تنتهي الأحد المقبل آجال المهلة الدستورية الأولى الممنوحة لرئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي لإتمام مشاوراته السياسية لتشكيل الحكومة المقبلة. ورغم ما يتردد من أن تركيبة الحكومة جاهزة، إلا أنه لا يمكن الجزم حاليا بنجاح تشكيل الحكومة التي وعد الجملي بتقديمها قبل نهاية الآجال الدستورية، في غياب "بشائر" قوية على امكانية ان يعلن عنها رئيس الحكومة المكلف ويعرضها على رئيس الجمهورية ثم على البرلمان في اليومين المقبلين. وكان الجملي قد نفى قطعيّا صحّة التركيبة الحكومية "المسرّبة" التي تم نشرها على نطاق واسع عبر موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" قبل نهاية الأسبوع المنقضي، وقال في تصريحات اعلامية إنه ما يزال يقوم بمشاوراته مع الأحزاب المعنية بالمشاركة في الحكومة معلنا في الآن نفسه عن نيته تشريك أكبر عدد ممكن من الكفاءات المستقلة. ويأتي نشر التركيبة المسرّبة، التي ضمت أسماء مستقلين، وأسماء مقربة من حركة النهضة، وقلب تونس.. يوما فقط بعد إعلان كل من حركة الشعب والتيار الديقمراطي وسط الأسبوع المنقضي عن انسحابهما رسميا من مشاورات تشكيل الحكومة.. وفقا للفصل 89 من الدستور، يمنح لرئيس الحكومة المقترح من الحزب المتحصل على أكثر عدد من الأصوات مهلة شهر واحد قابلة للتجديد مرة واحدة من اجل اتمام مشاورات تشكيل الحكومة. حسابيا، تنتهي مهلة الشهر الأول، يوم الأحد المقبل الموافق ل15 ديسمبر، علما ان رئيس الجمهورية قيس سعيد كان قد سلّم الحبيب الجملي رسالة التكليف رسميا يوم 15 نوفمبر المنقضي. وبالعودة إلى آخر التصريحات الصحفية الصادرة عن رئيس الحكومة المكلف، يتضح أن الرجل دائما ما يحاول التقليل من شأن ضغط الآجال الدستورية المسلط عليه ويردد بأنه غير متسرّع للإعلان عن تركيبة الحكومة أو على الأسماء التي تم اختيارها لتولي مناصب وزارية. بل إنه وعد بأن يعلن عن الحكومة الجديدة قبل نهاية الأسبوع الحالي، مثلما أعلن سابقا عن امكانية اعلانها قبل نهاية الآجال الدستورية. لكن، ورغم نبرة التفاؤل التي يحاول الجملي البروز بها، إلا أن انسحاب التيار وحركة الشعب من مفاوضات تشكيل الحكومة وتهديدهما بالتموقع في صف المعارضة "البناءة" دون التصويت ايجابيا لصالح الحكومة الجديدة، أربك دون شك سير المشاورات وأجبر رئيس الحكومة المكلف على التفكير في انتهاج حلول بديلة. لعل من بينها توسيع قاعدة المفاوضات لتشمل أحزابا "محظورة" مثل قلب تونس. واحزاب أخرى تحصلت على عدد قليل من المقاعد، واستدعاء كتل برلمانية تضم مستقلين وممثلي احزاب للتشاور معها.. تجدر الإشارة إلى أن الجملي نفى في تصريح اعلامي أول أمس الأحد وجود أزمة سياسية أربكت مسار تشكيل الحكومة، (خاصة بعد انسحاب كل من حركة الشعب والتيار الديمقراطي)، وشدد على أن المفاوضات مازالت متواصلة لتشكيل الحكومة الجديدة مع الأحزاب المعنية. وقال :" الباب منفتح على أعداد كبيرة من الشخصيات والحوار مستمر والباب مفتوح". وفي سياق متصل، أبرز الجملي أن بعض الحقائب وزارية رُشِّحت لتوليها بين 10 و20 شخصية، وأن اختيار الشخصيات التي ستتولى الحقائب الوزارية سيتم بعد عقد لقاءات مع المرشحين لهذه المناصب. كما نفى تلقيه أسماء شخصيات من الأحزاب السياسية المعنية بالمشاركة في الحكومة. لكن العربي الجلاصي عضو المكتب السياسي لحزب التيار الديمقراطي نفى امس في تصريح لجريدة آخر خبر، وجود أي اتصال من رئيس الحكومة المكلف بعد إعلان الحزب عن انسحابه من المشاورات حول الحكومة القادمة وبعد أن أكد لهم الجملي أن كافة شروط الحزب مرفوضة. تمديد .. فهل بات الجملي يعوّل على ورقة التمديد في الآجال واستغلال المهلة الدستورية الثانية ومدتها شهرا اضافيا حتى يأخذ وقته كاملا في مهمته ليقدم تشكيلة حكومية تحظى باكبر عدد ممكن من الدعم السياسي والبرلماني.؟ علما أن طلب التمديد يتطلب كذلك حصول الجملي على موافقة حركة النهضة التي اقترحته رسميا لتولي المهمة. وهو أمر غير مستبعد. يذكر أن القيادي في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي، كان قد صرح في حديث صحفي بأن امتحان الحبيب الجملي في تشكيل الحكومة يُشبه سباق الحواجز. وأوضح في الحوار ل"الصباح" نشر أول امس الاحد، أنه "يوجد معطى الزمن كما في كل سباق ومع ضغط الوقت هناك استحقاقات النجاح". ولم يستبعد الجلاصي المرور إلى حل "حكومة الرئيس" في صورة فشل الجملي في تشكيل حكومته او عدم تحصلها على ثقة البرلمان، مثل ما تنص عليه الفقرة الثالثة من الفصل 89 من الدستور.. كما حذر من امكانية اللجوء إلى انتخابات مبكرة التي ستكون كلفتها باهظة جدا على الدولة. لكن اللجوء إلى هذه الخيارات البديلة، قد يكون مغامرة سياسية في حد ذاتها، على اعتبار أن اللجوء إلى امكانية مبادرة رئيس الجمهورية بتعيين شخصية وطنية لتشكيل حكومة، غير مضمونة النتائج قد تنتهي أيضا بالفشل على اعتبار ان بعض الأحزاب والكتل البرلمانية قد لا يروقها هذا الخيار. وقد يجد رئيس الدولة نفسه مجبرا على استعمال صلاحياته الدستورية في حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها. الغموض سيد المشهد عموما، ما تزال حصيلة المشاورات السياسية لرئيس الحكومة المكلف يشوبها الغموض، على غرار الغموض الذي يميز المشهد البرلماني الذي بات اليوم على فوهة بركان، قابلا للانفجار في أية لحظة. حتى أن البرلماني السابق الصحبي بن فرج والمحسوب حاليا على حزب تحيا تونس، كان قد توقع بأن البلاد تسير بثبات نحو حل مجلس نواب الشعب وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها. وقال في تدوينة نشرها على حسابه بالفايسبوك "قد يتأخر الأمر بضعة أشهر اذا تم تشكيل الحكومة وقد تتسارع الأحداث وتتعقد اذا فشل الحبيب الجملي في تشكيل حكومته أو تمريرها". يذكر ان الجملي استقبل أمس توفيق بكار محافظ البنك المركزي الأسبق، الذي غادر الإجتماع مع الجملي دون الإدلاء بأي تصريح صحفي. رفيق