كان اختيار حكومة سياسية وليست تقنية تقود البلاد في فترة دقيقة وحساسة مغامرة محفوفة بالمخاطر وغير مضمونة النتائج عكس ما حذرت منه عديد الأطراف والشخصيات المحنكة ناهيك أن التركيبة الائتلافية لحكومة «الترويكا «كانت غيرمتجانسة فكريا وإيديولوجيا؛ إلى جانب الغياب التام للخبرة والدربة في تسيير دواليب الدولة للتشكيلة الحكومية الجديدة التي انبثقت من رحم النضال و»سنوات الجمر» ولم تراكم معارف تقنية في تسيير وإدارة الشأن العام بنجاعة.. ورغم ذلك كان المجتمع المدني والرأي العام صبورا وأبدى حسن نوايا غير مشروط في التعامل مع هذه الحكومة صاحبة الشرعية وهيّأ نفسه لمساعدتها والوقوف إلى جانبها لوضع البلاد على درب المسار الديمقراطي الناجح والناجع.. لكن..اليوم نقف بعد ثلاثة أشهر من عمل حكومة «الترويكا» بنواتها الأصلية «حركة النهضة» بحقائبها السيادية وبأمينها العام حمادي الجبالي، رئيس الحكومة، ومهنّدس أعمالها، وصانع مبادراتها على حصاد مرّ لفترة التربّص الوزاري باعتبار أن الحكومة كانت تتربّص وتتدرّب على تسييرالشأن العام أكثر من مباشرة عمل حكومي فعلي مبنيّ على برامج وتصوّرات نالت الشرعية الانتخابية ويمكن أن تخوّل لنا محاسبتها على إنجاز ما وعدت به من عدمه.. ولا بدّ أن نشير إلى أن طلبات الشعب ليس فيها إجحاف ولا تعسير للمسؤولين وشعار: «توّه» حملته الجماهير بعد أن أفقدها الصبر صوابها لسنين وهو تكتوي بانتظار الثورة وتحقيق أهدافها..فشعبنا يا سادة يفقه جيّدا وعلى دراية بمجريات الأمور عكس ما يعتقده بعض ساستنا الميامين الذين ندعوهم إلى ترشيد مواقفهم والتخليّ عن الارتجال والعشوائية والتحلّي كذلك ببعض التواضع وأن يكون لهم من الحلم وحسن التدبير والتبصّر ما يجعلهم يتقبلون النقد برحابة صبر ودون تشنّج أو انفعال أو اعتبار أنهم مستهدفون لغاية في نفوسنا لتجريحهم أو أن لا همّ لنا إلاّ تصيّد أخطائهم وتجميع قرائن فشلهم للنيل منهم تحت وطأة نوازعنا الذاتية ووسواسنا الخنّاس .. فهم يملكون زمام القرار لكن الرأي العام يملك الحق في إخضاع هذه القرارات للنقد والتمحيص وهذا جوهر الممارسة الديمقراطية.. والشعب عند تعنّته في مطالبه ليس من منطلق تعجيز الحكومة لكن من منطلق دفع هذه الحكومة للتماهي مع منطق الثورة الذي يفترض سرعة الانجاز والقطع مع هنات ونكسات الماضي.. لكن على ما يبدو تحاول الحكومة في كل مرة عكس الهجوم دون الترّفع عن النزعة الذاتية والتعاطي مع ما يطرح من نقد بموضوعية..لتخوض معارك «دون كيشوتية» تارة مع النقابيين العصب الاجتماعي الرئيسي ولسان دفاع الطبقة الشغيلة الضعيفة والمسحوقة في البلاد وطورا مع الإعلاميين صوت الشعب ونبض الشارع متخلية بذلك عن واجبها في الانكباب على الملفات العاجلة والحارقة التي ازدادت احتقانا فبتنا نخشى معه انفجارا جديدا أمام تململ «الترويكا» وارتباكها وهفواتها الفادحة أحيانا وإثارة شبهات انصباب اهتمامها على الاستحقاق الانتخابي القادم الذي تريد ضمانه «بإغراق» الإدارة بالموالين والأتباع الخانعين.. وبعيدا عن شبهة التحامل الراسخة أصلا في ذهن الحكومة فإننا ندرك ونتفهّم صعوبة الملفات وتعقيدها ونعتقد أن الوقت لم يفت بعد للتدارك والبدء من جديد لكن مع هذا فان هناك وللأسف وزراء أثبتوا فعلا «إفلاسهم» في إيجاد الحلول الناجعة للقطاعات المشرفين عليها رغم فترة التربّص المطوّلة التي خضعوا لها..لكن للأسف انتهى التربص دون تسجيل أي تقدم فعلي في الوقت الذي لن تحتمل فيه البلاد استمرار الفشل ..فماذا انتم فاعلون؟