علمت أن السيد أحمد بن ابراهيم الامين العام لحزب التجديد سيزور صفاقس يوم الأحد ويعقد اجتماعا بقاعة الافراح البلدية فقررت حضور الاجتماع ومناقشة السيد أحمد بن ابراهيم والتعرف على رأيه ورأي حزبه في بعض القضايا الهامة ومنها رأيه في الفصل الدستوري القائل:(تونس دولة جمهورية لغتها العربية ودينها الاسلام). وفي الموعد كنت أمام قاعة الافراح ووسط جمهور كبير هائج جاء وتجمهر وتجمع لا ليدخل قاعة الافراح ويسمع حديث أمين عام حزب التجديد ولكنه جاء ليمزّق لافتات الدعاية التي تعرف بالمحاضرة والمحاضر وجاء الجمهور ليدخل حديقة قاعة الافراح ويبقى يهتف وينشد ليمنع أحمد بن ابراهيم من أن يلقي محاضرته ويبلغ صوته ورأيه لأنصاره الذين سبقوا ودخلوا القاعة. هنا تذكرت صورة مماثلة رأيتها وشاهدتها في جندوبة سنة 1959 أو في سنة 1960 فقد ترشح الحزب الشيوعي التونسي الذي يسمى اليوم (حزب التجديد) ترشح الحزب يومها بقائمة لانتخابات البلدية وهي أول انتخابات بلدية وطنية في عهد الاستقلال. كان نادي الحزب الشيوعي أمام بيتي، وقد رأيت بعض أنصاره أعدوا سيارة مجهزة ببوق وعزموا على الخروج والطواف بالسيارة في الشوارع ليعرّفوا بمترشحهم ومشروعهم الانتخابي، فهل خرجوا؟ هل تمكنوا من الاعلان عن رأيهم والقيام بحملتهم الانتخابية؟ لا وألف لا، وأنا شاهد على ذلك فقد تجمع أمام نادي الحزب الشيوعي بجندوبة عدد من شبان حزب بورڤيبة وأخذوا يصيحون ويهتفون بحياة بورڤيبة ويقفون سدّا خلف باب نادي الحزب الشيوعي ليمنعوا السيارة من الخروج.. وكان شرطي من شرطة دولة بورڤيبة يرى ويسمع ولم يمنع شباب الحزب الدستوري من الاعتداء على حرية الرأي ولم تخرج السيارة وتمّ كتم صوت الحزب الشيوعي وبقيت الشرطة أياما وليالي تحرس النادي حتى انتهت الانتخابات. تذكرت اليوم تلك الصورة وكنت أتصور أن تونس في عهد ثورة الكرامة قد قطعت الصلة مع سياسة القمع وقتل حرية الرأي ولكنني بكل أسف وجدت مجموعة كبيرة من الشباب التونسي مازال يواصلها ويتواصل معها من غير وعي وغير فهم لأسباب منها أن بعض القيادات في وطني مازالت تنادي باحترام الرأي الآخر باللسان فقط، وأن الكثير من شبابنا غاب عن السياسة طيلة عهد الطاغية المخلوع ولما وجد نفسه في عهد ثورة الكرامة في بحر السياسة وجد من يلقنه الرأي الواحد ويشجعه على قبوله والدفاع عنه بكل وسيلة ومنها الفساد ودليلي على ذلك أنني لما وقفت امام قاعة الافراح بصفاقس ودخلت وسط الجمهور الشبابي الذي جاء يرفض اجتماع حزب التجديل فتحت حوارا مع بعض الشبان الرافضين وكانوا ذكورا وإناثا وقلت لهم: ألسنا اليوم ننادي بحرية الرأي والرأي الآخر؟ قالوا: بلى، قلت: أليس من هذا الطريق يعقد أحمد بن ابراهيم اجتماعه ونحن من حقنا أن نستمع اليه ومن حقنا أن نناقشه بكل صراحة؟ قالوا: هذا ليس من حقه أن يعقد اجتماعا حزبيا. قلت: لماذا؟ قالوا: لأنه عضو في الحكومة ونحن نريد اسقاطها. قلت: ندخل عليه ونقول له ذلك. قالوا: لا ندخل عليه ولا نعطيه فرصة القيام بحملة انتخابية من الآن. قلت: وهل القانون يمنع أحدا من الاعداد لحملة انتخابية من الآن؟ ومن أدرانا أنه جاء لحملة انتخابية؟ قالوا: نحن نعرف. ولما أيقنت أن هؤلاء ليسوا على استعداد ليغيروا رأيهم وموقفهم ويؤدوا في هذا الموضع رسالة غير الرسالة التي جاؤوا وجيء بهم اليها فقد حييتهم وتأخرت، فسمعت واحدا منهم يقول لزملائه معلقا (هذا من أنصار أحمد بن ابراهيم) فعدت اليهم مبتسما وقلت لهم: لم أكن في يوم من الايام منخرطا في حزب شيوعي ولكنني من أنصار حرية الرأي. ضحكوا وتركوني ليواصلوا مع زملائهم وزميلاتهم الصياح ضد هذا الاجتماع وقد تم لهم ما أرادوا كما تم لشباب الحزب الدستوري في جندوبة منذ خمسين سنة فلم ينعقد الاجتماع. أيها القراء الكرام: لقد قدّمت لكم مقالي هذا لأقول لكم وأسألكم: ألم يكن الشعب التونسي يتألم في عهد بورڤيبة وفي عهد الطاغية المخلوع من فرض الرأي الواحد؟ ألم يكن الشعب التونسي يتابع في صحف وفضائيات عربية وغربية حرية الرأي واحترام الرأي المخالف فيتمنى أن يأتي يوم ينعم فيه بنعمة حرية الرأي والتفكير؟ واليوم وقد جاء هذا اليوم وطلع فجره فهل نرضى أن يكون فينا من يحرمنا من هذه النعمة؟ كيف يمكن لتونس ثورة الكرامة أن تنعم بكل ألوانها وأطيافها الفكرية والسياسية بنعمة حرية الرأي واحترام الرأي المخالف؟ كيف نقنع شبابنا بذلك؟ هل يكون هذا بالتربية والتعليم وفي كافة مراكز التعليم؟ هل يكون هذا في وسائل الاعلام؟ هل نتحلّى بالصبر ويتحلى قادتنا في كل مكان بالصدق والاخلاص والايمان بقداسة الحرية ليأتي يوم قريب تكون فيه كل منتدياتنا وساحاتنا مفتوحة الصدر للرأي والرأي المخالف في العقيدة السياسية والعقيدة الدينية ولا نجد في المنتديات الا من يسمع ويناقش ويحاور ولا نجد على أبوابها من حجته التهريج فقط؟ أسأل وأحب أن أفهم.