أبو مازن لقيتها يا ليتني ما كنت ألقاها، تمشي وقد أثقل الاملاق ممشاها، هي في مقتبل العمر ولكن علامات الشيخوخة قد دغدغت كهولتها، تجمع القوارير البلاستيكية في أكياس تحملها على الظهر بعد أن أحكمت شدها بحبل قد جرح جبينها المتصبب عرقا. لن تلقاها السيدة وزيرة المرأة أبدا فهي لا تصادفها في طريقها صباحا أو مساء. لقيتها أيضا وقد شحب وجهها بعد أن امتص المغرضون رحيق زهرها، هي تشتغل على مراد الله ببدنها لتوفر لقمة عيش مريرة ربما لها فقط وقد تكون وراءها عائلة وافرة العدد. قد ظلمها صغيرة الجار أو ترصدها احد من الذئاب فسبب لها صدمة نفسية قضت على شبابها. هذه أيضا لن تلقاها السيدة الوزيرة فهي لا تحضر الاجتماعات ولا تتنمق في جلسات النساء الديمقراطيات. لقيت ثالثة قد احمر وجهها و تصبب عرقها لمّا احترقت يداها و هي تدخلهما في الطابونة على الطريق العام تصنع خبزا لتبيعه بثمن قد يسدّ رمق عائلة بأسرها. هذه تنهض قبل الفجر لتعجن و تحضر خميرها ثم تجمع الحطب والعيدان لتشعل نار مخبزتها الصغيرة. هذه المرأة لا تعلم أن لتونس وزارة مختصة بشؤون المرأة و حسن عيشهن و اندماجهن في أعمالهن وفي بيوتهن. لقيت في طريقي امرأة قد اشتدت عضلاتها كالرجال فهي تعمل في الحقول تزرع وتسقي وتجمع البقول بينما يقضي "سي السيد" يومه في المقهى أو في ساحة الاعتصام. تكدّ هذه المرأة ساعات طوال وقد تحمل على ظهرها رضيعا ينال قوته من ثديها حين يبكي ولكنها لا تجني من عملها ذاك الا بعض الدنانير . لن تلاقيها السيدة الوزيرة ولن تستمع لألمها فهي بعيدة جدا على مواقع الاجتماعات والجلسات و أصوات الاعلام. صور عديدة ومتعددة تشغل بالك فتدمع العين أسفا على امرأة تنال ما ينال الطبل من زوج أرهقها كسلا و شذوذا حتى أصبح فردا من جملة أفراد صغارها تطاوع نزواته حتى لا تزيد كمدا عن كمد وامرأة أخرى تجري وراء ملاليم النفقة بعد أن أهملها الزوج التعيس و خالط غيرها. وتلك أرملة قدّر الله أن يأخذ رفيق دربها بعد أن ترك لها أيتام لا تعرف كيف تكمل المشوار معهم، هل يتواصل تعلمهم أم ينقطع ليساعدوها على جمع القوت. عدد هؤلاء النسوة ليس بالهيّن و حالاتهن ليست بالشاذة فأعمدة الصحف مزدحمة بمثل هذه الأخبار و علاء و أخوه عبد الرزاق يكاد يصيبهم الارهاق مما يرونه على امتداد حلقات برامجهما. لكن وزيرتنا مشغولة عنهن برياض القرآن التي قيل انها تصنّع الارهاب. لا حول ولا قوة الا بالله و كأنّ بن عاشور والحداد و غيرهما قد درسوا في روضة أو تعلّما التعبير الجسماني كما يسمونه. انّ الغرب الملهم للحداثيين يحافظ على التعليم الديني كما يحافظ على التعليم العادي حتى يحفظ خصائص البلد الثقافية و يطوّر الجانب الروحي فيرعى أطفالنا اجتماعيا و أخلاقيا. كذلك يتعلمون خصائص بلدهم فيحفظونها ثم يسعون الى تطويرها و ادماجها في الحضارة الكونية المتغيرة. Publié le: 2016-01-30 09:57:32