ضمن المسابقة الرسمية الدولية للأفلام القصيرة لأيام قرطاج السينمائية تم عشية الخميس وبحضور المخرجين عرض أربعة أفلام من البحرين والعراق وفلسطين وسوريا اختلفت مواضيعها ولكن الهاجس كان واحدا وهو الإنسان في علاقته بنفسه وبالآخر ومن خلالهما تتفرع القضايا وتتوالد الأحداث وتنبثق الآراء والمواقف وتهيج الذكرى. الآخر يمكن ان يكون صديق الطفولة كما في فيلم "خارج الأبجدية" من سوريا وهو روائي أخرجته رولا خيال وأعدّ موسيقاه سليمان فاضل ومثل فيه نوار بلبل وأميرة هديفي ورامز عطا الله وهو من إنتاج معهد جونيف لحقوق الإنسان 2012. ويروي قصة فراس ومهند ،طفلان في السابعة من عمرهما يعيشان في قرية منسية أهلها بسطاء تربط بينهما صداقة عميقة ومحبة ففارس فقير مجتهد مميز في كل ما يقوم به أما مهند فطفل غني يبحث عن التميز ويتمنى ان يكون كصديقه فارس. يشترك الطفلان في كل شيء يتعلق بالبساطة بدا من مقعد الدراسة حتى العاب الطفولة ولكن رغم كل هذا الحب فان مهند لم يكن يساعد صديقه فارس في أزماته ولا يقدم له العون ولا يتدخل بل يتركه يتعذب ويعاقب ويتلذذ بذلك إلى أن يدخل في غيبوبة بعد أخرى ويفتح عينيه من إحداها وهو كهل وصياح صديقه يملا إرجاء الدنيا والبيت يتأوه من ألم عضوي ويطلب النجدة تماما كما كان يطلبها وهو صغير مظلوم ولا مساعد ولا مجيب فيسكن هذا الصراخ رأسه ويذكره بالماضي ويعد بالمساعدة ولا يساعد وكالعادة يترك صديق العمر يعاني ويصيح إلى ان يتجاوز هذا الاخير ألمه الروحي والعضوي ويغادر تماما كما كان يفعل وهو صغير «خارج الأبجدية « فيلم قصير وبسيط بلا تعقيد ولكن صوره وأحداثه تغور عميقا في نفس المتلقي وتحثه على العودة بذاكرته إلى الوراء وتدفعه ليبحث عن نفسه وسط الفيلم ليرى من من أصدقائه المقربين كان يتلذذ بعذابه ومن منهم يمكن ان يغتصب منه فرحته ويعده بالمساعدة وتضميد جراحه ويحسده حتى على قدرته على تحمل الظلم والألم الفلسطيني والآخر معا في تل ابيب والآخر في الفيلم الثاني هو الاسرائيلي الذي يضطر مخرج مسرحي فلسطيني يعيش وأبناءه في قلب تل أبيب ان يتعايش معه في زمن صعب زمن الانتفاضة فيكتب مسرحية يتخيل فيها حياة افضل للشعبين الاسرائيلي والفلسطيني وعلاقة صداقة تربط بين شابين يكبر بهما حلم العيش في سلام حتى وان اضطرا للعيش في كوكب بعيد ويوكل لابنه دور البطولة فيها، بطولة تجعل الشاب يتوتر ويحس بضغط شديد لأنه لا يثق في هذا الآخر ولا يستطيع ان يغفر له ما يقترفه في حق الشعب الفلسطيني فتتوتر علاقته بوالده وشقيقه لأنه يحس بأنه لن يكون صادقا في أدائه وانه يخذل في تلك المسرحية نفسه قبل الآخر الذي لا يمكن ان يتقبله ولا ان يفهم هذه التضحية التي يقوم بها وبعد الافتتاح تتوضح له الرؤية ويتأكد من ان الجرح اعمق من ان تضمده مسرحية وان الشرخ بين الفلسطينيين والإسرائيليين غائر وبلا قاع ولكنه في المقابل لا يستطيع ان يمنع نفسه من تقديم العون لجارة عجوز من ضحايا النازية تعيش بمفردها وتحتاج لمن يضع لها قطرة دواء في عينها مرات عديدة في اليوم ويكتشف انه ليس الوحيد الذي يقدم لها العون وانما كل العائلة لان الجميع يحترمون تقدمها في السن ويحسون بمعاناتها لفقدان اهلها في الحرب العالمية الثانية ولا يستطيعون ان يعاقبوها على جرم اقترفه غيرها وهنا يكمن الفرق بين الفلسطيني والإسرائيلي. لغة فيلم "قطرة في العين" هي العبرية المدبلجة الى العربية وهو من إخراج وسيناريو محمد بكري تمثيل زهير بكري ومريم بكري وزياد بكري وصلاح محمد الآخر هو الشريك في فكرة والآخر في الفيلم العراقي "غلغامش والكواكب الثلاث" هو الذي يشترك مع البطل الاسطوري غلغامش في الاخلاص للصديق وفي فكرة بحثه عن الخلود والحياة الأبدية. هذا الخلود يراه العازف في لحن يستلهمه من حزن غلغامش على صديقه ويعتقد الرسام انه في لوحة تخلد رحلته لمعرفة سر الخلود وعبور بحر الأموات ليصل إلى «أوتنابشتم «الإنسان الوحيد الذي استطاع بلوغ الخلود. وصراعه مع اقوى وأشرس الحيوانات في حين رأى الشاعر ان الخلود يكمن في قصيدة يسرد فيها محاولة غلغامش البقاء متيقظا دون أن يغلبه النوم لمدة 6 أيام و7 ليالي ليصل إلى الحياة الأبدية وإصراره على مواصلة البحث رغم فشله في هذا الاختبار الى ان يحصل على عشب سحري يرجع له الشباب ولكنه يفقد هذا العشب ويقتنع ان الخلود هو في عمل عظيم يقوم به، فاضل سلطاني، احمد مختار وفيصل صاحي لايبي هم الفنانين الثلاثة العراقيين الذين بحثوا عن غلغامش ليلهمهم في مسيرتهم الإبداعية "غلغامش والكواكب الثلاث" إخراج وسيناريو وإنتاج محمد توفيق. في "هنا لندن" الآخر هو الذكر اما الآخر في الفيلم البحريني"هنا لندن" الذي اخراجه وصاغه محمد راشد أبوعلي وقام بادوار البطولة فيه هدى خميس مبارك وجاسم محمد سلطان فهو الذكر الذي لا تريد الانثى ان يراها إلا من وراء الحجاب والنقاب حتى وان كان في عمر ابنها وعلاقة المرأة البحرينية بالآخر في فيلم «هنا لندن» رواها المخرج وكاتب السيناريو بطريقة كاريكاتورية كوميدية حيث ركز على الصعوبة التي تعرض لها المصور الفتوغرافي اثناء محاولاته المتكررة لتصوير زوجين من البحرين يريدان ان يبعثا صورة فوتوغرافية لابنهما الذي يعيش في لندن. يضطر المصور امام رفض الزوجة ان تذهب من مخبر التصوير الى الاتفاق مع زوجها على ان يصورهما في منزلهما ولكن الامور تزداد تعقيدا برفض الزوجة ان تجلس امام المصور فيضطر مرة اخرى ونزولا عند رغبتها الى حبس نفسه في المطبخ حتى تلتقط لها المصورة صورة ويحاول معها مرارا وتكرارا وهي تعتقد انه لن يرى الصورة وهو سيحمضها. لم يكن الفيلم كوميديا ولا نعتقد ان مخرجه قصد ان يرفه على المتلقي أو يضحكه ولكن طريقة تعامل المرأة مع الآخر في هذا الفيلم كانت من قبيل المضحكات المبكيات التي تفطن لها الجمهور فعبر عن اعجابه بطريقة معالجتها بالتصفيق الحار سواء خلال الفيلم او بعده.