من حسن حظي يوم 14 جانفي كنت أنا من يقدّم نشرات الأخبار على تلفزيون بي بي سي حين أعلن نبأ فرار بن علي فقطعنا وقتها البث العادي للنشرات وتحوّل إلى تغطية خاصة مع ما يستدعيه ذلك من تركيز وحياد وحضور ذهني، وأذكر أن رئيس التحرير جاء إلى الاستوديو وحدّثني عبر السمّاعة قائلا "سنمدّد البث وأنت لها وخير من يعوّل عليه فواصل" ... حاولت التماسك قدر الإمكان لإدراكي ثقل المسؤولية خصوصا واني تونسي وكنت وقتها في غاية الفرح بعد أن اعتراني شعورا بالانفراج خاصة وأني أتابع من خلال عملي كل ما يحدث في بلدي رغم بعدي واتفاعل مع كل تفاصيله .لكن حين تكون معايشة الأحداث مباشرة امام الملايين فكان لا بد من تقديمها بحياد وتوازن وهدوء بعيدا عن العاطفة.. لكن يومها كان صعبا أن اكبح جموح الفرح وأنا اعي تماما كيف كانت سياسة بن علي في تونس خصوصا في موضوع الحريّات وتهميش الإعلام وهذا ما دعاني إلى مغادرة البلاد .. لن أنسى ذلك اليوم ما حييت خصوصا وأني واصلت البث والتعليق ومحاورة الضيوف عبر الهاتف والأقمار الصناعية لمدة ساعتين ..وحين غادرت الأستوديو لأرتاح قليلا حيّاني رئيس التحرير وهنأني بعض الزملاء على مغادرة بن علي تونس بذلك الشكل ونجاح الثورة التونسية فيما الآخرون أشادوا بادائي رغم أن احدهم قال لي عيناك كانتا تفضحانك وفرحك سينطق رغم تمكنك من إدارة الحوارات ومتابعة مجريات الأحداث ..هي بلدك بالنهاية وتعرف خباياها أكثر منا.. لن أنسى ذلك اليوم ولم أغادر مقر البي بي سي حتى حين انتهى وقت عملي بقيت أساعد زملائي في جلب أرقام المحاورين والمعلقين وكانت فرحتي لا توصف خصوصا بعد أن تابعت بفخر تغطيات القنوات الأخرى وحالة الانبهار بنجاح الثورة التونسية بالحد الأقل والأدنى من سيل الدماء وسقوط الضحايا والتخريب. استفادت تونس والتونسيون من هذه الثورة أولا لكن النهضة كانت المستفيد الأكبر بعد أن كانت بعيدا عن المشهد والعمل السياسي وحتى التحركات التي لم يكن وراءها أي قيادة حزبية ..استفاد الإعلام الذي تحرر ونرجو أن تتركه الحكومة الجديدة مستقلا وحياديا .. لكن المواطن البسيط لم يستفد شيئا للأسف طبعا الثورات رومانسية دائما لكنها لا تحمل عصا سحرية لتغيير سريع لكن تبقى فسحة الأمل كبيرة رغم أن الدرب تضيق أحيانا.. مخاوفي أمام صعود التشدد باسم الدين والسلفية أن يأتي يوما نتأسف فيه على بن علي وأيام التعايش الصعب رغم قمعه. مكي هلال مذيع تونسي بتلفزيون البي بي سي العربي