مسكينة كرتنا... ومساكين نحن.. مسكينة لأننا حمّلناها ما لا تحتمل... ومساكين لأننا المذنبون والضحايا في الآن... لقد فعلنا بها ما لا يفعله العدوّ بعدوّه، ولما انقلب السحر على الساحر جرفنا التيّار وبلغنا حدّ الانهيار. لقد انهارت كل القيم في فضاءاتنا الرياضية التي أصبحت مرتعا للقبح ومجالا للذبح.. ذبح الأخلاق والقيم على مرأى ومسمع من الجميع... محليا وخارجيا. والحديث عن الذبح لم أختلقه كما لم يبتدعه المخرج الذي تولّى تأمين النقل المباشر للمباراة التي جمعت الترجي الرياضي التونسي بضيفه النادي البنزرتي، بل هو مفروض من قبل لاعب شاب تعلّقت همّته بأن ينال دبلوم الذبّاح فأحرزه عن جدارة. وتتمثل اللقطة في تعمّد هتان البراطلي القيام بحركة تفيد قيامه بعملية ذبح تجاه الجماهير والنظارة بمعنى أنه ذبح الترجي والترجيين... وهو في الواقع ذبح المتابعين أجمعين. هتان هزّته النشوة بالهدف الذي سجله من ضربة جزاء فلم يجد غير تلك الحركة المستهجنة للتعبير عن فرحته بإنجازه. طبعا، إن من حق هذا الشاب أن يفرح وأن يرقص وأن يحتفل بالانتصار ولكن ما كان له أن يتحوّل إلى ذبّاح للأخلاق الرياضية... فهناك عشرات التعبيرات عن الفرح ولكنها بعيدة كل البعد عن تلك الحركة غير المبرّرة إطلاقا... خاصة وأنها تكرّرت من اللاعب نفسه. وهذا يجرّني إلى الخوض في الوجه الآخر لتلك الفعلة... لقد كان أولى بمسؤولي النادي البنزرتي الذين نعرف رفعة أخلاقهم أن يلفتوا نظر ذلك الشاب إلى ضرورة التخلي عن مثل ما أتاه حتى لا يعيد الكرّة ويصيب كرتنا بالمضرّة. أما وقد قوبل بالصمت، فرأى في ذلك مباركة وتشجيعا له ليواصل عمليات الذبح تحت الأضواء وتصفيق الجمهور! إلى هذا الحد وصلت الأمور وما كان لها أن تبلغ هذه الدائرة «الدموية» لو تحرّكت الدوائر المعنية منذ انطلاق مثل تلك الحركة الخارجة عن السياق الأخلاقي. ولعلّ الذاكرة مازالت تحتفظ بصورة ما أتاه ذات يوم لاعب في فريق كبير وكانت له تجربة احترافية بالخارج والذي تمثل في محاكاة «كلب يتبوّل» (حاشاكم)... وقبل هذا وبعده تواصلت الانتهاكات اللاأخلاقية لحرمة المشاهد بحركات هجينة ولعينة. وهكذا بلغنا مرتبة «الجزارة» في التعبير عن النجاحات الكروية... ويئست تلك التعبيرات. أنا أتألّم، ليس فقط بسبب هذه التجاوزات ولكن لأنها صدرت عن شاب نتنبّأ له بمستقبل مبشر بالنجاحات وكبير الإنجازات، فلم يصرّ على أن يبقى في دائرة الذباحين ويرسّم نفسه في دائرة المشاكسين المرفوضين. أتمنى صادقا أن يعود هذا اللاعب إلى رشده وأن يفيق من طفرة مشاعره وينزل إلى أرضنا ليتعامل معنا (أي الرياضيين) بما لا يسيل دماءنا. هتان... عد إلينا.. وعليك الأمان... وقريبا ألاقيكم وأشدّ على أياديكم...