يبدو أن مرشح الحزب الاشتراكي الفرنسي في طريق مفتوح إلى الإليزيه، هذا على الأقل ما أكدته مختلف استطلاعات الرأي التي أجريت على مدى الأسبوعين الأخيرين حيث استمر محافظا على تفوقه على منافسه الرئيس المتخلي نيكولا ساركوزي في نوايا تصويت الناخبين الفرنسيين، يضاف إليه خسارة ساركوزي ورقة اليمين المتطرف التي كان يعول عليها كثيرا في ترجيح كفته في مرحلة الحسم. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه في هذه المرحلة وفي حال تحقق هذه الفرضية أي فوز المرشح الاشتراكي بالنسبة لنا في بلدان المغرب العربي هو الانعكاسات المتوقعة على مستوى السياسة الخارجية الفرنسية تجاه بلداننا التي تربطها علاقات وثيقة أرساها الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك ودعمها بعده نيكولا ساركوزي. وفي هذا الخصوص، لا بد من الإشارة في المقام الأول إلى أن السياسة الخارجية للحزب الاشتراكي، وفق رؤية هوبير فيدرين الذي شغل منصب مستشار لفرانسوا ميتران ووزيرا للخارجية في حكومة الاشتراكي ليونيل جوسبان، تتسم بمزيج من نقاط القوة التي عرفت بها السياسة الخارجية الفرنسية في عهد الجنرال ديغول والتوجهات العامة التي أرستها سياسة الرئيس الراحل فرانسوا ميتران ( 1981 - 1995). فعلى الرغم من الشعار الكبير الذي رفعه هولاند في حملته الانتخابية «التغيير الآن» إلا أنه يبدو من غير المرجح أن يغير المرشح الاشتراكي، إذا أنصفه صندوق الاقتراع، تفاصيل السياسة الخارجية لفرنسا في منطقة المغرب العربي، والتي اتسمت حتى الآن بالاستمرارية بقطع النظر عن لون وتوجهات من يمسك بالسلطة، وهولاند يعي ذلك تماما فقد سبق أن أشار إلى أن شعار حملته الانتخابية المنادي بالتغيير لا يعني تغيير كل القواعد. لكن في الآن ذاته على هولاند أن يأخذ بعين الاعتبار التغيرات الجذرية التي تشهدها بلدان المغرب العربي في اطار ما يسمى ب»الربيع العربي» ما من شأنه أن يجبر فرنسا وبلدان الاتحاد الأوروبي على تغيير نظرتها القديمة القائمة على تفضيل الاستقرار في المنطقة حتى وإن كان ذلك على حساب الديمقراطية وحقوق الإنسان على التغيير. فالمرشح الحزب الاشتراكي مدعو لمجاراة رياح «الربيع العربي» وتشجيع الاصلاحات خاصة في البلدان التي شهدت ثورات كتونس وليبيا، وأن يدرك أن بوابة التفاهم مع القادة الجدد تكمن أولا في قدرة الديبلوماسية الفرنسية التعاطي مع المعطى الاسلامي الذي يقود حكومات بلدان المغرب العربي. أي بعبارة أكثر وضوحا، فإن المنتظر من الجانب الفرنسي دعم المسار الانتقالي في ليبيا والوقوف إلى جانب حكومة ليبيا الجديدة في مجابهة تحديات الوضع الأمني، أما على مستوى العلاقات مع تونس فمن الضروري أن يؤسس هولاند علاقة جديدة تنهي الارتباك الذي التصق بالأداء الديبلوماسي بعد اندلاع الثورة التونسية للقطع مع منطق العلاقات المشبوهة التي جمعت في السابق المسؤولين الفرنسيين ونظام الرئيس المخلوع بن علي. وفيما يتعلق بعلاقة باريس بالجزائر، تقع على عاتق هولاند مسؤولية القطع مع سياسة ساركوزي في التطرق كل مرة إلى ماضي فرنسا الاستعماري والنظر إلى الجزائر على أساس أنها الشريك الأول في المنطقة، بينما ينتظر المغرب الذي يحتفظ بذكرى علاقة متوترة مع الرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران بسبب تداعيات ملفي حقوق الإنسان والبوليساريو، فضلا عن المشاكل العديدة التي سببتها زوجته السيدة دانيال ميتران للرباط من خلال زياراتها المتكررة لمخيمات البوليساريو آنذاك، أن يسعى إلى ترميم الشرخ الذي أصاب العلاقات بين البلدين وبعث رسائل طمأنة تشجع الجانب المغربي على التجاوب. ولعل ما يجعل لزاما على الجانب الفرنسي السعي إلى مزيد توثيق وتوطيد علاقته ببلدان المغرب العربي، هو أن المنطقة لم تعد مجالا خاصا بالنفوذ الفرنسي بل باتت منطقة مفتوحة على تنافس استراتيجي بين فرنسا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والقوى الأقتصادية الصاعدة كالصين.