- في لحظات أعادتنا للأجواء الأكاديمية ووسط حضورنوعيّ استضافت الجمعية التونسية للعلوم الشرعية "فرع أريانة" الدكتوروالباحث في الحضارة الإسلامية سامي براهم لتنشيط محاضرة تحت عنوان "الإسلام المواطني" بفضاء المكتبة المعلوماتية بأريانة أكّد فيها أنّ مسألة الإسلام والمدنية، والإسلام والمواطنة قد شغلت مفكري النهضة منذ نهاية القرن 19 . واعتبرأن اللطف الإلهي والعناية الإلهية ترافق الأحداث ومنها هذه الثورة وعلى المؤمنين أن يلتقطوا اللطف الإلهي بالأسباب؛ ومن أبرزهذه الأسباب التحصيل العلمي؛ ومن فضائل هذه الثورة حرية الفكر؛ فلم يعد هناك مبررلمن يريد الاستثمارفي المعرفة . يرى البعض أن الثورة تقود إلى صحوة إسلامية وهو كلام عاطفي لا قيمة له إذا بقي أصحابه دون فعل حضاري لأن الشعارات الإسلامية المرفوعة بقوّة ليس لها مضمون فكري متين وهناك تخوّفات مشروعة من المشروع الإسلامي باعتبارأن الإسلاميين ينادون بمرجعية الإسلام في الحكم والمجتمع ؛ ومن المعيب تسفيه المتخوّفين الذين لديهم تحفظات حقيقية ولا تجابه إلا بتطويرنظرتنا للإسلام حتى يكون دين المدنيّة والحضارة . واعتبرسامي براهم أن المصادرة الإيمانية التي ننطلق منها هي أن كل القيم البشرية هي من جوهرالإسلام ومنها مفهوم المواطنة . فالمواطنة مفهوم حديث رغم أن للمواطنة مفاهيم محلية لمن أنتجوها إلا أن ذلك لا ينفي بعدها الكوني؛ وحذر من التعامل الانتقائي مع النصوص وتأصيل الأفكار دون مرتكزات منهجية معتبرا أن الهوية العربية الإسلامية هي من " المشترك المعطّل " وسط تيارين رئيسيين : - تياريقول إن هناك تأويلات تلغي الحريات وتهدد الحقوق . - تياريقول إن هذا المشترك لا يجب أن يكون معطلا . فكيف يمكن أن يفعّل هذا المشترك بشكل يكون ضامنا للحقوق والمساواة والكرامة ؟ اعتبرسامي براهم أن المسلم الذي لا يؤمن بمرجعية الشريعة إسلامه مختل؛ وبيّن أن القصورهو في فهم الشريعة ولابد من إزالة التخوفات . إنّ الإسلام المواطني هي الشريعة المواطنية وهو مفهوم حديث ظهر مع فلاسفة عصرالتنوير: أي الوضع الذي يكون فيه المجتمع قائما على عدم التمييزفي الحقوق والواجبات بين أبنائه وقائم على تكافؤ الفرص؛ ولاحظ أن مفهوم المدنية في أوروبا يتناقض مع الدين لأن المجتمع الكنسي معزول عن المدينة. أما في الإسلام فإن الدين في قلب المدينة لأن المسجد يتوسط المدينة؛ فهل الإسلام دين مواطني ؟ إن المنظومة الدولية لحقوق الإنسان لا تتناقض في عمومها مع روح الإسلام لكن هناك بعض التحفظات في بعض الجزئيات ومن صاغ هذه المنظومة أوجد معنى التحفظ مراعاة لخصوصيات الشعوب وقد طرحت مثلا مسألة المثلية الجنسية كقضية طارئة في مجتمع ما وليست كظاهرة تخص كل المجتمعات كما يحاول البعض تسويقها. إنّ الإسلام دين مواطني لأنّه ضمن الحقوق الأساسية التالية : 1/ الكرامة : أفضل آية تؤسس لمعنى الكرامة هي قوله تعالى :" ولقد كرّمنا بني آدم " فالتكريم قائم على أساس النوع البشري دون اعتبار لمضافه الديني أوالاجتماعي أوالثقافي. ونفهم تكريم الإنسان في إطار المشيئة الإلهية فمن اعتدى على كرامة الإنسان فقد اعتدى على المشيئة الإلهية. 2/ الاختلاف: قال تعالى :" ولوشاء الله لجعلكم أمة واحدة " فالاختلاف مشيئة إلهية ولطف إلهي اقتضى أن يكون الناس مختلفين . 3/ التعارف: يعتبرالإسلام أن اختلاف الناس قائم على التعارف؛ قال تعالى :" يا أيها الناس إن خلقناكم من ذكروأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"؛ فالاختلاف من سنن الكون وليس مدعاة للتنافربل للتعاون في إطارالإحترام المتبادل ، في حين نجد أن الماركسية مثلا ترى أن الاختلاف قائم على الصراع والتنافي. 4/ الحرية: قال تعالى : "لا إكراه في الدين "لا معنى للاختلاف والكرامة دون حرية للتعبيرعن أشواق الناس وطموحاتهم والأصل هو حرية المعتقد والحرية المذهبية والحرية السياسية . 5/ المعاملة: إن التفاضل عند الله تعالى هومدى خدمة الناس لبعضهم وتقديم النفع لهم { الدين المعاملة } بينما نرى الفرق الإسلامية تتجادل حول صحة المعتقد وتسيل الدماء لهذا الغرض متناسين قول النبي صلى الله عليه وسلم :" خيرالناس أنفعهم للناس ". و لاحظ الدكتورسامي براهم أنه عندما نتصفّح كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية " في نقض المنهج الأرسطي" الذي ترجم في عصرالنهضة الاوروبية واستفاد منه علماء الغرب نلاحظ أنه نقض المنهج الأرسطي الصوري الذي لا يؤسس لحضارة ولا يسايرحركة الواقع وانتصر للمنهج الاستقرائي { استقراء الوقائع} وهومنهج إسلامي و قرآني أصيل وفيه فقه المصالح وفقه المآلات؛ ثم واصل بعده تلميذة ابن القيم الجوزية في كتابه "إعلام الموقعين عن ربّ العالمين " فيعرف السياسة الشرعية قائلا: "السياسة الشرعية مدارها العقل ولو لم ينص عليه وحي وهو العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض، فأي طريق استخرج بها العدل فهومن الدين والشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي حكمة كلها وعدل كلها " والسياسة الشرعية عنده هي ما يكون عليه الناس أقرب إلى الصلاح ولولم يقله الرسول صلى الله عليه وسلم . وهذا الفهم المقاصدي للشريعة الإسلامية يجعلنا ندرك مدى النضج الفكري والديني الذي كان عليه أسلافنا مقارنة ببعض المتنطّعين اليوم ممن يقفون عند ظاهر النصوص ويكفّرون الناس. وفي الختام بيّن الدكتورسامي براهم أن المسلمين تناسوا مضمون كلمة " إقرأ " ويجادلون في الدين عن جهل وبصورة سطحية دون فهم عميق، والكثيرمن ممارساتهم مسيئة للدين الإسلامي كالتي يقوم بها المنادون بتطبيق الشريعة وكأن الأمريتعلق بقوالب جاهزة ننتظر تطبيقها بينما يستوجب الأمرفهما لمقاصد الإسلام واستيعابا لمنطوق الوحي وتحقيق مصالح الناس أوّلا . كاتب ومحلل سياسي