بقلم: أبو غسان التونسية (تونس) بتأخير يوم واحد عمّا نصّت عليه خارطة الطريق سلّم السيد علي العريض أمس استقالته إلى رئيس الجمهورية. وجاءت هذه الاستقالة وسط أجواء من التوتر ساحتها جبهة أخرى غير الساحة السياسية ألا وهي الجبهة الاجتماعية التي حاول رئيس الحكومة المستقيل نزع فتيل مزيد اشتعالها ساعات قليلة قبل استقالته رسميا بإعلان تعليق العمل ببعض الإجراءات الواردة في قانون المالية لسنة 2014. قدّم السيد علي العريض استقالته وفق ما ينص عليه القانون المنظم للسلطات المؤقتة، ثم تحدث أمام الإعلاميين باختصار ولكن بهدوء. وجاءت الأجواء مختلفة جدا عما كانت عليه يوم 25 أكتوبر 2013 حين طلب منه التعهد بالاستقالة وهو الشرط الذي ارتبط به انطلاق الحوار الوطني حيث كان التشنج وقتها باديا للجميع. وأكثر من ذلك فإن استقالة السيد علي العريض لم تخلف مشاعر حسرة أو هزيمة هنا، ولا مظاهر نشوة وانتصار هناك بشكل ظاهر على الأقل. وهذا يمكن اعتباره علامة نضج سياسي يحسب لنخبنا السياسية. وأهم ما يمكن الاحتفاظ به أن السيد علي العريض أوفى بتعهداته واستقال بمجرد تكوّن هيئة الانتخابات. وهي خطوة على الطريق الصحيح يمكن أن تساعد على التهدئة، وتخفف من حدة التوتر بين أقطاب الساحة السياسية الوطنية، وتمهد السبيل لتجسيد بقية بنود خارطة الطريق في كنف الهدوء وبعيدا عن التجاذبات. وفي هذا الإطار لا بد من العمل على استكمال مناقشة الدستور والمصادقة عليه في أحسن الظروف، وبروح التوافق وضمن الآجال التي نصت عليها خارطة الطريق، لأنه بذلك فقط يتجسد الوفاق الذي سيساعد البلاد على الخروج من أزمتها المتفاقمة التي أصبحت تهدد بما هو أخطر وأسوء خاصة على المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. وبداية من اليوم ستتجه كل الأنظار إلى السيد المهدي جمعة، وستكون كل تحركاته تحت مجهر الرأي العام الوطني والقوى السياسية خاصة، التي لن تتوانى بالتأكيد عن ممارسة ضغوطاتها عليه في ما يتعلّق بتشكيلة فريقه الحكومي الجديد حيث من المنتظر أن نسمع كلاما كثيرا عن معاني الاستقلالية والحياد والكفاءة وهو ما يمكن اعتباره عنوان المعركة الجديدة التي ستشهدها الساحة السياسية. وكل ما نتمنّاه هو أن يراعي الجميع مصلحة البلاد التي لم تعد تحتمل المزيد من الاحتقان وبحاجة أكيدة وفي أقرب الأوقات للشروع في معالجة المشاكل الحقيقية التي تعانيها.