كان الله في عون كل من يشتغل الآن من بعيد أو من قريب في إعداد ميزانية الدولة للعام الجديد ... وقبل ذلك كان الله في عون الذين سيتحملون كالعادة أعباء هذه الميزانية التي من المؤكد أنها ستحمل لعموم التونسيين مفاجآت جديدة غير سارة. والأمر مؤكد لأنه بدأ إعداد التونسيين نفسانيا لجولة جديدة في معركة التقشف وكبس «السنتورة». حيث أكد أكثر من مسؤول حكومي وأكثر من خبير اقتصادي بعبارات واضحة وصريحة أن سنة 2013 ستكون صعبة.. لنترك الإحصائيات لأصحاب الشأن من المختصين ، ولمحترفي «الجنقلة» بالأرقام ، الذين بإمكانهم أن يقنعوننا بالشيء وبنقيضه انطلاقا من نفس الرقم حسب موقعهم ولونهم وحتى أهوائهم أحيانا ... ولكن هل كان هناك حقا من توقع أن تكون سنة 2013 أفضل من سنة 2012 اقتصاديا... لا علاقة للأمر هنا بالتشاؤم أو بالتفاؤل، ولا هو مِؤاخذة لطرف دون سواه.. ولكن كل المؤشرات كانت تنبئ بأن السنة المقبلة ستكون صعبة وربما صعبة جدا على التونسيين. ولئن كانت هذه الصعوبة متوقعة لأسباب موضوعية لبلد عاش تغيرات مثل التي عرفتها بلادنا، فإن بعض ما سنجنيه السنة المقبلة وربما السنوات التي ستليها، زرعناه بأيدينا.. وها نحن على أهبة دفع الحساب الذي جاء مثقلا وعسير الهضم.. والمؤكد اليوم أننا في حالة ارتباك ونحن نستعد لدفع الفاتورة، لأن قدراتنا الذاتية لن تكون كافية للوفاء بالتزاماتنا.. ولن يكون هناك مفر من توظيف أداءات جديدة على المواطن، ومن إقرار زيادات في أسعار بعض المواد الاستهلاكية.. ولا مفر أيضا من التداين، ولكن بشروط أصعب بعد أن تدحرجنا مراتب في تصنيفات وكالات الترقيم العالمية ... وتلك هي الحلقة المفرغة التي يجب العمل من الآن على إيقافها... والنهج الوحيد الممكن لإيقافها هو العودة إلى العمل وتوفير المناخ الملائم لخلق الثروات.. لا الخصام على توزيع ثمار تنمية يسمع بها المواطن ، أو يقرا عنها دون أن يلمس نتائجها... والأهم في هذا كله التفكير أولا وقبل كل شيء في تجنيب الفئات الضعيفة الهشة أعباء جديدة ليست قادرة على تحملها لسنة إضافية. واليوم لا سبيل لإضاعة المزيد من الوقت في الخصومات « السياسوية « والحسابات الانتخابية لأن ما نحن بصدد خسارته اقتصاديا سوف لن يكون متاحا إصلاحه غدا إلا بشق الأنفس، والملف الاقتصادي يجب أن يكون على رأس أولويات كل الطيف السياسي، ومركز الاهتمام الأول لكل الفعاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية... وما لم يحصل ذلك فلن تكون الصعوبة عنوانا للسنة المقبلة فحسب، بل لحقبة كاملة، وبذلك نكون بصدد تكبيل أجيال المستقبل - حتى قبل أن يولدوا بالديون - وتضييق الآفاق أمام شباب الغد ، ومصادرة حقهم في الفوز بشغل لائق وتوفير أسباب العيش الكريم لهم.