يستخدم في بلادنا وفي مجمل بلدان شمال افريقيا مصطلح "الحرقة" للإحالة على الهجرة غير الرسمية وهو مصطلح غير دقيق لأنها في الحقيقة هجرة غير نظامية لأن حرية التنقل حق تكفله المواثيق الدولية بما فيها الاعلان العالمي لحقوق الانسان. لكن بعيدا عن المشكل القانوني واللغوي فان المعضلة الحقيقية تكمن في الواقع أي في نتائج الهجرة أي "الحرقة" بمعنى التنقل من الضفة الجنوبية الى الضفة الشمالية أي أوروبا بحثا عن واقع أفضل بل أن هناك من يبحث عن الجنة الموعودة التي يتصور وجودها في ايطاليا أو فرنسا أو ألمانيا أو غيرها.
تونس تتحول الى أرض عبور تحولت بلادنا بحكم موقعها الذي يفصل بين قارة افريقيا وأوروبا الى أرض عبور بالتالي فمعضلة الهجرة غير النظامية لم تعد مرتبطة بالتونسيين فقط بل وأيضا بجنسيات أخرى بما فيهم أفارقة لكن على الأقل في هذا المستوى فان شاغلنا هو اثر هذه الظاهرة على الوضع في بلادنا . وفق دراسة هامة أعدها المرصد الوطني للشباب نشر نتائجها في 2017 فان هناك مسألة يجب ايلاءها أهمية كبيرة وهي أن نسبة كبيرة من العائلات التونسية تشجع أبناءها على الهجرة الى خارج تونس وتحديدا نحو أوروبا فوفق استطلاع فان 55ألف عائلة اما أنها دفعت أبناءها للهجرة أو أنها سهلت لها ذلك ماديا ومعنويا .الدراسة نفسها تؤكد أن 15بالمائة من التونسيين عبروا عن رغبتهم واستعدادهم للهجرة مبررين ذلك بسوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وهؤلاء يمثلون 42 بالمائة وبانعدام فرص العمل وهم يمثلون 32 بالمائة .
في نفس الاتجاه سارت دراسة أخرى للمنتدى الاقتصادي والاجتماعي الذي تعرض للمشكل وذكر نفس الأسباب لكنه أضاف عليها سببا هاما له علاقة مباشرة بانتشار الظاهرة وهي تفاقم ظاهرة الانقطاع المدرسي والتي وصلت الى 100 ألف تلميذ سنويا وكل هؤلاء أو جلهم لا يجدون الا الشارع يستقبلهم .من ضمن هؤلاء فان 56 بالمائة يرغبون ويعملون على الهجرة ونسبة هامة منهم مازالوا قصرا أي دون 18 سنة .
بارونات" الحرقة"
من السذاجة التصور كون عمليات الهجرة تحصل بصورة اعتباطية عشوائية وأن هناك شخصا يقرر فجأة أن يجمع عددا من الأشخاص ويقوم بإيصالهم الى سواحل "لمبادوزا" فما يحصل حقيقة هو أن هناك بارونات "حرقة" يجنون المليارات من رحلات الموت التي تنتشر على كامل سواحل البحر المتوسط وهؤلاء يسهلون هذه الرحلات بتوفير قوارب جلها اما تقليدية الصنع أو هي في الأصل قوارب صيد بمعنى أن آخر ما يعني هؤلاء هو سلامة الركاب والحفاظ على حياتهم بل الحصول على الثمن وهو ما يتم قبل انطلاق الرحلة أي رحلة الموت .