"إننا نشكر لكم مشاعركم التونسية الصادقة التي تدل على انتمائكم القومي الأصيل، والتزامكم المبدئي بقضايا أمتكم العادلة، وفي مقدمتها قضية شعبنا الفلسطيني الصابر والمرابط في أرض فلسطين المباركة، دفاعا عن أرضه ومقدساته وكرامته وكرامة أمته العربية والإسلامية جمعاء"... هذه السطور جزء من رسالة وجهها الشهيد "ياسر عرفات" للفنان لطفي بوشناق بتاريخ 19 فيفري 2002... وهي تختصر التزام بوشناق بقضايا الأمة العربية... هو صوت الوطن والإنسان، ولذلك استغرب كثيرون من إدراج اسمه بين المناشدين للجنرال المخلوع الترشح سنة 2014 واتهم بالموالاة وهو الذي عرف باستقلاليته وعدم التمسح على عتبات الحكام... قبل إجراء هذا الحوار، مكننا الفنان "لطفي بوشناق" من الاستماع إلى عدد كبير جدا من الأغاني الملتزمة التي جاءت رد فعل طبيعي على ثورة الأحرار التونسية... فانتشينا حد التأثر، دون أن يمنعنا ذلك من مشاكسة مطربنا في الحوار التالي: _ بعد 14 جانفي، اكتشفنا أن الرصيد الموجود في المدونة الموسيقية التونسية من الأغاني الوطنية لا يكفي، وما هو متوفر أغان تمجد حاكما انتهى أمره، ما تعليقك؟ _ هذا السؤال لا يهمني، وأفضل أن تحاسبوني على ما غنيته أنا قبل الثورة، أثناءها، وبعدها إن شاء الله... ولكن أريد أن أبدأ هذا الحوار بكلمة مسجونة في قلبي، أريد أن أقول آن الأوان لمن يهمهم شأن هذا البلد، ومصلحته، ومصيره، أن يلبسوا زي الثورة، وأن يتسلحوا بسلاح الثورة، لحماية هذه الثورة... _ هل أنت معنا في هذه التشخيص بأنه في كل مرة ترتكب الأخطاء نفسها، ويذوب الفنان في شخص "القائد الفذ" فيتغنى به ويتناسى الوطن؟ _ كما قلت لكم، لا يهمني غيري، حاسبوني على ما غنيته وما أصدرته أنا وما قدمته وما نفذته في حياتي الفنية والتاريخ يثبت ذلك، والجمهور والإعلام يعرف جيدا ثوابتي... لم أتغنى يوما بنظام أو حزب أو حاكم... هذا هو أنا كنت كذلك، واليوم أنا كذلك، وسأظل إن شاء الله كذلك... _ شاهدناك يوم 14 جانفي في الوقفة الاحتجاجية التي نظمها عدد من المثقفين أمام المسرح البلدي ثم التحامهم بالناس أمام الداخلية... هل كنت تتوقع في هذا اليوم السيناريو الذي حدث وفرار الجنرال المخلوع؟ ألم تخش من قبضة النظام ومحاسبتك على وقوفك ضد الحاكم؟ _ منذ أكثر من أربع سنوات وأنا أقول لأصدقائي المقربين إن النهاية قادمة قريبة جدا... ولذلك كان تصريحي يوم 14 جانفي أمام وزارة الداخلية قبل أن أسمع بهروب أو تهريب الرئيس السابق، قلت يومها إن "الغرغرينة" إذا ضربت الساق لا بد من قطعها للمحافظة على سلامة بقية الجسد... وهذا ما حصل... _ هل قطعت الساق فعلا؟ _ أكيد... الساق هي النظام في الجسد التونسي وقد قطعها الشعب... _ ألا تعتقد أنه مازالت هناك بعض الخلايا المريضة في هذا الجسد؟ _ لذلك قلت لكم في بداية الحوار إن المسؤولين اليوم في هذا الظرف الانتقالي عليهم أن يلبسوا زي الثورة، ويتسلحوا بأفكار الثورة للمحافظة عليها... نحن في مرحلة حرجة جدا جدا جدا ومصيرية، فعلى الجميع أن يتحمل مسؤولياته مخلصا لهذه الثورة التي استشهد خلالها العشرات، وأترحم على أرواحهم جميعا، ودفعنا الكثير من الخسائر ثمنا لها... نحن لم نحقق من الثورة سوى القليل، ومازال أمامنا الكثير... _ نحس بشيء من الخوف في كلامك، الخوف من ماذا أو ممن؟ _ "اللي خاف نجا"... تعلمت ألا أكون متفائلا أكثر من اللزوم، كما تعلمت ألا أكون متشائما أيضا... في هذه المرحلة الانتقالية والحرجة علينا أن نتفاءل لكن بحذر مع العمل المستمر والجاد... أخشى أن تظل السفينة من دون ربان، أو يكثر ويتعدد قادتها فتغرق السفينة... كلنا مسؤول على هذا الوطن أمام الله، وعلى الجميع آداء واجباتهم وتحمل مسؤولياتهم بكل إخلاص لتونس الحرة... _ هل كان المثقف والفنان التونسي في حجم اللحظة التاريخية أم كان على الهامش؟ وما هي في رأيك مسؤولية الفنان لحماية الثورة؟ _ الكل شارك في هذه الثورة من موقعه... رجل الشارع، ورجل الفكر والمثقف والفنان... وكل يحاسب على أفعاله... _ يرى الكثيرون أنكم كنتم جميعا في ركاب السلطة وتتمعشون من النظام النوفمبري؟ _ هذا الكلام يقال على تونس كلها... جميع التونسيين شاركوا في التظاهرات التي كانت تنظم في الانتخابات وفي احتفالات العهد النوفمبري، ولكن كلنا كان يدافع بالإمكانيات المتاحة له عن نفسه ومحيطه تجنبا للظلم وللماكينة التي كان يديرها نظام تعسفي وإجرامي وظالم... وأكبر ظلم هو الذي يسلط علينا بالقانون... حاولنا أن نقول "لا" وننتفض على الظلم بأسلوب ما بين الأسطر وتلك هي إمكانياتنا في العهد النوفمبري... ساهمنا جميعا في الثورة على الظلم حتى بالصمت والانزواء... _ هل تعتقد أن رسائلك ما بين الأسطر قد وصلت إلى الناس؟ _ ما يهمنيش... ما يعنيني هو اقتناعي أنا بها... كل أغاني تحمل رسالة ولا تشبه واحدة منها الأخرى ويمكنكم أن تعودوا إلى رصيدي: "هاذي غناية ليهم"، "علمني يا سيدي"، "شكون فيكم يلمس الحقيقة مرة مرة ومرة حريقة"، "لو قيل لي اختر بلادا غير هذه، قلت لا ومناي لو صورتها بيدي لتصبح أجمل"، وغيرها من الأغاني عن غربة الإنسان في وطنه... وما أقساها... _ هل حدث أن شعرت بالغربة وأنت في تونس؟ _ أكيد... _ لهذا أنت دائم السفر والترحال؟ _ السفر هو نشاطي وهو حركيتي، والتزامي بالقضايا العربية والإنسانية، ولم يتم اختياري سفيرا للسلام "على سواد عني" أو لأنني "ولد النظام"... _ لم تكن سفير النظام؟ ألم تكن بحضورك في العالم تعطي شرعية ما لهذا النظام؟ _ لم يكن النظام النوفمبري يؤمن بفكرة الشرعية، بل كان يستغل رموز هذا الوطن وأبنائه للدعاية إلى نفسه... هل كان علينا أن نفشل حتى لا نتهم بالتورط مع النظام؟؟ ومن جرائمه أن أصدر قائمة أدرجت اسمي من دون علمي تناشده الترشح لانتخابات 2014 كما أدرجت أسماء أخرى، ومن الغباء أن وضعوا البطل "محمد القمودي" ضمن هذه القائمة وهو عسكري لا يحق له الانتخاب... زج بنا جميعا في قائمة المناشدة أليس هذا ظلما وتعسفا وإجراما؟؟ _ ولا أحد منكم علق على الأمر حينها وجميعكم التزم الصمت... ألم تجد الشجاعة لتكذيب هذه السخافة النوفمبرية؟ _ ومن كان يمتلك الشجاعة للاعتراض على قائمة المناشدة؟؟ هناك من زج باسمه ويعيش خارج تونس وله القوة المالية والميدانية ومع ذلك التزم الصمت... كنا نقبل خوفا من الطاغوت ومن الظلم... وهل يصدق الحب والسيف مشهر؟؟ هم اختاروا أعلام تونس ورموزها، وإلا فما دخل أسامة الملولي مثلا؟؟ هل كان يتمرن في مسابح التجمع؟؟ هو يعيش في أمريكا ولا علاقة له بالنظام وعانى كثيرا من المؤسسات الرياضية في تونس فهل يرفض مثلا أن يستقبله "بن علي" في المطار؟؟ هذه خزعبلات... حاسبوني على أفعالي وتصريحاتي، وقد حاورتموني في الصريح مرات كثيرة وحضرتم عددا كبيرا من حفلاتي فهل حدث ومجدت الرئيس السابق أو ذكرت اسمه أو عددت خصال "التحول المبارك"؟؟ حتى عندما كنت أغني في احتفالات السابع من نوفمبر، كنت أرفض أن أتقاضى منهم أجرا وأتحدى أي مسؤول يقول غير هذا... _ رفضك هذا قد يقرأ على أنه نوع من الاحتفاء بهذا التاريخ النوفمبري؟ _ لا... بل لأنني كنت أرفض هبات النظام... والأهم أنني كنت أغني مقترحاتي المعروفة المنحازة للإنسان... "غناية ليهم"، و"الضمير"، و"تكتيك"، ولم يحدث أن تغنيت بالسابع من نوفمبر... _ ولكنك "توسمت" أكثر من مرة، هل تفاخر اليوم بعدد الأوسمة التي نلتها من النظام النوفمبري؟ _ أنا توسمت باسم الشعب مش باسم النظام...