تقدّم ما اصطلح على تسميته "سفاح سوسة" للقاضي بمطلب غريب، فبعد أن أكد انه "دموي" ويتلذذ بعمليات القتل طلب عرضه على طبيب وهو طلب لم يلق اي مبرر خاصة أن القاتل ذكر كل الوقائع وضحاياه بالاسماء.. وقد اسدل الستار على مسلسل "سفاح سوسة" بالنهاية الحتمية التي تفرضها طبيعة الجرائم التي قام بها، ونية الاضمار الحاصلة والفظاعة في التنكيل التي رافقت كل عملية قتل. واذ نتناول هذه القضية من جديد بعدما قالت محكمة الاستئناف بسوسة كلمتها القانونية القاضية باعدام المتهم شنقا وبالتالي اقرار الحكم الابتدائي الصادر فلأن اطوارها غريبة ووقائعها شاذة، والاغرب من كل ذلك اقوال المتهم ولامبالاته بما فعل متناسيا انه أزهق 14 روحا بشرية بطريقة فظيعة فاقدة لاقل قيمة انسانية حيث نكل بكل ضحاياه وفاحش البعض، ولم يجن من وراء قتل البعض الآخر سوى 30 د مثلما حصل في قضية صاحب التاكسيفون بمدينة مساكن وهي التي من اجلها فقط يمكن ان ينال مثل هذا العقاب.. فماذا حصل في جلسة التصريح بالحكم؟.. بداية الجلسة في قضية "سفاح سوسة" عكس الجلسة الاستثنائية الاولى التي تمت يوم الثلاثاء 29 جانفي والتي طلب المتهم خلالها من محاميه الاستاذ أمين بوكر التعجيل بعرض ملفه وكأنه مستعجل أمره فان جلسة يوم 12 فيفري الجاري بدأت اشغالها بالنظر في قضية الحال وذلك برئاسة الاستاذ القاضي احمد كمال حيث تم التركيز بصورة خاصة على جريمة مساكن علما ان المتهم تعلقت به ايضا جملة من قضايا القتل الاخرى بلغ عددها 14 قضية حصلت في 4 ولايات هي تونس وجندوبة وسوسةوصفاقس بحيث لم يسلم منه لا الشيخ ولا الطفلة ولا القاصر ولا المرأة ولا الرجل فضلا عن اختلاف طرق القتل ليبقى القاسم المشترك بينها الفظاعة والتنكيل. هدوء في الإجابة وعدم التراجع في الأقوال ابرز ما يلفت النظر في عملية استنطاق المتهم امام جناب القاضي وعلى مرأى من مساعديه ومستشاريه والنيابة العمومية هو هدوء المتهم ورصانته في الاجابة عن الاسئلة الموجهة اليه دون تلعثم او تراجع فيما قاله امام السيد حاكم التحقيق مما يزيد في ظاهرة الغرابة التي رافقت اطوار هذه القضية برز ذلك ايضا على مستوى الدقة في وصف طريقة القتل في القضية المشار اليها آنفا والاصابات الموجهة للهالك "ضربة شاقور اولى ابعدها بيده، وضربة ثانية اصابت أذنه" وهي اقوال مطابقة لما ورد بمحضر البحث ولعملية التشخيص الحاصلة.. اما عن سبب ارتكاب هذه الجريمة فهو رفض الهالك تسليمه مبلغا ماليا اضافة الى ادعائه التوجه اليه بكلام بذيء". تلذذ بدم الضحية في سياق عملية الاستنطاق من طرف القاضي اعترف المتهم بارتكابه 3 جرائم قتل في صفاقس مع ذكر اسماء الهالكين وجريمة اخرى بجندوبة وغيرها.. وحول الدافع من وراء ارتكاب هذه الجرائم ذكر بأنه "يكون تحت تأثير نزعة غريزية تجعله يقتل ويتلذذ بدم الضحية الذي يقتله" وهذا مظهر آخر من مظاهر الغرابة التي تحيط بمثل هذه التصرفات الشاذة.. ليس نادما أو متأسفا عادة ما يبدي المتهم الذي يمثل للمحاكمة ندما واستياء احتراما لهيبة المحكمة وتأنيبا للضمير غير ان ذلك لم يحصل في هذه القضية رغم فظاعة وقائعها. وإجابة عن سؤال وجهه له رئيس المحكمة عن مدى ندمه او تأسفه عمّا اقترفه قال بكل هدوء: "إنه ليس نادما أو متأسفا" وحول ما ان كان له شيء يطلبه من جناب المحكمة قال: "أطلب عرضي على الفحص الطبي". الدفاع: المجتمع صنع من منوبه مجرما اكتوى بناره رافع في هذه القضية الاستاذ امين بوكر حيث حاول وضع اصبعه على موطن الداء الحقيقي فبالرغم مما عبر عنه من اشفاق واسف لسقوط ضحايا ابرياء فان الاستاذ بوكر لم يخف اشفاقه كذلك على منوبه مستعرضا في هذا الاطار الظروف الاجتماعية القاسية التي عاشها المتهم حيث لم تكن له عائلة ولا سند.. غادر المركز المندمج لحماية الطفولة بمنوبة ليمتلكه الشارع بما فيه من تناقضات دون ان يكون له مأوى ورغم اقرار الاستاذ امين بوكر بأن كل جريمة اقترفها المتهم تستحق وحدها العقاب الا انه اضاف بأن المجتمع مسؤول عن حالة منوبه إذ صنع منه مجرما اكتوى بناره ليدفع ضريبة ذلك، فحينما يصبح القتل مجالا للترفيه عن النفس والانتشاء به يغدو ذلك حالة نفسية شاذة.. واختتم الاستاذ أمين بوكر مرافعته بالقول: انه لا يبرر ما اتاه منوبه وانما يحاول تفسيره. عارضا تقرير الطبيب في الطور الابتدائي الذي اعتبر المتهم "بارد الانفعال جليدي الابتسامة ذا شخصية شاذة يتحدث عن جرائمه دون حرج ولا ندم".