اطّلعت خلال هذين اليومين على عشرات المقالات والتحاليل بخصوص ما عاشته تونس ذات يوم خميس 26 جانفي 1978 ، أجمعت كلّها ، انّه كان يوم " خميس اسود "!!. تسعة وثلاثون سنة ، أي قرابة أربعة عقود كاملة مرّت على هذا الحدث الذي غيّر الكثير في مجرى الحياة التونسية ، حدثت بعده مستجدّات داخلية و إقليمية عديدة .. أدّت في النهاية الى سقوط حكومة رجل الليبرالية والتحرّر الاقتصادي المرحوم الهادي نويرة . كاد يكون " خميسا ابيض " لولا إصرار بعض متشدّدي الحزب الحاكم وقتها ورفض المناضل النقابي الحبيب عاشور ولو " ظاهريا " تهدئة الاوضاع والاصرار على موقف القطيعة والتصعيد الذي انتهجه مع النظام . يوم 25 جانفي ، أي عشيّة الإضراب العام جرت اتصالات حثيثة ومكثفة في سياق وساطة بادر بها من يُعرفون وقتها ب" مجموعة الرأي " على راسهم المرحوم حسيب بن عمار واحمد المستيري والباجي قائد السبسي .. كان رنين الهاتف لا يتوقّف في مقرٌ " الراي " بين القصبة حيث مقرّ رئاسة الحكومة ، وبطحاء محمّد علي حيث مكتب الحبيب عاشور ... لعب المذكورون دور وساطة الربع ساعة الاخير لنزع فتيل الأزمة ، الى حدود الساعة الخامسة مساء كان عاشور على استعداد للتراجع لإلغاء قرار الإضراب العام بشرط فكّ الحصار المضروب على بطحاء محمد علي ومقرّ الاتحاد و إطلاق سراح الموقوفين من النقابيين .. لكن في المقابل كان هنالك داخل الحكم من يريد استغلال الظّرف وهذا الموقف المعلن من قبل المركزية النقابية " للحسم " نهائيا بالنظر الى ما طرأ من جديد داخل القيادة النقابية . فالرّؤية التي بلغت بورقيبة من قبل " صقور الحزب الحاكم " انّ الاتحاد اصبح بيد مجموعة " يسارية متطرّفة " يتزعّمها جامعيون وأساتذة من ذوي التوجهات الماركسية على غرار ؛ الطيب البكوش ومحمد الطاهر الشايب وهشام سكيك وجنيدي عبد الجواد ومختار بوبكر الخ .. وانّ مخطّطهم تحويل الاتحاد الى قوة سياسية لافتكاك الحكم ، وما يؤكّد هذا الموقف استقالة الحبيب عاشور من عضوية الديوان السياسي والتراجع عن السياسة التعاقدية او الميثاق الاجتماعي التي أسّس له في بداية السبعينات الهادي نويرة.. بالتالي ، اصل الخلاف كان تداخل السياسي الحزبي - مع الاجتماعي .. أي بين حدود العمل النقابي وسطوة السياسة تحديدا الحكم ...