بقلم الأستاذ بولبابة سالم شكّل تصويت بعض نوّاب حركة النهضة بالمجلس الوطني التأسيسي ضدّ ميزانية رئاسة الجمهورية صدمة لمؤسسة الرّئاسة هي أشبه بالنيران الصديقة التي لم يتوقّعها أحد . ما قام به نوّاب النهضة لا يمكن قراءته ضمن التبريرات السطحية التي سمعناها منهم و التي تتحدّث عن نفقات غير مبرّرة تمّت زيادتها في الميزانية الجديدة . البسطاء و السذّج وحدهم من يصدّق مثل هذه التبريرات التي تفسّر في إطار ذرّ الرماد على العيون. العلاقة بين رئاسة الحكومة و مؤسسة الرئاسة ليست في أحسن أحوالها و لنكن أكثر دقّة بين بعض المحسوبين على حركة النهضة و الدكتور المنصف المرزوقي . قبل تبيان ما سكت عنه نوّاب حركة النهضة لابد من الردّ على تلك التبريرات الواهية و التي إنّ صدّقناها فقد يقع اتّهامهم بالغباء السياسي. الزيادة الطفيفة في ميزانية رئاسة الجمهورية التي تقدر ب80 مليار تبدو طبيعية فقد وقع إقرار الزيادة في الأجور للعام 2013 و مؤسسة الرئاسة تشغّل 500 موظّف و 3000 من أعوان الأمن الرئاسي إضافة إلى ما تتطلّبة رئاسة الجمهورية من تجهيزات إضافية سنوية . و لا نظنّ أن السادة النواب غافلين عن هذا الأمر و إلا يصبح تواجدهم بالمجلس الوطني التأسيسي إهدار للوقت. و من الأسباب التي تثير السخرية هو ما قاله بعضهم – وهو ما ذكره نواب المعارضة – أنّ تخصيص إعتمادات إضافية قد يستغلها رئيس الدولة في حملة إنتخابية مبكرة بدعوى أن تلك الزيادة مصنّفة ضمن التدخلات الإجتماعية . المؤكّد أن الكثيرين في حركة النهضة لا ينظرون بعين الرّضا للتصريحات الأخيرة للسيد المنصف المرزوقي المتعلّقة بضرورة تكوين حكومة كفاءات وطنية مصغّرة للخروج من الأزمة التي مرّت بها البلاد بعد أحداث سليانة خاصة في الوزارات التي تعنى بمشاغل المواطنين اليومية وهو ما ولّد جفاء بدا ظاهرا بين حركة النهضة و رئاسة الجمهورية و ظهر ذلك في تصريح السيد الصحبي عتيق رئيس كتلة النهضة بالمجلس الوطني التأسيسي التي لم يستثني فيها منصب رئاسة الدولة من التغيير . يضاف إلى ذلك زيارات الرئيس التي تعدّدت في الفترة الأخيرة إلى المناطق الداخلية و لقاءاته مع المواطنين و نقاشه معهم في المشاغل الحارقة التي ينتظرها الناس و حينها لم يتردّد المرزوقي في توجيه نقده لأداء الحكومة و تقصيرها في معالجة ما لا يتحمّل التأجيل . هذه الزيارات و تفاعل المواطنين مع الرئيس كما حصل في توزر و قبلي مع ما رافقه من إلقاء للحلوى تعامل معها بعض نواب حركة النهضة على أنّها حملة انتخابية مبكّرة و تسخين للإنتخابات الرّئاسية القادمة و التي لم تحسم فيها النهضة مرشّحها سواء من داخل الحركة أو من خارجها . ما يمكن استنتاجه أن حركة النهضة كانت قادرة على تمرير ميزانية رئاسة الجمهورية لكن لا يمكن الجزم بأنها أمرت بتعطيلها بل تركت الحرية في التصويت لنوّابها فكانت النتيجة التي يعرفها الجميع , و بذلك وجدت النهضة نفسها جنبا إلى جنب مع المعارضة ضدّ رئيس الجمهورية في موقف سياسي يثبت أن عالم السياسة ماكر و مخادع . هذا الموقف فرحت به المعارضة التي تبحث بشتّى السبل عن شق صفوف الترويكا الحاكمة عبر شركاء النهضة فإذا بهذه الحركة تقدّم لهم هدية مجانية لتواصل توجيه الإنتقادات اللاذعة لصلاحيات رئيس الدولة التي ما فتئت تثيرها منذ إقرار القانون المنظم للسلط العمومية . لا أدري, هل تريد النهضة شركاء لها في الحكم أو مجرّد تابعين يأتمرون بأوامرها و لا يحقّ لهم المبادرة و أخذ القرار ؟ هل تريد أن يكون حزبا المؤتمر و التكتل مجرد ديكور لإبراز إمكانية التعايش بين الإسلاميين و العلمانيين أمام الرأي العام الدولي ؟ لماذا تصرّ النهضة على إحراج حلفائها و تظهرهم ضعفاء أمام معارضة شرسة تتصيّد زلاّتهم باستمرار و لن تغفر لهم قبولهم الدخول في ائتلاف مع حركة النهضة ؟ إنّ النظر إلى مصلحة البلاد و ما ينفع الناس سواء قام به رئيس الدولة أو الحكومة يجب أن يكون أولوية بعيدا عن الحسابات الضيّقة, و المنصف المرزوقي الذي دافع بشراسة عن النهضة في الحملة الإنتخابية بل دعا التونسيين إلى التصويت لها إلى جانب المؤتمر و حزب العمال الشيوعي باعتبارهم من قوى المقاومة ضد الدكتاتورية يستحقّ أفضل من هذه التعامل الذي ينمّ عن سذاجة سياسية و نكران للجميل.