سوسة: تعليق الدروس بكافة المؤسسات التربوية والتكوينية والجامعية على خلفية تواصل تهاطل الامطار    الحرس الوطني يدعو الى توخي الحذر تحسبا لتساقط كميات هامة من الامطار بولايات المنستير وسوسة والمهدية وصفاقس وقابس.    بث مباشر لعملية جراحية على تيك توك.. هذا ما ينتظر الطبيبتان المخالفتان    عاجل/ بسبب الأمطار: تأجيل الجلسات بجميع محاكم هذه الولاية إلى وقت لاحق..    خاص: الترفيع في قيمة الدعم الى 11.6 مليار دينار العام المقبل    نقابة الأطباء الجامعيين وأطباء الأسنان و الصيادلة تعبّر عن رفضها الترفيع في الضريبة على دخل الاستشفائيين الجامعيين    تقرير: تعافي القطاع الفلاحي يدفع نمو الاقتصاد الوطني    سليانة: وضع 10 ألاف و150 قنطارا من البذور الممتازة منذ بداية الموسم بمراكز التجميع    الحكم ب 20 سنة سجنا على رئيس الأسبق لدولة بيرو    بريتني سبيرز... تثير الجدل بفستان زفاف وطرحة عروس    تحذير من عواصف شمسية.. هل سيعيش العالم دون إنترنت لأسابيع؟    بطولة كرة السلة: تعيينات منافسات الجولة التاسعة    محرز الغنوشي: الرجاء التنقّل الّا للضرورة القصوى بهذه المناطق    معهد الرصد الجوّي: أمطار رعدية حاليا ب8 مناطق    التقلبات الجوية: أبرز تدخلات الحماية المدنية خلال 24 ساعة الماضية..    شيرين عبد الوهاب تدخل موسوعة ''غينيس'' للأرقام القياسية    منزل بورقيبة: اصطدام شاحنة بسيارة..وهذه حصيلة الجرحى..    رسميا: الفيفا يسلط عقوبة جديدة بالمنع من الإنتداب على أحد أندية الرابطة الأولى    الفنانة شيرين تدخل موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية..ما القصة؟    النجم الساحلي: محمد المكشر يقود اليوم التمارين    اجتماع طارئ للجامعة العربية    "أعطونا ما سرقتم منا".. ملك بريطانيا يتعرض لموقف محرج في البرلمان الأسترالي    ما هي إشارات Bookmark المرجعية، وكيف تستخدمها على باب نات؟    توقف حركة طيران مطار " بن غوريون "...وحزب الله يقصف تل أبيب بصواريخ نوعية    عاجل/ الرصد الجوي يعلن المرور الى اللون البرتقالي ويدعو الى اليقظة..    الحماية المدنية تسجيل 484 تدخل    هذا ما طلبه رئيس الجمهورية من أعضاء الحكومة في أول اجتماع معهم بعد أداء اليمين    عاجل/ رجة أرضية بهذه الولاية..    المهدية: لجنة مجابهة الكوارث تقرر تعليق الدروس ب7معتمديات    النجم الساحلي يكشف عن التركيبة الجديدة للاطار الفني لاكابر كرة القدم بقيادة محمد المكشر    عملاق الزمن الجميل: جميل الدخلاوي ... وداعا    الدورة الثالثة لمهرجان نجع الفن...«رملة» مشروع موسيقي ضخم يجمع كريم الثليبي بزياد الزواري    ساقية سيدي يوسف ..يوم تنشيطي للترغيب في المطالعة    ارتفاع النتيجة الصافية للقطاع البنكي    أصبح ظاهرة متفشية في مؤسساتنا التربوية .. التدخين يقتل أطفالنا في صمت !    وفاة الإعلامي جميل الدخلاوي    قابس: النظر في مكوّنات المشروع النموذجي لانتاج الأمونيا الخضراء وتأثيراته البيئية والاجتماعية    مستقبل قابس ينهي العلاقة التعاقدية مع المدرب عبد المجيد الدين الجيلاني    الكاف: استعدادات حثيثة لانطلاق موسم بذر الزراعات الكبرى    توقيع اتفاقية لإحداث خدمات جديدة بالمركز الفني للنسيج لفائدة مؤسسات القطاع    طقس الليلة : أمطار متفرقة ومؤقتا رعدية بالجنوب و الوسط ومحليا الشمال    ديوان الإفتاء: إمرأة وإبنتها تعتنقان الإسلام    لن تتجاوز 35 دينار: الأسعار الجديدة للحوم الأبقار    عاجل/ محكوم بالسجن21 عاما: القبض على مشتبه في انتماءه لنتظيم ارهابي    الداخلية: السجن لعون الأمن المعتدي على مشجع الإفريقي    نهائيات رابطة أبطال افريقيا للأندية النسائية : مشاركة لهدى عفين ودرصاف القنواطي    نادين نجيم تنفي صحة الشائعات حول انفصالها عن خطيبها    فجر اليوم حادث مرور قاتل بالبحيرة 2    وزارة التجارة: أسعار القهوة الموجّه للعائلة لم تتغيّر    انس جابر تتقدم الى المركز 32 عالميا في تصنيف لاعبات التنس المحترفات    تأثير الكافيين على وزن الجسم والإصابة بالسكري    توزر: تواصل الحفريات الأثرية بموقع 'كستيليا' يكشف عن وجود مبان سكنية بجوار الكنيسة المسيحية    خطير..علماء يكشفون تأثير الكافيين على وزن الجسم والإصابة بالسكري..    حفل تكريم بجمعية كلية الطب بولاية قابس    بعدك يا نصر الله، بعدك يا سنوار    يا يحي .. خذ القضية بقوة..    مفتي الجمهورية في زيارة لشركة مختصّة في انتاج زيت الزيتون البكر وتعليبه    يتزعمها الفحاش والبذيء وسيء الخلق...ما حكم الإسلام في ظاهرة السب على وسائل التواصل الإجتماعي ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى الوحدة التونسية الليبية المجهضة:هل خاف بورقيبة من أطماع القذافي ؟
نشر في التونسية يوم 12 - 01 - 2015

منصور معلّى، عبد المجيد القروي، مصطفى الفيلالي والطاهر بلخوجة يتذكرون ويكشفون
اعداد: سنيا البرينصي
يصادف اليوم الاثنين 12 جانفي، الذكرى 41 لإبرام اتفاقية الوحدة بين تونس و ليبيا بتاريخ 12 جانفي 1974. قبل إجهاضها بعدما ٫ وقع الزعيم الحبيب بورقيبة و العقيد الليبي معمر القذافي على «بيان جربة» لتوحيد البلدين تحت راية جمهورية واحدة تسمى ب «الجمهورية العربية الإسلامية» تكون ذات سلطة تنفيذية و تشريعية وقضائية و دستورية واحدة، على أن يكون بورقيبة رئيسا له‍ا و القذافي نائبا له أو وزيرا أولا في حكومة الوحدة.
وتشير صفحات التاريخ التي لم تبح بعد بكلّ أسرارها هذا الحدث الى أن توقيع اتفاق الوحدة التونسية الليبية كان حدثا هاما و مفصليا في تاريخ تونس آنذاك نظرا للظروف التي حفت بإبرامه وتداعيات التراجع عنه بعد ذلك الى حد انه تسبب في اندلاع أزمة سياسية و ديبلوماسية و واجتماعية حادة بين القطرين الشقيقين، لا سيما أن المشروع الوحدوي لم يعمر سوى 48 ساعة.
ويؤكد مؤرخو العصر الحديث أن فكرة الوحدة كانت فكرة مضيئة و عملاقة لو تم تدارسها بعمق و تهيئة كل الظروف الموضوعية والواقعية لإنجاحها. في المقابل، يشدد آخرون على أن توقيع بيان جربة 74 كان خطأ جسيما و قرارا غير مدروس من طرف بورقيبة و من طرف مهندسي المشروع من جماعته و على رأسهم وزير الخارجية آنذاك محمد المصمودي، مقابل أوهام و تخريجات قذافية بحتة حالمة بتكريس الوحدة العربية التي أثبت الزمن فشلها واقعيا.
و بعيدا عن تقديم التفسيرات و التأويلات التي قد تخطئ أو تصيب إزاء حدث هام في تاريخ البلاد نظرا الى تأثيراته الجلية على واقع العلاقات التونسية الليبية طيلة فترة حكم المجاهد الأكبر ابتداء من 1974، تحدثت «التونسية» إلى رجالات و شخصيات كانت مقرّبة من بورقيبة وقتئذ، بحكم أنها عايشت الحدث عن كثب و ساهمت بكل ثقلها في رسم معالمه الجيوسياسية،إن بالدفع في اتجاه تفعيل الوحدة التونسية الليبية أو في اتجاه إجهاضها.
وفي هذا الإطار، قال وزير الاقتصاد في عهد الزعيم الحبيب بورقيبة، منصور معلى، إن توقيع الوحدة بين تونس و ليبيا كان مفاجأة في بادئ الأمر مبينا أن بورقيبة زار ليبيا في تلك الفترة بمناسبة احتفالها بعيدها الوطني آنذاك واستدعى العقيد الليبي معمر القذافي إلى تونس للحديث في مقترحه حول مشروع الوحدة بين البلدين. و أضاف أن الزعيمين التقيا بعد ذلك في جربة بتاريخ 12 جانفي 1974 بحضور عدد من وزراء بورقيبة ومن بينهم وزير الداخلية الطاهر بلخوجة و مدير الديوان السياسي محمد الفيتوري و محمد المصمودي وزير الخارجية و أنه تم خلال ذلك اللقاء توقيع الإتفاقية الوحدوية بين البلدين.
خطر الوحدة بين مصر وليبيا
وأشار منصور معلى إلى أن فكرة إبرام الوحدة بين تونس و ليبيا كانت عميقة جدا لأن بورقيبة كان يعتقد أن تونس، البلد الصغير من حيث إمكانياته الطبيعية، لا يجب أن ينحصر بين عملاقين هما الجزائر و مصر موضحا أن مصر في تلك الفترة كانت تطمح إلى الوحدة مع ليبيا و أن المجاهد الأكبر كان يخشى من إبرام هذه الوحدة لأن الأولى لديها العسكر والثانية لديها البترول في حين لا تمتلك تونس سوى مواردها البشرية وهو ما قد يسبب بعض الإشكاليات و الخطر لبلادنا مؤكدا أن بورقيبة كان مهتما بتخفيف هذا الخطر الذي من الممكن أن يمس تونس إذا تمت الوحدة الليبية المصرية وفق تعبيره.
تضارب آراء و تراجع بورقيبة
و أوضح محدثنا أن إمضاء المجاهد الأكبر لاتفاقية الوحدة مع ليبيا كان يهدف كذلك إلى إيجاد توازنات في منطقة المغرب العربي حتى يتم التكامل بين الإمكانيات الطبيعية الليبية و الإمكانيات البشرية التونسية بمعنى الكوادر و الأدمغة التونسية. و أكد أن فشل مشروع الوحدة كان نتيجة لتضارب الآراء بين القيادات الفاعلة زمن بورقيبة مبينا أن لقاء 12 جانفي 1974 بين بورقيبة والقذافي تم في غياب الوزير الأول الهادي نويرة الذي كان في طهران وقتئذ. و أعقب بأن نويرة عندما عاد إلى تونس طلب من الزعيم طرد وزير الخارجية محمد المصمودي الذي كان مع تفعيل الوحدة التونسية الليبية و من المؤيدين للقذافي. وتابع بأن الوزير الأول لم يكن موافقا على إبرام هذه الوحدة مضيفا أن تشنجا حادا طغى على أعضاء الحكومة وقتها و أنه لهذا السبب قرر بورقيبة التراجع عن تطبيق ما كان قد وقّعه مع الرئيس الليبي وطالب هذا الأخير بإعادة وثيقة جربة لتندلع على إثر ذلك أزمة سياسية وديبلوماسية كبرى بين البلدين وصلت إلى حد طرد العمال التونسيين من الجارة الليبية.
لقاء مخجل
و واصل منصور معلى بقوله بأن لقاء آخر جمع بين بورقيبة والقذافي بجنيف السويسرية بعد حوالي أسبوع من فشل مشروع الوحدة بحضور الوزير الأول الهادي نويرة و محدثنا وفيه طلب القذافي من بورقيبة توضيحا مقنعا يتضمن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تراجع الرئيس التونسي عن تفعيل ما تم الإتفاق عليه في جربة.و أضاف معلى أن بورقيبة حاول إقناع القذافي بأن هناك إشكاليات قانونية و دستورية لا بد من دراستها بعمق قبل تفعيل الاتحاد مع ليبيا مشددا على أن اجتماع جنيف كان مخجلا و غير مشرّف من جميع النواحي حسب قوله.
بورقيبة كان راغبا في الوحدة و لكن جماعته خذلته
وعن حقيقة موقف بورقيبة من التراجع عن تفعيل الوحدة بين البلدين، قال معلى، إن بورقيبة كان راغبا في الوحدة لكنه تعرّض إلى ضغوطات كبرى من طرف عدد من رجالاته وهو ما جعله يتراجع. و تابع بأن الفكرة الوحدوية بين تونس و ليبيا كانت عملاقة و لكن الزعيم لم يتمكن من تجسيمها لأنه لم يتلق مساعدة و مساندة من «جماعته» التي كانت خائفة من إمكانية تغول القذافي و لم تأمن له.
القذافي كان يطمح الى خلافة بورقيبة
و بخصوص مطامح أو مطامع القذافي من إبرام مقترحه الوحدوي مع بلادنا، بيّن منصور معلى، أن هذا الأخير، كان يبحث عن الإقتداء ببورقيبة حتى يصبح كبيرا أو بالأحرى شخصية نافذة، بما أن المجاهد الأكبر كان من كبار الزعماء مضيفا أن الرئيس الليبي كانت لديه نوايا أيضا بأن يصبح خليفة لبورقيبة على رأس الدولة التونسية الليبية بما أن الرئيس التونسي كان سيصبح رئيسا للبلدين المتحدين لو تم تفعيل اتفاق جربة.
المجاهد الأكبر لم يستشر أعضاء حكومته
من جهة أخرى، بيّن محدثنا أن بورقيبة تراجع عن الوحدة لأنه خُذل من قبل بعض رجالاته ولكن هذه المسألة لا يمكن أن تحجب حقيقة أن الزعيم ذهب إلى اجتماع جربة دون استشارة جميع أعضاء حكومته و أعضاء ديوانه السياسي و د ون عقد اجتماعات و تشاورات معهم في الغرض.
و شدد معلّى على أنه كان لا بد من التروّي و عدم التسرع قبل توقيع الاتفاقية لضمان دراسة المشروع الوحدوي من جميع الجوانب الدستورية و الاقتصادية و الإجتماعية و غيرها. وأضاف أنه لو توفرت الشروط المذكورة آنفا (أي التروي و عدم التسرع) لتم بناء الوحدة التونسية الليبية بنجاح و على أسس صحيحة و قوية و لتم أيضا تحقيق مكاسب كبرى لتونس ولليبيا ولبلدان المغرب العربي ككل.
اختلاف في الرؤى و اغراءات
من جانبه، قال مدير التشريفات في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة، عبد المجيد القروي، إن فشل اتفاقية الوحدة بين تونس و ليبيا يعود إلى عدة أسباب أهمها الاختلاف في الرؤى و التصورات بين الزعيمين بورقيبة و القذافي موضحا أن المشروع الوحدوي كان مقنعا من الناحية الإعلامية و ليس من الناحية العملية مضيفا أن الإغراءات التي قُدمت لبورقيبة كانت كثيرة وانه كانت للعقيد القذافي أطماع كثيرة وراء هذا المشروع وأنه كان يزور تونس بصفة مستمرة من أجل تحقيق هدفه. و تابع بأن الشعب التونسي شعب طيب بطبعه و لكن كان يريد أن تتم الأمور بصفة مركزة و كان صارما في هذه المسألة وفق تعبيره.
قرار الوحدة لم يكن سهلا
و لاحظ مدير بروتوكول بورقيبة في اتصال مع «التونسية» أن النظام الحاكم عرف نوعا من الحيرة آنذاك بحكم أن الوحدة مع ليبيا ستمكن تونس من دعم اقتصادي كبير جدا ولكنها لن تخلو من مشاكل في ذات الوقت، مؤكدا أن عوامل تاريخية و جغرافية و اقتصادية و مجتمعية عديدة كانت تربط بين الشعبين التونسي و الليبي و لكن تفعيل مشروع الوحدة بين البلدين لم يكن سهلا بالنسبة إلى تونس وقتها. و أكد أن الزعيم الحبيب بورقيبة لم يكن لينفذ أمرا هاما كهذا إلا بعد استشارة رجالات الدولة و التونسيين موضحا أنه عاش طيلة 14 سنة من عمره في ظل حكم بورقيبة و أن هذا الأخير لم يكن ليتخذ قرارات مصيرية دون استشارة بقية الوزاراء و رجال الحكم.
الاتفاقية وُقّعت في غياب الوزير الأول
و تابع بأن الزعيم كان يؤمن بضرورة تفعيل الشراكة مع ليبيا التي تملك إمكانيات كبرى و أنه لهذا السبب وافق في بداية الأمر على دخول تونس تحت راية الوحدة مع القطر الليبي ليتراجع عن ذلك لاحقا بعد استشارة رجالات حكمه. ولا حظ أن الوزير الاول الهادي نويرة كان خارج الوطن لما تم إمضاء اتفاقية الوحدة التونسية الليبية في جربة بتاريخ 12 جانفي 1974. و استطرد عبد المجيد القروي بأنه في ذلك الحين كان لا بد من التروي و التفكير الجيد و العميق لأنه ليس من السهل إبرام وحدة بين بلدين بهذه البساطة، بل انه كان لا بد من توفر شروط و مصالح معينة من أجل تفعيلها موضحا أن مقترح القذافي بإبرام الوحدة التونسية الليبية كان مقنعا نظريا أو بالأحرى إعلاميا ولكنه كان على بورقيبة التروّي قبل تنفيذ الإتفاقية على أرض الواقع و لذلك تراجع عن تفعيلها حسب ما جاء في كلامه.
خطاب « البالماريوم»
و ختم محدثنا بأن الخطاب الشهير الذي ألقاه المجاهد الأكبر في «البالماريوم» يلخص كل ما حدث في جربة يوم 12 جانفي 1974، مضيفا أن هذا الخطاب وثيقة تاريخية نادرة من شأنها كشف عديد المعطيات و التصورات عن هذا الحدث الهام و المفصلي في تاريخ تونس.
اتفاق متسرع و غير قانوني
أما مصطفى الفيلالي، وزير الفلاحة و عضو المجلس القومي في عهد بورقيبة، فقد أوضح أن اتفاق الوحدة كان مبادرة سريعة أو متسرعة جدا لأنها وقعت في غياب الوزير الأول الذي كان في زيارة عمل بإيران. و أضاف أن وزير الخارجية محمد المصمودي آنذاك كان وراء هذا المقترح الذي تم توقيعه بطريقة غير قانونية و غير ديبلوماسية مبينا أن وزير الخارجية قام أيضا باختيار تركيبة الحكومة ، «حكومة الوحدة» . و أعقب في الأثناء أن بورقيبة و القذافي قاما بتوقيع اتفاق الوحدة التونسية الليبية على ورق «كاغط» تابعة للنزل الذي تم فيه اللقاء في جربة.
بورقيبة رئيسا للدولتين
وأكد الفيلالي أنه تم إغراء بورقيبة بأنه سيصبح رئيسا لدولتين أو بالأحرى لدولة كبيرة تجمع كلا من تونس و ليبيا مبينا أن معمر القذافي أغرى بورقيبة بأنه سيصبح زعيما لقطر مغاربي كبيرا جدا وأنه هو من اقترح عليه رئاسة «دولة الوحدة» ليكون هو أي القذافي وزيرا أولا أو وزيرا للدفاع. و تابع بأن الاتفاق تم كذلك على أن تكون تونس العاصمة، عاصمة كبرى و طرابلس عاصمة صغرى.
خطأ جسيم و تونس ليست ليبيا
و شدد الفيلالي على أن إبرام عقد الاتفاق الوحدوي بين تونس و ليبيا في غياب رئيس الحكومة وزعيم الحزب الحاكم الهادي نويرة كان خطأ جسيما بالنظر إلى حجم هذا الأخير الكفاحي و النضالي والذي كانت بيديه كل السلط التنفيذية. و تابع بأن المجاهد الأكبر لم يقم باستشارة المجالس النيابية وأعضاء الحكومة و قيادات الحزب الدستوري و لا حتى التشاور معهم قبل الدخول في مفاوضات مع دولة أجنبية لأنه ليس من الهين الدخول في وحدة مع بلد آخر بهذه الطريقة المتسرعة بحكم وجود عديد الإشكاليات المتعلقة بطريقة توزيع السلط و تنظيم الدولة و تلك التي تخص مستقبل الشعبين والمنطقة عموما. و لاحظ أنه هناك نقاط تباين و تفاوت كبيرة من جميع النواحي السياسية والاجتماعية و الاقتصادية بين تونس و ليبيا حالت بدورها دون تطبيق مشروع الوحدة بين البلدين. واستطرد بأن تونس كانت تزخر بالكفاءات العلمية و ببرامجها التعليمية و كوادرها العليا الرائدة و أن هذا التفاوت الاجتماعي مع ليبيا جعل تفعيل الوحدة غير واقعي.
صعوبات اقتصادية وطمع في النفط الليبي
و أقر الفيلالي وزير بورقيبة، بأن تونس وقتها كانت تعاني من صعوبات اقتصادية و لذلك طمع جزء من التونسيبن في النفط الليبي بحكم أن البلاد تفتقد للثروات الطبيعية مقارنة بالجارة الليبية مضيفا أن الثروات الليبية كانت تغري عددا من التونسيين.
وعن تقييمه للتجربة ككل، قال الفيلالي،انه كان يمكن لمشروع الوحدة التونسية الليبية أن ينجح لو تمت دراسته بطريقة أعمق و الاتفاق عليه على مدى آجال معينة قبل الدخول في مزج مع دولة أخرى حتى لا يقع الإضرار بمستقبل تونس و «باش ما نبيلكوش» البلاد بجرة قرار عشوائي و غير مدروس حسب ما جاء في كلامه.
تفاصيل دقيقة
و بخصوص أدق التفاصيل التي حفت بإمضاء بيان جربة، قال وزير الداخلية في عهد بورقيبة، الطاهر بلخوجة، ل «التونسية» إنه رغم مرور 41 سنة على هذا الحدث، فإنه مازال يراه كأنه وقع البارحة اي منذ تاريخ امتطائه الطائرة الخاصة التي أقلته إلى جانب الرئيس بورقيبة و الحبيب الشطي مدير ديوانه و علالة العويتي كاتبه الخاص إضافة إلى وزير الخارجية محمد المصمودي و محمد الصياح مدير الحزب الدستوري وقتها وكذلك عبد المجيد القروي مدير التشريفات في اتجاه جربة أين التقى الوفد بالعقيد الليبي معمر القذافي الذي وصل جربة يوم 11 جانفي 1974.
الارتباك كان سيّد الموقف
و لاحظ بلخوجة أن الإرتباك كان سيد الموقف في مشوار الرحلة إلى جربة مؤكدا أنه شخصيا شعر بخطورة ما يجري لأنه يعرف جيدا نوايا العقيد و كانت لديه عديد الهواجس التي تؤشر على أن هناك خطورة ما تنتظر تونس من جراء هذا التوجه. و أضاف أنه على نقيض ذلك كان بورقيبة منشرحا وو اثقا في نفسه و متألق النظرات كما هو شأنه دوما في اللحظات الصعبة متابعا بقوله إنهم وصلوا الى جربة بعد حوالي ساعة و هناك التقوا بالقذافي الذي انفرد ببورقيبة في اجتماع خاص بعد ذلك، ليخرج من الاجتماع مهنئا بقية أعضاء الوفد على الاتفاق على الوحدة بقوله: « مبروك» و كذلك بادر بتهنئة الرئيس الجديد للقطرين التونسي والليبي، الزعيم بورقيبة. و أشار بلخوجة إلى أن محمد المصمودي قام على إثر ذلك بقراءة بيان الوحدة المعروف على الوفد المرافق للرئيس، لتتم قراءته من جديد بعد ذلك على المسؤولين الجهويين بجربة و على الضيوف الليبيين وفق كلامه.
توجس من قائمة القذافي
و أضاف وزير داخلية بورقيبة أنه بعد قراءة البيان تم الإمضاء عليه من طرف بورقيبة والقذافي ليقدم على إثر ذلك هذا الأخير قائمة بتركيبة حكومة الوحدة للرئيس بورقيبة موضحا أن الوفد المرافق للرئيس لم يكن على علم بهذه القائمة. مبينا أنه ومن معه توجسوا خشية من هذه القائمة التي قام بورقيبة بالتمعن فيها. و أعقب محدثنا بأن الوفد التونسي عاد بعد ذلك الى العاصمة و أنه (اي بلخوجة) رفض طلب الرئيس المتعلق ببقائه في جربة حتى يرافق القذافي في اليوم الموالي إلى طرابلس لترتيب الأمور الوحدوية هناك.
دور زين العابدين بن علي
و أكد بلخوجة أن القائمة التي قدمها القذافي المتعلقة بتركيبة حكومة الوحدة الى بورقيبة كانت تضم اسم زين العابدين بن علي مشددا على أن بورقيبة و نويرة طلبا منه توضيحات حول تضمن القائمة لاسم بن علي كمسؤول عن الإستعلامات بالنسبة للجيشين التونسي والليبي موضحا أن القذافي هو من اقترح بن علي. و استطرد أن جوابه كان بأنّ هناك تواطؤات ما مؤكدا أن تواطؤات ما كانت موجودة وقتها رغم أنها كانت بدون دليل. و بين أنه اقترح على بورقيبة وقتها القيام بإجراء عاجل وهو المسك الجيد بوزارة الدفاع و هو ما تم فعلا بإقالة عبد الله فرحات وزير الدفاع وتعيين الهادي خفشة وهو من المقربين للرئيس اضافة الى تعيين أحمد بالنور كمكلف بالأمن العسكري بوزارة الدفاع. و تابع بأن الإقالات تواصلت لتشمل وزير الخارجية محمد المصمودي يوم 14 جانفي.
وسيلة بورقيبة كانت غائبة و «تجاهل» الوفد التونسي في الجزائر
و لاحظ بلخوجة أن اتفاق الوحدة جرى في غياب الوزير الأول الهادي نويرة الذي كان في طهران و في غياب وسيلة بورقيبة التي كانت في رحلة الى الشرق، مبينا أن عودة الوفد من جربة الى العاصمة تزامنت مع عودة نويرة من ايران و أن اجتماعا جمعه شخصيا بالوزير الأول و الحبيب الشطي في منزل هذا الأخير وقتها. و أكد أن الأحداث تسارعت بعد ذلك و كان أولها اتصال أجراه بورقيبة بالرئيس الجزائري هوراي بومدين مقترحا عليه الالتحاق بركب الوحدة إلا أن بومدين أجابه بقوله:«لا أمتطي القطار و هو يسير».
و استطرد بأن بورقيبة قرر بعد ذلك إرساله مع الحبيب الشطي الى الجزائر موضحا أن طريقة استقبالهما هناك كانت مخالفة للأعراف الديبلوماسية رغم أنهما مبعوثي الرئيس مبينا أن بومدين لم يستقبلهما و أن اللقاء اقتصر على وجود وزير الخارجية الجزائري آنذلك عبد العزيز بوتفليقة و وزير الداخلية حسين المدغري، و أشار الى أن الجزائريين أطنبوا في تذكيرهمها بأن تونس رفضت مشروع الوحدة الذي كانت قد تقدمت به الجزائر في الكاف عام 1972.
الضغط على بورقيبة
من جهة أخرى، بيّن بلخوجة أن لقاء جمع بين بورقيبة و القذافي بجنيف بهدف الضغط على «الزعيم» لإتمام الاتفاق ملاحظا أن هذا اللقاء بين القائدين كان سلبيا و لم يسفر عن أية نتائج تذكر.
محاولة اغتيال الهادي نويرة وزرع الغام بقابس
أما عن تداعيات قرار تراجع الجانب التونسي عن إبرام الوحدة مع ليبيا، فقال بلخوجة، إن القذافي سعى إلى تنظيم مسيرة كبرى تبدأ من ليبيا إلى قرطاج كان ظاهرها تهنئة الرئيس على الوحدة وباطنها الضغط عليه حتى لا يتراجع. و تابع بأنه تم إعلامه بتلك المسيرة ليلا و انه اضطر ولأول مرة الى اتخاذ احتياطات أمنية صارمة منها زرع ألغام بمحوّل قابس جنوب البلاد لإيقاف مسيرة القذافي نحو قرطاج مؤكدا أنه تم التصدي لهذه المسيرة و أنه في آخر المطاف لم يدخل تونس سوى وفد ليبي قليل العدد.
و اعقب بأن تداعيات الأزمة لم تتوقف عند هذا الحد بل وصلت الى حد محاولة اغتيال الهادي نويرة و طرد العملة التونسيين من ليبيا و اندلاع احداث قفصة 1980 وخسارة تونس للجرف القاري المشترك مع ليبيا عام 1982. و شدد في الأثناء على أن القذافي اتجه الى تفعيل الوحدة مع تونس بعد فشله في المساعي الوحدوية مع مصر و سوريا. في حين أن بورقيبة كان يطمح الى أن يكون زعيما لقطر كبير يتكون من تونس و ليبيا إضافة إلى أنه كان يعتبر أن الفضاء الحيوي لتونس موجود في ليبيا و أن الوحدة بين البلدين ستعطي لكل قطر منهما وزنا وثقلا أكبر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.