يبدو أن الأزمة السورية مرشحة للاتساع مع تصاعد حدة التوتر والعنف. تفجير المجلس الأمني المضيق يعتبر اختراقا امنيا خطيرا يتجاوز مقدرات وإمكانيات الجيش الحر السوري مهما علا ضجيجه حول تبنيه لهذه العملية. هذه الجريمة تذكرنا بعملية استشهاد عماد مغنية في قلب دمشق شتاء 2008 والتي لم تكشف ملابساتها إلى اليوم. ما يعني أن هذا النوع من العمليات ليس في متناول أي معارضة مهما كانت قوتها. نشير أيضا للتزامن المريب مع عملية تفجير حافلة سياح إسرائيليين في بلغاريا ومسارعة إسرائيل باتهام حزب الله وإيران بالوقوف ورائها. أوباما عزى نتانياهو على الهواء واصفا العملية بالهمجية دون أن يحرك ساكنا لتفجير مجلس وزاري مضيق, في مكان يقع مباشرة مقابل سفارته في دمشق. إذا فالعملية الأخيرة تتجاوز في دلالاتها جغرافيا الدولة السورية ولا تقرأ من خلال الصراع الدائر بين الدولة الأمنية العسكرية وبين المعارضة المسلحة. هي أكثر من مجرد جولة في هذا الصراع, لأنها حلقة من سيناريوهات متعددة لكسر الخطر المتعاظم الذي بدأ يحيط بالدولة العبرية ويهدد وجودها. مهما كانت مشروعية مطالب المعارضة السورية ومهما كانت دموية النظام السوري إلا أن الأوضاع الحالية هي, شئنا أم أبينا, حربا تديرها أمريكا وإسرائيل ضد ورم اسمه «حزب الله». التفجير الذي طال الرموز الأولى لمؤسسات الأمن والجيش السوري يأتي في الذكرى السادسة لحرب تموز- جويلية- 2006, التي كبدت إسرائيل أول هزائمها العسكرية. لم تكن الحرب رسالة لإسرائيل وحدها بل رسالة لكل النظام العربي المتعفن الذي تعرت عورته وأثبت فساده وتواطئه وسحبت منه ورقة التوت التي كانت تغطي عورة خياناته. أثبت الحرب أن الآلة العسكرية الإسرائيلية ليست بالقوة التي تصورها الأنظمة العربية. كما كشفت أن مساندة الولاياتالمتحدةالأمريكية للكيان الصهيوني لها حدود لأنها تلعب بعناصر ضعف الأطراف المقابلة أكثر مما تلعب بعناصر قوتها. لذلك, في مواجهتها للمقاومة اللبنانية, لم تدفع بالأمور إلى النهايات غير الممكنة كما كان يتمنى عرب قريش, بل ركعت عند إرادة حزب مقاوم في أضعف دولة عربية- ضعف عسكري-. لقد تمكن حزب الله من فرض توازن الرعب بين أطراف غير متوازنة ونجح في إذلال الغرور الأمريكي والأوروبي مجتمعين, وعرى العهر العربي الذي لا يستحق منا التعليق خصوصا بعد الخذلان المذل والمخزي إبان العدوان على غزة. لهذا يعتبر ما حققه أكبر من حجمه ويستحق أن يعاقب عليه ويلزم حدوده. وهو ما يؤكد أن أحداث سوريا الدموية هي امتداد لحرب 2006 كما كان غزو العراق انتقاما لصواريخ السكود التي نزلت على تل أبيب في 92. مع فارق جوهري كبير وهو اعتماد إسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية إستراتيجية جديدة عنوانها الحرب بالمناولة تجربة لبنان والصومال وأفغانستان والعراق دفعت الإدارة الأمريكية إلى استبعاد خيار التدخل العسكري كلما تعلق الأمر بالمسلمين كما تجلى هذا في الحالة الليبية. فهم الأمريكان, في النهاية, أن البيئة العربية والإسلامية مخبر لكل جراثيم النزاعات, وأن السيطرة عليها لا تستحق التواجد العسكري وتحمل أعباء الخسائر المادية والبشرية لأن هناك الكثير من « الشيالة». فهموا أنها بيئة مشحونة بجميع أنوع الصراعات المذهبية والعرقية والطائفية والقبلية والعشائرية, ينخرها الجهل والفقر والفساد وهي عوامل تفجير غير مكلفة وسهلة الاستعمال والتوظيف, لتحقيق كل الأهداف وبأقل التكاليف. تطوع «بيت مال المسلمين» بما يملكه من فائض ثروة البترول بتمويل «الجهاد في سبيل الله» وتغطية تكاليف القتل والتخريب والدمار. وفتحت خزائن بعض بلدان الخليج على مصراعيها لتمويل الجيش الحر السوري, كما فتحت من قبل لتمويل الجهاد الأفغاني. وتطوع شيوخ وعلماء النساء وتعدد الزوجات والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام لتحريض الشباب, البائس الجاهل العاطل عن العمل وعن التفكير والعاطل عن كل شيء, وشحنهم « لقتال الكفار» والاستشهاد في سبيل الله دفاعا عن امن إسرائيل ومصالح أمريكا. في الوقت الذي يموت فيه الصوماليون والإريتريون واليمنيون والسودانيون من الجوع والعطش والمرض, وفي الوقت الذي ينتفض فيه الشعب البحريني يطالب, وفي الوقت الذي يتعرض فيه مسلمو بورما للتقتيل والتطهير العرقي شماتة وقهرا وظلما وفي الوقت الذي يلتزم فيه مرسي رئيس حكومة الثورة المصرية, مرشح الإخوان, بإبقاء أبواب غزة مغلقة. هي حربنا هذه المرة: كنت أتابع خطاب السيد حسن يوم 2012/7/14 في الذكرى السادسة لحرب تموز واستحضر الكلمة التي ألقاها خالد مشعل في افتتاح المؤتمر التاسع لحركة النهضة وأنا لا أكاد افرق بينهما. كان محتوى الخطبتين واحد, تأكيد والتزام بخط المقاومة ضد الكيان الصهيوني كسبيل وحيد لاسترداد الحقوق المغصوبة, بل إن خالد مشعل طالب بصراحة غير معهودة وخالية من كل دبلوماسية, حكومات الدول العربية بتبني إستراتيجية واضحة لإدارة الصراع العسكري مع الكيان الصهيوني بعيدا عن كل التسويات والتسويف. ويبدو أن المقاومة الفلسطينية بدأت تستشعر فداحة فقدانها للحماية السورية خصوصا بعد تصريح السيد حسن أن كل السلاح في لبنان وغزة هو صناعة سورية. اتهام إسرائيل لحزب الله وإيران بتفجير حافلة سواح في بلغاريا هي طريقة مخابراتية مكشوفة لتبرير عمل عسكري على احدهما. لكنه في هذه المرة كان للتعمية على جريمة تفجير المجلس الأمني السوري. لأنه في أوضاع أخرى لا تكون هذه العملية أقل من إعلان حرب. ومع ذلك وجدت الإستراتيجية الجديدة للخارجية الأمريكية من يقاتل عنها وها هي تحقق-لحين- نتائج وخروقات نوعية بأبنائنا وشبابنا وأموالنا ليحرق المسلمون أنفسهم, ثم يستجدون التدخل الخارجي ولا يجدوه. إن مشروع القرار الأخير لمجلس الأمن تضمن وضع الدولة والمعارضة السورية تحت الفصل السابع, أفبعد هذا الغباء غباء؟. وإذا كان هذا ما يريده كفار قريش وحلفائهم من بني قريظة وبني القينقاع وما قبلت به بقية قبائل العرب وحلفائهم فلا بارك الله لهم ولا نزيد أكثر مما طلب نوح « وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) نوح. لذلك, نعلن صراحة أننا نصطف إلى جانب المقاومة في هذا الوقت تحديدا, شهادة لله, ولو احتاجت لنا نلبي النداء دون قيد آو شرط. وهذا المقال هو إعلان بيعتنا لكل من يدافع عن ما بقي لنا من الحياء وما بقي لنا من الكرامة. واعتقد انه في هذه المرة لن تكون إسرائيل هي البادية بالعدوان والحرب ولن نكون المستهدفين و» الضحايا الغلابى» بل ربما تفعلها المقاومة. نعم, يمكن أن تكون الحرب هذه المرة من جانب المقاومة, التي والحق يقال, ليس لها خيارات. مع أننا نطلب اللطف من الله ونسأله أن يجنبنا الحروب والدمار والويلات, لكن إن صح هذا التوقع, وهو ما أرجحه, فستكون نقطة تحول فارقة وخارقة يرقى بها حزب الله في هذه الحالة إلى مفهوم «المهدي المنتظر» للشعوب العربية والإسلامية. لأننا سئمنا الذل وسئمنا وضعية الهوان وسئمنا المتاجرة بدمائنا وأعراضنا وثرواتنا ولن نرضى أن نموت ويموت أهلنا كالنعاج تحت ركام قنابل الأف 16 والعالم يتفرج علينا ويشرب دمائنا نخب بلاهتنا وذلنا.