حملت الاحداث الدولية في الساعات الاخيرة اكثر من مشهد لا يخلو من الاثارة والتناقض في ان واحد ولا شك انه بين وقوف الرئيس الامريكي جورج بوش وهو يسكب دموعه امام نصب "ياد فاشيم" لضحايا المحرقة اليهودية خلال الحرب العالمية الثانية وبين اعلان الحكم الخاص بفضيحة ابو غريب ما يعكس الوجه الاخر لسياسة المعايير المزدوجة في التعامل مع قضايا حقوق الانسان في حالات الحرب والسلم والاصرار على ابقاء ذكرى الهولوكوست قائمة في الذاكرة الانسانية لتبقى مصدرا دائم الاحساس بالذنب لدى الضمير العالمي وورقة للابتزاز والمماطلة بين ايدي مختلف الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة لمواصلة تحقيق اهدافها الاستيطانية التوسعية... قد تبدو المقاربة بين الهولوكوست وبين جريمة ابوغريب غير واقعية بالمرة في جذورها كما في ابعادها السياسية والتاريخية والاعلامية وحتى الدينية في نظر الكثيرين ولكن الحقيقة ان في كليهما صورة من صور الاعتداء على انسانية الانسان وكرامته وحقه في الوجود. واذا كانت تصريحات الرئيس بوش في محطته الاخيرة من زيارته الى الشرق الاوسط وقبل مغادرته تل ابيب قد شددت على ضرورة استحضار ذكرى محارق النازيين على الدوام فقد جاء القرار الخاص بشان فضيحة ابوغريب ليدعو الى ضرورة استبعادها والغائها من الذاكرة كنقطة سوداء في تاريخ الجيش الامريكي الذي جاء العراق حاملا لواء نشر الحرية والديموقراطية بعد ان تبين ان اسلحة الدمار العراقية التي تهدد الامن والسلم في العالم لم تكن اكثر من كذبة وهمية اطلقتها الاستخبارات الامريكية لتبرير الحملة العسكرية على هذا البلد... ولاشك انه بقراره امس تبرئة ساحة ستيفن غوردن الضابط الوحيد الذي خضع للمحاكمة العسكرية بشان فضيحة ابوغريب يكون الجيش الامريكي قد اختار ان يسدل الستار على طريقته الخاصة على واحدة من اخطر وابشع الفضائح التي لاحقته منذ اجتياح العراق ويجهض بالتالي امال كل العراقيين الذين كانوا ينتظرون مثول المذنبين امام العدالة ومعاقبتهم على جرائمهم.. هو قرار وان حمل ضمنيا في طياته صك البراءة لاصحاب القرار ولكبار القادة العسكريين في الجيش الاقوى في العالم فانه لا يمكن باي حال من الاحوال ان يلغي المسؤولية التاريخية والانسانية والاخلاقية للبنتاغون وللبيت الابيض ازاء ما اجمعت مختلف المنظمات الانسانية والحقوقية على وصفها باحدى افظع جرائم العصر واكثرها انتهاكا لحقوق الانسان التي اقرتها اتفاقيات جنيف لحماية الاسرى والمدنيين في حالات السلم والنزاعات... بل الحقيقة ان مثل هذا القرار الذي ياتي بعد اربع سنوات من التحقيقات حول الجريمة التي اصابت الراي العام الدولي بالصدمة انما يعكس اصرار القيادة العسكرية الامريكية على مواصلة سياسة النعامة والهروب الى الامام والتنصل من المسؤولية او أية محاولة للوقوف على اخطائها الكارثية في العراق واخضاع خياراتها للمحاسبة والتدقيق. ولعل في اصرار الجيش الامريكي على توجيه توبيخ لفظي للضابط المعني ليس بسبب دوره ومسؤوليته في ابوغريب بل بسبب تسريبه معلومات عن التحقيق ما يؤكد لامبالاة الجيش الامريكي واستهتاره في التعامل مع الجرائم المرتكبة في ابوغريب وغوانتانامو على يد عدد من عناصره... طريقة ذكية ما في ذلك شك من شانها ان تساعد على تجاوز الجدل المثير على الساحة الامريكية وتخفف من الانتقادات الموجهة للادارة الامريكية ولكنها ايضا محاولة مدروسة لاستباق الاحداث والتطورات المستقبلية وتوفير الحصانة المطلوبة لجنودها وقطع الطريق على كل المحاولات التي يمكن ان تسعى اليها منظمات حقوقية لمحاكمة القوات الامريكية وتحميلها مسؤولية تصرفاتها وخروقاتها في مختلف المواقع التي تنتشر فيها... آسيا العتروس