تونس/الصباح: ضمن الافلام الطويلة المشاركة في المسابقة الرسمية لايام قرطاج السينمائية نجد فيلم «ملح هذا البحر» الذي عرض في قاعة حنبعل للسينما بالمنار هذه القاعة التي تميزت عن غيرها من القاعات بحسن تنظيمها لما يشملها من الدورة وحسن الاستقبال والحرص الشديد على ان يتم العرض في احسن الظروف وعلى أن يتمتع حرفاؤها القارون وحرفاء المناسبات ومن بينها ايام قرطاج السينمائية على أجود الخدمات رغم ما يتعرض له القائمون على حظوظها من صعوبات.. في الوقت المحدد بالضبط انطلق بث «ملح هذا البحر» وهو أول شريط سينمائي طويل تخرجه آن ماري جاسر التي بدأت مسيرتها سنة 1994 باخراج وانتاج عدد من الافلام المستقلة من بينها: «تاريخ ما بعد اوسلو» 1998 و«صيادو الاقمار الصناعية» 2001 و«كأنما عشرون مستحيل» 2003 قام بأدوار البطولة في هذا الفيلم كل من سهير حماد وصلاح بكري ورياض عديس وكتبت له السيناريو المخرجة نفسها. حق مشروط بمهلة ينطلق الفيلم بحصول بطلته ثريا على حق العودة للبلد الذي هجر منه اهلها سنة 1948 الى لبنان في بروكلين التي تعيش فيها جالية من الطبقة العاملة.. ورضعت فيها حب وطنها الاصلي وتربت كغيرها من ابناء جيلها الذين ولدوا «تحت شعار لاجئ بلا وطن» على حلم العودة الى فلسطين لترى وتسترجع الربوع والاحلام التي عاش فيها والداها وتستعيد اموال جدها التي اودعها بمصر ف«بيافا» قبل ان ينفى.. تبدأ مشاق رحلتها ومواجهتها الحقيقة المرة في المطار اذ تتم محاصرتها بالاسئلة وبتفتيش حقائبها وجسدها بطريقة مذلة مهينة ولا تشفع لها بالدخول الى بلدها الا جنسيتها الامريكية وتأشيرتها المستخرجة من هناك وعلاقتها بمواطنة اسرائيلية تعرفت عليها في بروكبين. في البقاء خرق للقانون صعوبة الدخول للوطن لم تزدها الا اصرارا على نيل ما جاءت من اجله وهو استرجاع حق مادي وآخر معنوي فاما الحق المادي فقد حصلت عليه بعد ان تعرفت على شاب فلسطيني مقيم في القدس تتعارض احلامه تماما مع احلامها اذ تعلقت همته بالهروب والهجرة مهما كان الثمن. وقد خيل لها في وقت ما انها حصلت على حقها المعنوي ايضا وانها ستعمر ما دمر من موطن اهلها وانها تمكنت من السيطرة على احلام عماد بالهجرة ولكنها تستفيق على حقيقة مرة هي انتهاء صلوحية تأشيرتها واضطرارها الى التخفي هي وصديقها حتى لا ترحل هي ولا يسجن عماد الذي يساعدها لان في ذلك خرقا للقانون. لئن كان الفيلم ذا قضية مزودجة يمس موضوعه كل العرب ومحبي السلام والمؤمنين بالقضية الفلسطينية في العالم وخاصة منهم الفلسطينيين انفسهم فان التقنيات والادوات السينمائية المستعملة لم ترق حسب رأينا الى مثل ذلك الاجماع والبهاء. كاميرا مضطربة مشوشة فقد احستت ان الكاميرا مضطربة مشوهة تريد تصوير كل شيء والاحاطة بكل الاماكن والوضعيات احاطة ملهوف على تصوير مرتبط بتصريح قد ينتهي وكأني بالمخرجة تريد ان تجمع اكثر ما يمكن من الوثائق المصورة عن بلدها وهي صاحبة حق وقد اختلط عليها على ما يبدو واقعها وواقع شخصية فيلمها بالخيال في حياتها حتى توحدتا واغرقتا الجمهور معهما في الاحلام ورفض الخروج رغم المخاطر. بين السينمائي والوثائقي خلال رحلة بحثها عن منزل جدها وقريته المدمرة تجولت بنا الكاميرا في ربوع فلسطينالمحتلة ودخلت بنا الى البيوت والأزقة والانهج لطيفئ عرب 1948 لهيب شوقهم بمرآها ويملأوا منها عيونهم ويستعيدوا ذكرياتهم فيها ولكن هذا وان كان مفقودا فقد اثقل حركة الفيلم وحرمه من تعاقب الاحداث وتواليها وتسبب احيانا في قلق الجمهور الذي دخل للمتابعة شريطا سينمائيا لا وثائقيا. هنة اخرى لا بد من ذكرها تمثلت في عدم توصل المخرجة وكاتبة السيناريو الى ربط علاقات واضحة بين شخصيات فيلمها بل بقيت العلاقة في ما بينهم غائمة وغير صريحة حتى انها اسقطت البعض منهم في الطريق دون اسباب واضحة ولا ممهدات ولا مراعاة المتفرج الذي يربط مع اولئك علاقة خلال الفيلم وفي المقابل استطاعت ابراز ملامح كل شخصية من شخصيتي بطليها كل على حدة اذ استطاع الثنائي ايصال احاسيسهما بالغضب المكبوت والعين والثورة الداخلية والاحلام التي لا يجدها البحر ولا السماء وعزة النفس دون اللجوء الى الكلام. الحوار في الفيلم لم يكن طويلا ولا عميقا وانما البطولة المطلقة كانت للصورة وحدها التي اوصلت الغيض المكبوت والحسرة على ما ضاع. وفي النهاية نعتقد انه لا بد ايضا من الاشارة الى موقف ورد خلال الشريط استغربه بعض المشاهدين ولم يجد له البعض الآخر سببا وانتفى حوله الاجماع وهو تلك الصورة التي ظهرت عليها تلك المستوطنة الاسرائيلية (مسالمة.. مضيافة.. مدت يدها بالمساعدة ولما احست بالخطر واتجهت الى الهاتف وطلبت حماية القانون). اما نحن فنعتقد ان سبب ذلك الموقف هو الدعم الخارجي الذي يفرض المواقف والآراء كشرط للمساعدة وهو ما تبين لنا حاليا اثناء متابعتنا لعدد من اشرطة الدورة 22 لايام قرطاج السينمائية.