فاروق بوعسكر يدلي بصوته بمركز الاقتراع بمدرسة الجمهورية بزاوية سوسة    جريدة الزمن التونسي    نجلاء العبروقي: تم تسجيل مخالفات على مواقع التواصل الاجتماعي وبعضها يرتقى الى جرائم انتخابية    حاتم الصكلي: الاقبال على الاقتراع في بروكسال سجل اليوم "ارتفاعا لافتا"    التنس: الأمريكية كوكو غوف تتوّج ببطولة بكين للماسترز    الفوار/ دوز: حجز كمية من مخدر القنب الهندي بولاية قبلي    جمعية "عتيد" تنشر 15 ملاحظا بمراكز الاقتراع بباجة الشمالية وباجة الجنوبية    إلياس سعد يتخلف عن تربص المنتخب التونسي بسبب الاصابة    عاجل/ مقتل مجنّدة اسرائيلية واصابة آخرين في عملية إطلاق نار    حادثة أليمة/ كان في نزهة مع رفاقه: وفاة طفل غرقا في بحيرة بهذه الجهة    العاصمة: الإحتفاظ ب ثلاثة أشخاص من أجل جرائم المخدرات    عشية ذكرى هجوم طوفان الأقصى.. قرار عاجل من الجيش الإسرائيلي..    بوعسكر: لم نُسجّل أيّ تجاوزات من المترشحين للرئاسية    عاجل/ 3 قتلى في حادث مرور مروع بهذه الطريق..    القيروان حادث مرور يسفر عن أربع اصابات    رئاسية 2024: مرصد شاهد يُسجل بعض النقائص خلال الساعة الأولى من انطلاق التصويت    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى    عاجل : هيئة الانتخابات تدعو جميع التونسيين الى الانتباه والحذر    الحرس الوطني : جاهزية كافة الوحدات لتأمين حسن سير المسار الانتخابي    قطاع غزة: 21 شهيدا في قصف استهدف مسجدا يؤوي نازحين بدير البلح    حالة الطقس لهذا اليوم..    ترامب يهاجم بايدن وهاريس بسبب إعصار "هيلين"    الاحتلال يقصف مسجدا يؤوي نازحين بدير البلح ويحاول التوغل جنوب لبنان    صممها "الموساد" وجمعت في إسرائيل.. تقرير يكشف تفاصيل مثيرة حول هجوم "البيجر"    مهرجان الإسكندرية السينمائي : "الما بين" يفوز بجائزة أفضل فيلم عربي و"وراء الجبل" يحرز جائزة كتاب ونقاد السينما وتتويج لأمينة بن إسماعيل ومجد مستورة    داعية سعودي يفتي في حكم الجزء اليسير من الكحول شرعا    قد يكون أُصِيبَ في الرباط الصليبي.. كارفاخال يفزع ريال مدريد    ولايات الوسط الغربي الأكثر تضرّرا .. 527 مدرسة بلا ماء و«البوصفير» يهدّد التلاميذ!    أولا وأخيرا..«شريقي بيقي باو»    استقرار نسبة التضخم في تونس في مستوى 6.7 بالمائة خلال سبتمبر 2024    المنتخب التونسي للاواسط في تربص تحضيري من 6 الى 14 أكتوبر استعدادا لتصفيات كاس افريقيا للامم لكرة القدم    وليد الصالحي: أنا الأكثر إنتاجًا حاليا    آية دغنوج: لهذه الأسباب تم فسخ أغنية ''ناقوس تكلم '' من اليوتيوب    بطولة الرابطة الثانية - برنامج الجولة الافتتاحية    المعهد الوطني للرصد الجوي: شهر جويلية 2024 ثالث أكثر الأشهر حرارة منذ سنة 1950    كأس 'الكاف': النادي الصفاقسي في المستوى الثاني في تصنيف الأندية قبل قرعة دور المجموعات    حضور تونسي لافت في الدورة 12 من مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي    تقرير دولي يؤكد استدامة الدين الخارجي لتونس    القصرين : تقدم موسم جني صابة الطماطم الفصلية المتأخرة بالجهة بنسبة 50 بالمائة    هام/ بلغ أقصاها 39 ملم ..كميات الأمطار المسجلة خلال الساعات الأخيرة..    توقيع وتسليم اذون انطلاق انجاز الأشغال المتعلقة بالدفعة الثالثة لمشاريع الانتاج الذاتي للكهرباء    نابل: توقعات بإنتاج 62 ألف طن من زيتون الزيت و5600 طن من زيتون المائدة بزيادة 4 بالمائة مقارنة بالموسم الفارط    عاجل/ لجنة مجابهة الكوارث تتدخّل لشفط مياه الأمطار من المنازل بهذه الولاية..    كيف سيكون طقس اليوم ؟    نسبة تقدم انجاز الطريق الرابطة بين جربة وجرجيس بلغت 67 بالمائة    سيدي بوزيد: افتتاح مركز الصحة الأساسية بالرقاب    الممثلة وجيهة الجندوبي ل«الشروق»...مسرحيّتي الجديدة اجتماعية بطابع سياسي    متابعة صيانة المعالم الثقافية    أولا وأخيرا... لا عدد لدول العرب !    كيف تنجح في حياتك ؟..30 نصيحة ستغير حياتك للأفضل !    سيدي بوزيد ..إصابة طفل ال 3 سنوات بجرثومة الشيغيلا    بالفيديو: الشركة التونسية للصناعات الصيدلية تعلن استئناف نشاطها    خلال التسعة أشهر الأولى : ارتفاع لحركة عبور المجال الجوّي التونسي    البنزرتي: طرحت فكرة تجنيس مهاجم الترجي الرياضي رودريغو رودريغاز على رئيس لجنة التسوية للجامعة    الفيلم التونسي '' الرجل الذي باع ظهره '' يُعرض في مهرجان الفرنكوفونية بباريس    الاحتياطي من العملة الصعبة يتراجع إلى ما يعادل 114 يوم توريد    مفتي الجمهورية: يوم الجمعة (4 أكتوبر الجاري) مفتتح شهر ربيع الثاني 1446 ه    عاجل : الأرض تشهد كسوفا حلقيا للشمس اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس: أصحاب البشرة السمراء يلوذون بقانون رادع للعنصرية ولكنه مجهول في الأوساط الحقوقية ولدى السكان
نشر في باب نات يوم 02 - 09 - 2021

وات - تحرير راقية السالمي - لم تفوّت زميلة السكن المقيمة مع جيهان، الموظفة الثلاثينية وهي من اصحاب البشرة السمراء، أية فرصة لتكيل لها الألفاظ العنصرية المهينة والجارحة. لكن جيهان لم تعر لها أي اهتمام، قبل أن تزيد من منسوب الاهانة، ما دفعها لتقديم شكوى قضائية ضدها.
ويمثل ما تعرضت له جيهان، نموذجا من سلوك عنصري يتعرض له اصحاب البشرة السمراء في تونس. يمسّ العنصريون بكرامتهم البشرية، ويطلقون عليهم أوصافاً مهينة ونعوتاً عنصرية، فضلاً عما يتعرضون له من تهميش للقدرات والملكات ومن إقصاء من الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وتكشف منظمات مدنية أن تعداد أصحاب البشرة السمراء، يتراوح بين ال 10 و 15 بالمائة من العدد الاجمالي للسكان التونسيين، وتستقر غالبيتهم في ولايات الجنوب وخصوصا مدنين وتطاوين وقبلي وقابس وقفصة، الى جانب عدد من الطلبة الأفارقة من جنوب الصحراء.
ولا تعترف حكومات ما بعد الاستقلال بواقع التمييز العنصري الذي أكده عدد ممن التقتهم (وات)، لكنه واقع فضحه إقرار القانون العضوي 50-2018 المتعلق بمكافحة جميع أشكال التمييز العنصري، فضلاً عن قضايا التمييز العنصري في حق المواطنين من أصحاب البشرة السمراء التي بدأت تظهر في وسائل الاعلام.
فقد كشف التقرير البياني لمجموعة حقوق الاقليات الدولية الذي تم إصداره خلال شهر مارس 2021 حول حالات التمييز، أنه تم إبلاغ نقاط مناهضة التمييز وأقطاب مرصد الدفاع عن الحق في الاختلاف في عام 2020 عن 285 حالة تمييز ضد أشخاص سود تونسيين أو من جنوب الصحراء.
وكانت 61 حالة من أصل ال 285 حالة المرصودة، حسب التقرير الذي حصلت (وات) حصريا على نسخة منه، قد وقعت قبل عام 2020 مع عدم استمراريتها زمنياً. وتدل البلاغات عن حالات التمييز السابقة التي يرجع بعضها إلى العام 2015 ، على حاجة الأشخاص الذين يتعرضون للتمييز للابلاغ عن حالات التّمييز المسلطة عليهم الى هياكل مختصة رغم أن أفعال التمييز قد انتهت، كما تدل على عدم توفر مساحات آمنة، ذات مصداقية، تسمح باستقبال الأشخاص الذين يتعرضون للتمييز وتوثق الانتهاكات والاعتداءات الموجهة ضدهم وتوفير الإحاطة اللازمة لهم
قبل القانون وبعده تقول رئيسة جمعية "منامتي" و الناشطة في مجال مقاومة التمييز العنصري سعدية مصباح ل(وات) إن أوضاع أصحاب البشرة السمراء من التونسيين وغير التونسيين كانت صعبة للغاية قبل صدور قانون 50-2018 المتعلق بمكافحة جميع أشكال التمييز العنصري، بالنظر الى انه في غالب الأحيان لا يتم التعامل مع شكواهم على محمل الجد ولا يتم الاعتراف بحق المتظلم في مراكز الأمن حيث لا يتم اعتبارها قضية ضد العنصرية ويتم تجاهلها.
ورأت أن هذا القانون "الأمل" جاء "ليُمكّن ضحايا التمييز من اللجوء إلى القضاء للإنصاف وطلب العدالة"، ذلك انه قبل العام 2018 لم يكن هناك أي نص يقضي بمحاكمة مرتكبي الأفعال أو التصريحات ذات الطابع العنصري مما جعل الضحايا عرضة لتمييز مضاعف إذ يتعرضون من جهة للعنصرية ومن جهةٍ ثانية لتشريعات لا تعترف بحقهم في الإنصاف.
ورغم إصدار هذا القانون الذي يجرّم كل لفظ من شأنه أن يمس من كرامة الآخر على قاعدة اللون، تقول مصباح ان العنصريّة "لا تزال ثقافة الأغلبيّة في تونس وتبرز خاصة من خلال الألفاظ المهينة التي لا تزال تستعمل على غرار كلمة "كحلوش" وكلمة "وصيف" التي تستخدم وكأنها عادية في حين أنها كلمات تحمل مضمونا عنصريا"، مرجعة ذلك الى "الثقافة التقليدية والموروث الاجتماعي والتاريخي الذي لا يزال يهيمن وفي نزاع مع ثقافة حقوق الإنسان".
شكوى قضائية
في هذا الصدد، تروي جيهان، وهي موظفة في عقدها الثالث أصيلة مدينة قابس، حادثة تعرضت لها بعد التحاقها بالعمل في إحدى المؤسسات الخاصة بالعاصمة تونس، حيث أقامت في إحدى المبيتات الخاصة، ومن هنا انطلقت "مأساتها"..
تقول: "كانت زميلة السكن لا تفوت أية فرصة لتكيل لي الألفاظ العنصرية المهينة والجارحة، غير أنني لم أكن أعير تصرفاتها وأقوالها "المتكبرة والمخلة بالإنسانية" أي اهتمام، استجابة لطلب مدير المبيت الذي كان دائما يلطف الأجواء بيننا، لكن زادت مع الوقت ممارساتها العنصرية ضدي ما دفع بالعديد من زميلات السكن أن يطالبنني بتقديم شكوى ضدها".
وفي إحدى المرات، تضيف جيهان، "عدت الى الغرفة وكانت هي نائمة وقتها. أنرت الغرفة لقضاء بعض الحاجيات قبل أن أخلد للنوم إلا أنها بدأت بالصراخ وتفوهت بألفاظ عنصرية ووصفتي بنعوت جارحة على شاكلة "كحلوشة" و"منظر القرد".. عندها طفح الكيل وقررت تقديم شكوى ضدها".
اتصلت جيهان برئيسة جمعية "منامتي" لأنها لم تكن تعلم كيفية التصرف في مثل هكذا حادثة. أرسلت معها محامي ليطلعها على القانون 50-2018 الذي كانت تجهله، وعن كيفية تقديم شكوى في مركز الأمن. وتشير الى انها بعد أن اطلعها المحامي على الشكوى، طلب منها تغيير القضية لتكون قضية ضد العنصرية".
وتشير الى ان "باحث البداية (الجهة القضائية التي تتلقى الشكاوى) وبعدها القاضي الذي أشرف على القضية، كان لديهما إحساس بالاحراج في تناول هذه القضية"، كما لم تخف جيهان احساسها بالإحراج كباقي أصحاب البشرة السمراء عند اثارة مسألة العنصرية أو ذكر الألفاظ العنصرية التي تطلق عليهم.
ورغم الاحراج الذي تملكها في البداية، الا أنها قررت المضيّ بالقضية لتؤكد لزميلة السكن "اننا كلنا متساوون ولا أحد أعلى درجة من الآخر". وحكم القضاء بغرامة مالية مقدارها 500 دينار على الفتاة، وهو حكم تصفه جيهان بأنه "مخفف"، وتضيف: "المهم بالنسبة لي رفع قضية في التمييز العنصري في تونس، خصوصا وأن الجميع يعمد الى إخفاء هذه الظاهرة ونكرانها على أساس أن المجتمع التونسي مجتمع متجانس، القضية تم تداولها كثيرا على منصات التواصل الاجتماعي وهو أمر يفضح واقع العنصرية، ويرسخ قناعات رافضة لهذا السلوك غير الانساني عن طريق التنشئة الأولى على مبادىء حقوق الإنسان والحق في الاختلاف باعتبارها من القيم الانسانية النبيلة لا لكونها محظورة بموجب القانون".
الأمل بالقانون 50-2018
وينظر كثيرون الى القانون 50-2018 على أنه الأمل الكبير الذي انتظره أصحاب البشرة السمراء في تونس لمكافحة العنصرية ورد الاعتبار لهم ورفع المظلمة عنهم عند حدوثها، بحسب ما تقول رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر روضة العبيدي لكنها تسجل أن القانون "لم يكن في مستوى انتظار أصحاب البشرة السمراء حيث كان يمكن أن يكون ردعياً أكثر ويحمل العديد من الآليات للوقاية من التمييز العنصري".
وشددت العبيدي على أن الإشكالية في تونس "لا تكمن في القانون بقدر ما يستبطنه المجتمع"، معتبرة أن الترسبات الاجتماعية التي غرست في التونسي هي "الكارثة"، إذ "يستهين بما يصدر عنه من نعوت مهينة لأصحاب البشرة السمراء، ويعمد إلى حصرهم داخل مربع معين سواء في العمل (حيث تسند لهم دائما كل الاشغال المتعبة والتي تقتضي قدرا من البنية القوية)، أو في المجتمع دون الوعي بما يخلفه ذلك من وقع سيء على نفسيات أصحاب البشرة السمراء".
وترى رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر أن النصوص القانونية وحدها "لا يمكنها أن تقي من التمييز العنصري ومن تفشي الظاهرة"، داعية الدولة الى العمل على وضع سياسات عامة واستراتيجيات وخطط عمل قادرة على منع جميع أشكال وممارسات التمييز العنصري، ومكافحة الصور النمطية ذات الطابع العنصري الشائعة في مختلف البيئات، الى جانب نشر ثقافة حقوق الإنسان والمساواة والتسامح وقبول الآخر داخل المجتمع ووضع برامج توعية وتنشئة اجتماعية متكاملة ضد جميع أشكال التمييز العنصري في جميع الهيئات والمؤسسات العامة والخاصة مع الإشراف على تنفيذها".
غياب الارادة السياسية
ويشكو حقوقيون من غياب الارادة السياسية الحقيقية للمضي قدما في تطوير واستكمال قانون 50-2018 الخاص بالقضاء على كل أشكال التمييز العنصري من خلال التعريف بهذا المنجز الحقوقي على أوسع وجه، واحداث اللجنة الوطنية لمكافحة التمييز العنصري لتكون مسؤولة عن جمع البيانات المختلفة ومتابعتها، وتصميم واقتراح استراتيجيات وسياسات عامة قادرة على القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، ثم رفع تقرير سنوي إلى اللجنة المختصة في مجلس نواب الشعب، الى جانب تكوين وتدريب كل الهياكل المتدخلة من قضاة ومحامين ومن باحث البداية على استعمالات هذا القانون.
ويعرب المكلف بالإعلام بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، عن استهجانه من تحول اللجنة الوطنية لمناهضة التمييز العنصري التي كانت من مطالب منظمات المجتمع المدني استكمالا للمنجز الحقوقي والدستوري (القانون عدد 50 لسنة 2018) إلى هيكل حكومي رسمي يجمع ممثلين عن مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية مع تمثيلية ضعيفة للمجتمع المدني وللنواب ولعديد الهيئات الدستورية المتدخلة في الموضوع.
وضمت التركيبة 16 ممثلا عن الوزارات و5 عن المجتمع المدني وعضو عن مجلس نواب الشعب، وعضو عن هيئة حقوق الإنسان، وذلك حسب ما جاء في الأمر الحكومي الصادر بالرائد الرسمي تحت عدد 33 بتاريخ 13 أفريل 2021 الخاص بإحداث اللجنة الوطنية لمناهضة التمييز العنصري وضبط مشمولاتها وتنظيمها، وطرق تسييرها، وإجراءات عملها، وتركيبتها.
ويشير بن عمر الى أن المنشور بصيغته الحالية والذي لا يضمن مسارا تشاركيا في تركيبة اللجنة وأعمالها ويحولها الى لجنة حكومية، "لم يحظ بموافقة مختلف أطراف المجتمع المدني المعنية بالمسألة والتي دعت الى ضرورة مراجعته بما يضمن حضورا و دورا أكثر فاعلية لمنظمات المجتمع المدني والهيئات الدستورية"، مشددا، في هذا الصدد، على أن كل أشكال التمييز العنصري تتطلب مسارا تشاركيا حقيقيا مع منظمات المجتمع المدني والهيئات الدستورية لبناء وطن متحرر من جميع أشكال العزل والتمييز العنصريين.
عاطلة عن العمل
تقول إشراف، وهي من أصحاب البشرة السمراء القاطنين في مدينة مدنين، أنه لولا تدخل بعض جمعيات المجتمع المدني الى جانبها، وإعلامها بوجود قانون ضد التمييز العنصري، لظلت تلك العبارات التي تفوه بها صاحب محل تشغله في إقامة مشروعها، تؤرقها حد تمنيها الموت سيما وأنه تفوه بتلك الألفاظ العنصرية الجارحة أمام الجميع.
تسترجع إشراف ذكرياتها الأليمة مع تلك الحادثة، التي أنصفها فيها القضاء ولكن بأقل أحكام قانون 50-2018 (غرامة مالية بقيمة 300 دينار)، إلا أن وقعها لا يزال محفوراً في ذاكرتها ووجدانها ولا تعلم متى يمكن أن تمحى تلك الذكرى التي أصبحت بسببها عاطلة عن العمل ومطالبة بسداد قروض بنكية بآلاف الدنانير وبعجز بدني قدر ب12 بالمائة.
وتتساءل بمرارة: "هل لأن لون بشرتي أسود لا يمكنني أن أكون سيدة نفسي؟" لافتة الى انه ضاع منها الكثير من الوقت والجهد في سبيل إثبات الظلم الذي تعرضت له. وتقول: "كان لدي من الشجاعة ما يكفي لأقف في وجه جلادي ولا أرهب من سطوته وتعنته لإذلالي و إبعادي عن مورد رزقي الذي دفعت فيه الكثير من الجهد و الآمال، وأن أجد لسان دفاع يعاضدني في مواجهة مصيري".
وتساءلت عن سبب عدم قيام أصحاب القرار والمعنيين بالتعريف بقانون 50-2018 بين صفوف المعنيين من باحثي البداية والمحامين والقضاة وأصحاب البشرة السمراء أنفسهم الذين لا يزال عدد كبير منهم يجهل هذا القانون ويجهل كيفية اعتماده لاثبات حالات التمييز التي تقع ضدهم.
ولا تنفي سعدية مصباح هذا الواقع، وتشير الى أن جمعية "منامتي" قامت خلال سنة 2019 في إطار اتفاقية بين الجمعية ووزارة العدل وبدعم مادي من جمعية "دمج" و مجموعة حقوق الأقليات الدولية (minority rights group international) بتدريبات ل 160 محامٍ من مختلف جهات البلاد حول استعمالات قانون 50-2018 حتى يتمكنوا من التكفل بقضايا التمييز العنصري، كما سيتم خلال شهر سبتمر الجاري تكوين 87 قاض في نفس المجال.
وتشدد مصباح على أن النسيج الجمعياتي لا يمكنه وحده الاضطلاع بهذه المهمة التي تقتضي إمكانيات واسعة، وكذلك لأن عدد الجمعيات التي تعنى بهذه المسألة في البلاد قليل جدا وهو ما يبقي هذا القانون مجهولا الى حد كبير وسط عامة الناس وحتى في أوساط القضاة أنفسهم.
من جهته يؤكد المدير التنفيذي لجمعية الدفاع عن حقوق الانسان بتطاوين منصف الخبير أن قانون 50-2018 سيبقى شأنه شأن ترسانة القوانين الأخرى في تونس "مجهولا لدى عامة الناس ولدى الجهات المعنية وأعزل دون آليات وأولويات لتفعيله على أرض الواقع".
ويستنكر الخبير، في هذا الخصوص، سلبية الجهات الحكومية المطالبة حسب ما ينص عليه القانون بالتعريف والتوعية بهذا القانون وبكيفية التقاضي وجبر الأضرار، لافتا إلى أن هنالك العديد من الإشكاليات التي تعترض أصحاب البشرة السمراء من التونسيين أو من المهاجرين النظاميين أو غير النظاميين الذي يجهلون وجود هذا القانون الحامي لهم والمدافع عن حقوقهم حيث يخيرون التغاضي عن بسط هذه الإشكاليات أمام القضاء في اعتقاد منهم أنه لن يكتب النجاح لمسعاهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.