من الأحياء الجانبية وأزقة المناطق الشعبية وأحيانا الراقية منها ولدت موسيقى شبابية في تونس سمتها الأساسية الحرية والانعتاق بعيدا عن القيود الاجتماعية والسياسية. هذه الموسيقى الجريئة في طرحها بقيت لسنوات حبيسة اللقاءات الضيقة والمتباعدة لعشاق موسيقى الهيب هوب والروك والبلوز والبوب ولم تستطع المواهب في هذا المجال التواصل مع القاعدة العريضة من الجماهير في ظل التعتيم وغياب حرية التعبير في البلاد طيلة عقود من الزمن وذلك إلى وقت قريب قبل الثورة. ورغم أن الشباب التونسي عرف موسيقى الهيب هوب منذ سبعينات القرن الماضي إلا أن انتشارها لم يعرف أوجه سوى بعد ثورة 14 جانفي حيث بدأت عديد التجارب تطفو على الساحة الثقافية بالبلاد وتضيف ألوانا فنية طالما بقيت خلف الضباب.. الصحفي والباحث الألماني في العلوم الإسلامية والسياسية "أريان فاريبورز" تناول الدور المحفز للموسيقى الشبابية في نجاح الثورات العربية وأولها التونسية وقد طرح في كتابه "روك القصبة.. موسيقى البوب والحداثة في الشرق" (الصادر نهاية 2010) أهمية ثقافة الهيب هوب في التغيرات السياسية التي شهدتها الدول العربية والإسلامية في السنوات الأخيرة. ومن الفنانين الثوار والمنتقدين لوضع بلادهم الاجتماعي والسياسي تحدث "فاريبورز" في كتابه عن الجنرال (المغني حمادة بن عمر) ودور كلمات أغنيته "ريس البلاد" في تحفيز الشباب على مقاومة الطغيان والظلم مقارنا موسيقى الراب السياسي في تونس، بالدور الذي مارسته موسيقى الراي في سنوات الثمانينات بالجزائر وتأثير مضامينها على خيارات أبناء الشعب الجزائري. ولئن كان الراب التونسي الأكثر انتشارا حاليا ببلادنا مقارنة بغيره من موسيقات الروك والبلوز والميتال والبوب والجاز فإن ذلك لم يمنع من تميّز عدد من الوجوه الفنية الشابة والملتزمة إبان الثورة منهم الفنانة بديعة بوحريزي، التي مكنها صوتها القوي والمتفرد من المزج بين الموسيقى التونسية البدوية وإيقاعات السول والريغي كما استطاع المغني الشاب بنديرمان شد اهتمام الجمهور التونسي بأغانيه الساخرة والمنتقدة لحال البلاد.. من جهة أخرى، برزت عديد التظاهرات واللقاءات الداعمة لهذه النوعية من الفنون- رغم ارتباط بعضها بالسهرات السياحية- واستطاعت بعد الثورة أن تقدم مساحات كبيرة لمواهب الريغي والبوب والهيب هوب منها "تونيزيا ميوزك أوورد 2013" التي كشفت عن نسبة كبيرة من الشباب العاشق لألوان عديدة من موسيقات العالم كما حاولت هذه المواهب بأسلوبها تقليد مشاهير العالم في الفن على غرار "مادونا" و"بيونسي" و"ليدي قاقا" و" psy " وغيرهم وإلى جانب هذه التظاهرة نشير إلى المجهود، الذي قامت به جمعية "ART SOLUTION" الهادفة لتطوير الثقافات الناشئة، حيث فاق عدد المنتفعين بنشاطاتها 1500 شاب تمكنوا من متابعة ورشات في موسيقى ورقص الهيب هوب بحضور مختصين عالميين في هذا المجال. من الملاحظ أن الساحة الثقافية أكثر من لون ونمط موسيقي كما أصبح لموسيقات العالم مكانا بارزا في التظاهرات الفنية المبرمجة وتحظى بإقبال فئة الشباب عليها بأعداد مرتفعة رغم غياب الدعم العمومي الموجه لهذه النوعية من الفنون ورفض البعض لها بتعلة أنها صناعة غربية أمريكية.. غير أن الكلمات التونسية النابعة من الراهن والواقع اليومي لمؤديها ومضامينها الجريئة والمفعمة بالحماس والتمرد والاحتجاج على الظلم والتمييز جعلتها تحتكر الذائقة الفنية الشبابية.