المسلم ينوي نية خالصة لله جل وعلا؛ أن يكون عبدًا مستقيمًا طائعًا كما كان في رمضان؛ فالاستقامة بعد شهر رمضان على طريق العبودية أمر متعين على كل مسلم، فرب رمضان هو رب باقي الشهور، والله الذي أمر بالصلاة مثلًا، أمر بها في كل وقت وحين ولم يخصص لها شهرًا معينًا، أو يومًا مخصصًا، قال تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً}. النساء: 103. فأين أولئك القوم الذين يصلون في رمضان ثم يتركون الصلاة مع الجماعة؟ بل لا يكتفون بترك صلاة الجماعة، فإنهم إذا انقضى رمضان عادوا لما كانوا عليه من لغو القول ولغط اللسان، وقبيح الفعال. فعلينا أن نحرص على صلاة الجماعة، لاسيما صلاة الفجر، وعلى قراءة القرآن الكريم، وعلى حسن الخلق، والود، والمحبة، وصلة الأرحام، وفعل الخيرات، وترك المنكرات، والتزود من النوافل، لاسيما الصيام والصلاة، ولنحرص على قيام الليل، ونحو ذلك من وجوه البر والخير. ثم إن العلماء قالوا: من علامات القبول أن يأتي العبد بالحسنة بعد الحسنة، وإذا قَبِلَ الله من العبد رمضان واستفاد من هذه المدرسة واستقام على الطاعة، فإنه يكون في ركاب الذين استقاموا واستجابوا لله، يقول الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ }. فصلت: 30-32. ويقول تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}. الأحقاف: 13. والواجب على المسلم أن يكون عمله دائمًا ومستمرًا، قالت عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملًا أثبته"، رواه مسلم. أي: داوم عليه. ولما سُئِل: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: "أدومه وإنْ قلَّ". رواه مسلم. وقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم عدم المداومة على الطاعة، فقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل". متفق عليه. وروي عن بعض السلف أنه قال: من حدث نفسه أنه بعد رمضان سيعصي الله، فصيامه مردود، وباب التوبة عنه مسدود...