتونة التي تبثّ برنامجا عن نواقض الوضوء... يسرّح بذهنه ينظر اليه السائق شزرا وقد أحسّ ان الرّاكب معه قد شرب خمرًا.. فيتأففُ... ينزل غير بعيد عن محل سكناه... ينقد السائق ورقة من فئة العشرة دنانير... يرجع له السائق الباقي.. يلاحظ صابر أنّ بعض المئات ناقصة... ينظر الى السائق متسائلا يكتفي بالتعليق: »ما عنديش صرف«... يغلق صابر الباب تنطلق التّاكسي... يدخُلُ محلّ المواد الغذائية... يشتري بعض الحاجيات ويدفع ما تخلّد من ديْن شهر كامل.. ويقصد محلّ سكناه... يفْتحُ الباب ويدْلُفُ الى الداخل يقصد المطبخ مباشرة زوجته واقفة خلف جهاز الطّبخ... يضع الأكياس على الطّاولة.. تأتي زوجته للاطّلاع على محتوى الأكياس... يبدو أنّه نسي بعض الحاجيات... تشتمُّ الزوجة رائحة »البيرة« تنبعث من فم زوجها... تنطلق في شريط العادة عن الاسراف وإضاعة الاموال في ما لا يعني... وتطلب منه تمكينها من باقي الجراية لدفع الكراء ومعلوم الماء والكهرباء وخلاص دين الخضّار والجزّار... يمتثل صابر وتتضاءل الورقات في جيْبه.. يطلق زفرة خفيفة ويقصد قاعة الاستحمام. بعد العشاء والسهرة.. وبعد نوم الأطفال يأوي الزّوجان الى الفراش... يقترب صابر من زوجته ويحاول مداعبتها والتودّد إليها تنهره في حزْم ملمّحة الى حالة السّكر ورائحة الخمرة.. يدير المسكين ظهرهُ وينامُ... وهو يمنّي النّفس بحلْم لذيذ... فتهجمُ عليه الكوابيس...