بقلم عبد الرزاق قيراط في برنامج 'بلا مجاملة' الذي تبثّه قناة حنّبعل كلّ أحد، تحترق الثقافة بحمم السياسة، لذلك نحثّ القناة وباعثها (من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) على تأخير ذلك العرض إلى الهزيع الأخير من الليل. وننصح القائمين على ذلك البرنامج بمراجعة مادّتهم من حيث الشكل والمحتوى، والدعوة موجّهة إلى المكلّفة بالإعداد هالة الذوادي حتّى تجتهد لتغيير بعض الألوان بما في ذلك لون شعرها الأحمر. وعلى المقدّم وليد الزرّاع أن يقلّل من الاهتزاز والضحك لأتفه الأسباب، وأن يعالج عيوبه الأخرى، ومنها على سبيل المثال التكرار إلى حدّ الإزعاج، وقوله قبل الفواصل، 'ابقوا معنا لا تغيّروا المحطّة'، فذلك القول أشبه بالشتيمة لمن يشاهد برنامجه على وجه الخطأ أو مارّا من قناة إلى قناة، فيستوقفه الفضول على المكوث قليلا في المحطّة المذكورة ليستمع إلى ضيف بعينه، كما هو شأني عندما أردت الإنصات إلى ضيفتهم نوال السعداوي، السيّدة المصريّة المشاكسة ذات الثقافة الواسعة والمواقف الجريئة... في تلك الحلقة التي خصّصت ليوم المرأة، حضرت المطربة علياء بلعيد، للغناء فقط، لا للحديث عن السياسة كما نبّهت قبل التصوير. وقد اعتبر المقدّم ذلك الموقف سابقة في تونس وزعم أنّ جميع الفنّانين من ضيوفه عادة ما يرغبون في التحدّث عن الحكومة والمجلس التأسيسيّ. والجمهور يعرف أنّ الزرّاع يبالغ حتّى لا نقول غيرها. فهذا البرنامج الثقافيّ بالدرجة الأولى، انخرط في السياسة بعد الثورة حين ركبها الجميع دون سابق إلمام بفقهها... والمزعج في برنامج ثقافيّ، أنْ تُحوّل وجهة جميع الضيوف وجميع المناسبات وجميع الأسئلة لتخوض مع الخائضين في السياسة والسياسيين، وأنا هنا لا أدافع عن السياسيّين بقدر ما أدافع عن المثقّفين. فقد يسيء أحد الطرفين للآخر... ومن الأمثلة على ذلك الخلط المقحم، تعليقات هالة الذوادي إثر تقرير أنجزته عن فنان حوّل كهفا (بمدينة الدهماني) إلى متحفٍ تكريما لحمار أو أتان. فقالت إنّها لاحظت غياب الأمن في طريق عودتها إلى العاصمة، وعبّرت عن أسفها لعدم زيارة وزير الثقافة لذلك الكهف أو المتحف، وختمت بقول استفزازيّ موجّه: "نحن نريد أن نشجّع أهل الكهف وثقافة أهل الكهف وليس ثقافة البهائم" .وفي مثل تلك المواقف يضحك الزرّاع ويهتزّ طويلا...ولعلّه سيضحك أكثر حين يشاهد الإعادة، ويستمع إلى زميلته هالة التي قالت في تعليق جانبيّ:' أتمنّى أن أتحوّل يوما إلى حمارة'! .. وفي التقرير الذي تناول زيارة الدكتورة نوال السعداوي، مارست هالة الذوادي هوايتها في اغتصاب الأسئلة وتحويل بوصلتها نحو المواضيع التي تعبّر عن روحها العدائيّة للفئة التي تحكم البلاد. فسألت الضيفةَ عن غياب الحفاوة في استقبالها الذي لم يكن رسميّا... وهي بذلك تتجاهل تكريم رئيس الجمهوريّة منصف المرزوقي للسعداوي (مع ثلّة من النساء المناضلات). وفي ذلك تشريف يغني عن المراسم الأخرى. غير أنّ الذوادي دأبت بأسئلتها على تحقير الرؤساء والوزراء انطلاقا من ثقافتها السياسيّة 'المستحمرة'... وإذا لم ترضها الأجوبة عن أسئلتها المستفزّة، تقدّم الإجابة التي تشفي غليلها، وهكذا فسّرت غياب الاستقبال الرسميّ للضيفة المصريّة قائلة بتهكّم : 'فكر نوال السعداوي لا يتماشى مع الفكر المنغلق لحكّام تونس'!!! أمّا بخصوص السعداوي، فقد بلغت من العمر عتيّا. ومع ذلك، تحدّثت بحماستها المعهودة عن الجنس وتعدّد الزوجات وزواج القاصرات المصريّات من شيوخ الخليج الأغنياء، ونبّهت إلى خطر الامبرياليّة العالميّة، وسلطان الدولار واليورو والأحزاب الدينيّة ودورها في فرض السياسات المعادية للنساء... وكلّ ذلك مألوف في فكرها المثير للجدل. ولكنّ العجائب جاءت في تعليقات نسائنا المثقّفات اللائي جلسن إلى مائدة السعداوي بأحد فنادق العاصمة. وقد أشبعن نهم الصحفيّة الذوادي وأسمعنها ما تحبّ من الأقوال المعادية، ومن المآثر التي قيلت: 'إنّ الرجال يحبّون الإسلام رغبة في الجنس.. ونحن نعيش انفلاتا جنسيّا.. وتعدّد الزوجات يشجّع على الخيانة الزوجيّة...' وكلّها أقوال (حكيمة) تمثّل عيّنة من الثقافة البهيميّة التي روّج لها برنامج 'بلا مجاملة'، وبفضلها ربّما عبّرت هالة الذوادي عن أمنيتها الغريبة في التحوّل إلى 'حمارة'. وهكذا يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله العدوّ بعدوّه. ولكن 'لكلّ حمار كبوة'، إذا صحّ المثل في زمن قلّت فيه الجياد وعزّت فنون الفروسيّة