بقلم: مصدق الشريف* الشعب التونسي لم يطالب في يوم من الأيام منذ أن أطاح ببن علي ونظامه الفاسد و تجمّعه أن تنصب المشانق ومحاكم التفتيش ضد من كانوا داخل السلطة والحزب فطغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد ونكلوا شر تنكيل بالعباد وإنما نادى بالمحاسبة حتى ينال كل جزاءه فيما اقترف كما نادى الكثير بألا يُحشر كل من كان داخل التجمع في سلة واحدة ؛ فمنهم من كان على شاكلة فرعون في جبروته و عتوّه و منهم من كان براء من هؤلاء إذ سُلّطت عليه بطاقة الاشتراك فتسلّمها مُكرها خوفا من بطش السّلطة و قضائها عليه و على أهله قضاء مبرما اجتماعيا ومهنيا . لكن يبدو أن الكثير ممن كان في فلك الفاسد بن علي وبطانته المافيوزية ينطبق عليهم البيت الشعري الشهير : إن أنت أكرمت الكريم ملكته و إن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا هؤلاء الذين كانوا ي«تمعّشون» من نظام بن علي وكان لهم موطئ قدم في الظلم و الاستبداد و استغلال نفوذهم الإداري و الحزبي للتعدي على أموال الناس و أراضيهم و مقدراتهم المادية و الاجتماعية. فكانوا الأكلة الجشعين النهمين لا يمرون على خيرات غيرهم إلا سلبوها منهم في وضح النهار قاهرين وكاتمين أنفاس من حاول أن يتصدى لهم فيُقضى عليه في الحين و في الظهيرة قبل المساء. هؤلاء دخلوا جحورهم منذ 1102/1/31 ومنهم من تبخر ومنهم من حاول الفرار و منهم من غير إقامته و عنوانه و ربما قشرة وجهه وإن خرج من قمقمه ففي الظلام الدامس مثل الخفافيش خوفا من القصاص ممن نكل بهم واغتصبت حقوقهم. ومع مرور الأيام بدأنا نسمع و نرى بعض الوجوه تخرج على الناس شيئا فشيئا و منهم من فتحت لهم تلفزاتنا للدفاع عمّن يداه ملطخة بالرذيلة...اليوم خرجت هذه الخلايا النائمة التي تمنّت في يوم من أيام جانفي 1102 المجيد أن تكون حياتها سباتا عميقا خوفا من نور النهار و فلق الضحى وهاهي تتنفس الصعداء وتغمرها الفرحة و تصعّر خدّها أمام الكاميرا في أول اجتماع لحركة نداء تونس. يصيحون بأعلى صوتهم : «بورقيبة بورقيبة» وفي سرهم «بن علي بن علي» «فالحب» لا يكون دائما إلاّ «للحبيب الأول». إنهم يلتفّون حول هذا الحزب أو هذه الحركة التي منحتهم جرعة أكسجين كيف لا وهي ألذ جرعة يحتسونها تنقذهم من الموت السريري الذي يعيشونه منذ 1102/1/41. اليوم هؤلاء تعاد لهم الحياة فاستردّوا أنفاسهم وأضحوا أصحاب حقوق فتنتفخ صدورهم وهم يتدفقون أفواجا على ما يسمّى «بنداء تونس» الذي أنعشهم بعد ممات. «نداء تونس، نداء الوطن»، «لا للإقصاء»، «حقّ المواطنة»، ماذا ترانا نفعل بهم؟ هل جاؤوا من كوكب آخر؟ هل جاؤوا من الصّومال؟ ماذا فعل منديلا بأعدائه؟ ماذا فعلت بلدان أخرى قبلنا بالذين أفسدوا في حق شعوبهم؟ التسامح ولا غير التسامح ولا للمحاسبة و عفا الله عما سلف . كلمات حق أريد بها باطل تتردّد هذه الأيام و تنتشر في بلادنا، فيها كثير من استبلاه لشعبنا العظيم و التفاف على ثورته من مجموعات قلّ ماء وجهها. إنّ دخول هؤلاء إلى حركة «نداء تونس» و الالتفاف حولها بعيد عن حب الوطن وإرادة الخير له بعد السماء عن الأرض. إنّما دخولهم و حرصهم الشديد على ذلك الآن قبل الغد، شادّين بتلابيب الباجي والبكوش ومرزوق، غايته أن يعودوا إلى ما تعوّدوا عليه في حياتهم من تمرد و تكبّر و استعلاء على القوانين، ليقضوا حوائجهم في لمح البصر؛ وما تونس عندهم إلا مقاطعة يقتسمون خيراتها والبقية رعاع ما خلقوا إلا لخدمتهم. إنّه الحنين إلى زمن كان فيه الشعب يخضع لأوامرهم جاثمين على صدره يمتصّون عرق جبينه ويستحوذون على ما كسبت يمينه. إنه الحنين إلى زمن يدخلون فيه إلى مواقع القرار والسلطة العمومية ومراكز النفوذ يصولون ويجولون ويقضون شؤونهم رغم أنف المسؤول وفوق القانون. هل تعرفون جيدا عدم قدرة متعاطي المخدرات عن التخلي عنها؟ ذلك هو شأن هذه المجموعة. نحن نقول لهؤلاء وكذلك لمن أعدّوا المشانق للمفكرين والمبدعين والصحافيين و الملحدين لن تمرّوا، لن تمرّوا ولن نسمح لكم بالوجود والتصدّي لكم بكل ما أوتينا من قوة وهذا أول أهداف ثورتنا المباركة.