أعلن البنك المركزي التونسي، أمس، أنّ احتياطي البلاد من العملة الصعبة، تراجع إلى ما يُعادل 75 يوم توريد، مسجّلًا بذلك انهيارًا تاريخيًا، ما أثار مخاوف من أزمة مالية غير مسبوقة تهدّد البلاد. وأكّد البنك المركزي، في بيان، أنّ احتياطي العملة الصعبة في تونس واصل انحداره بثلاثة أيام توريد ليصل إلى 75 يومًا بعد بلوغه 78 يوم توريد الأسبوع الماضي، عقب منح تونس قرضًا من البنك الدولي، ما يفرض تحديات قاسية على السلطات المالية التونسية. وكان عديد الخبراء اعتبروا أن ارتفاع الموجودات الصافية من العملة الأجنبية إلى 78 يوم توريد في الايام القليلة الماضية بعد أن كانت في ظرف أقل من أسبوع تساوي 70 يوم توريد، لم يأت من تحسن للمؤشرات المالية أو الاقتصادية، بل لا يمكن ذلك إلا من خلال صرف القروض الخارجية وخاصة صرف الجزء الأخير من قرض صندوق النقد الدولي. وأفاد الخبير الاقتصادي محمد الصالح الجنادي أن العوامل التي تؤثر في احتياطي العملة الصعبة لم تتحسن لكن التحسن المفاجئ في احتياطي العملة يرجع إلى صرف البنك العالمي لقرض لدعم ميزانية تونس قيمته 500 مليون دولار أي ما يعادل 1.2 مليار دينار. واعتبر الجنادي ان نسبة التضخم القياسية سببها تزايد العجز في الميزان التجاري لاسيما على مستوى تمويل الواردات بالعملة الصعبة وهو ما يحتم الاسراع بايجاد الحلول باعتبار ان توصل هذا النزيف يهدّد البلاد بالإفلاس. ويعود تراجع احتياطي تونس من العملة الصعبة إلى انهيار سعر صرف ، الدينار، مقابل العملتين الرئيستين اليورو والدولار، إذ فقد الدينار 13% من قيمته مقابل اليورو، و7.6% مقابل الدولار ما بين جويلية 2017 و 2018. واكد الجنادي أن عجز الميزان التجارى المتواصل سببه عدم سعي الدولة الى تحسين الخدمات والترفيه وتفعيل الإصلاحات لتحقيق المزيد من التصدير لاسيما بعد ضعف تصدير الطاقة وتواصل الاستهلاك المفرط من النفط والغاز دون تحسين الانتاج وتوفير المزيد من الأسواق والترفيع فى صادرات الفسفاط والتنقيب على النفط للترفيع من الناتج الخام والعمل على الشروع فى استغلال الطاقة البديلة خاصة الشمسية و الهوائية . وأبرز الجنادي انه من البديهي والمنطقي ان يتواصل انهيار الدينار في ظل الوضع الحالي بعد ان ارتفعت المديونية بنسبة 100 بالمائة بعد الثورة حيث كانت تمثل 4600مليون دينار وأصبحت 9500مليون دينار وهو ما عمق أزمة الاقتصاد التونسي خاصة مع الشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي وهو ما اعتبرها البعض املاءات يجب عدم تطبيقها والا فان الوضع سيزداد تأزما وفق تقديره. واوضح الجنادي أن الحكومات السابقة قد صادقت على التفاقية الشراكة المعمقة بما يعنى انه يتوجب على الدولة الاقدام على إصلاحات عميقة جبائية وديوانية وتجارية حسب الاتفاقية حتى تكون متطابقة لمواصفات الاتحاد الاروبي وهو ما يجعل المستقبل مجهول الواقع في ظل الوضع الهش والمتأزم الذي تعيشه تونس خاصة ان أكبر مشكل امام الدولة هو عدم توفير المطارات وميناءات عميقة وشركات الشحن والترصيفحسب المواصفات العالمية. وشدد الجنادي على ان الحل يبقى سياسيا ويتمثل اولا فى اتخاذ قرار بتسديد الديون القصيرة المدى والخروج من مربع الضغط على الدينار من خلال توفير مخزون عملة صعبة للمنافسة الاقتصادية بعد تحديد خط إصلاح وفق شروط وضوابط اقتصادية ترتز اساسا على إصلاحات فى مجال القوانين الجبائية والتجارية والقمرقية ثم التخفيض من كتلة الأجور وتحفيز الضغط على الميزانية إلى أن تستعيد المؤسسات الاقتصادية مكانتها التنافسية وتوفير الانتاج والجودة بالخدمات العصرية بما من شانه ان يعيد للدينار مكانته الاصلية . كما دعا الجنادي الى ضرورة انفتاح تونس على الاتحاد الأوروبي عبر دبلوماسية اقتصادية نشيطة وهو يحتم على وزارة الشؤون الخارجية تحمل مسؤوليتها.