زيارة اي مناضل فلسطيني الى تونس امر جيد جدا .. وزيارة اي مناضل ضد الاحتلال في بلده مرغوب فيها الف مرة ..في بلدنا الذي تميز منذ عشرات السنين باعتداله واستضافته للمناضلين من اجل التحرر الوطني.. من الاشقاء الجزائريين في الخمسينات واوائل الستينات الى الاشقاء الفلسطينيين منذ 1982.. وقد لا توجد قضية حولها اجماع في تونس مثل القضية الفلسطينية.. ودعم المقاومة الوطنية االفلسطينية بما في ذلك حركة المقاومة الاسلامية "حماس" التي يساهم مناضلوها بنجاعة منذ اواخر الثمانينات في تحركات نشطاء مختلف الفصائل الفلسطينية من اجل انهاء الاحتلال وتحرير القدس وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة.. وقد نزل الاف التونسيين والتونسيات من مختلف التيارات الى الشوراع خلال الاعوام الماضية في مظاهرات احتجاج على اغتيال الشهداء احمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي واسماعيل ابو شنب ورفاقهم البررة.. مثلما نزلوا مرارا للمطالبة بوقف العدوان الشرس على لبنان وقطاع غزة وعلى بقية المدن الفلسطينيبة في حروب الاعوام الماضية.. وتعبيرا عن التضامن مع زعماء المقاومتين اللبنانية والفلسطينية من حسن نصر الله الى اسماعيل هنية ورفاقهما وزعامات حركات فتح والشعبية والجهاد والديمقراطية وغيرها.. ومن الايجابي جدا ان خصص رئيس الحكومة حمادي الجبالي فقرة من خطابه الاول امام المجلس الوطني التأسيسي للتعبير عن موقف تونس شعبا وحكومة الى جانب قضية فلسطين العادلة.. وحسنا فعل الرئيس المنصف المرزوقي عندما اكد في خطاب تنصيبه بقصر قرطاج على التواصل بين الثورتين التونسيةوالفلسطينية.. لكل هذا نقول مرحبا والف مرحبا بإسماعيل هنية.. وبكل ابطال الثورة الفلسطينية.. من اعماق قلوبنا وبجوارحنا.. لكن السياسة اهم من الجوارح والانفعالات.. والسياسة الخارجية لا ترسمها القرارات المرتجلة بل المحترفون في العمل الديبلوماسي وفي السياسة الخارجية والعلاقات الدولية.. وبكل المقاييس لابد من مصارحة الحكومة الجديدة وهي في اسبوعها الاول ان خطوة دعوة السيد اسماعيل هنية لزيارة تونس الان قد تكون قرارا "سابقا لأوانه"..وقد كان من الافضل تأجيلها.. وفي كل الحالات فقد لا يكون اعتراف الحكومة الجديدة بحكومة حماس اولوية الاولويات حتى توجه الدعوة الى السيد اسماعيل هنية بزيارة تونس الآن.. وفي نفس التوقيت الذي يحل فيه بتونس وزراء خارجية فرنسا وايطاليا والمانيا ووفود امريكية رفيعة المستوى.. ان الشعب الذي انتخب ممثلين عن الائتلاف الحاكم الحالي ينتظر اولا انهاء الاعتصامات والاضرابات الفوضوية التي تشل البلاد واقتصادها وجامعاتها وإداراتها وامنها.. واولويته الاولى ضمان الامن والاستقرار ليبدأ مشوار معالجة معضلات البطالة والفقر والشباب المهمش والتائه والركود الاقتصادي ومخاطر افلاس البنوك والبلاد.. عسى ان يفهم ساسة البلاد الجدد ان السياسة حرفية ولا تقبل الارتجال .. واذا سبق للقرارات المرتجلة ان تسببت في مشاكل لآلاف من نشطاء بعض الجمعيات والاحزاب والحركات وهي في المعارضة، فان من مصلحة كل من انيطت بعهدته مسؤولية الحكم ان يقطع مع الارتجال وان يدرك أن "الغلطة" على كرسي السلطة ثمنها باهض جدا.. والخطأ في الديبلوماسية كلفته قاسية؟.. قاسية.. قاسية.." الغلطة ببعير".. فاتقوا الله في مستقبل البلاد والعباد.. وحذار من مزيد من الارتجال وردود الفعل غير المدروسة.. واستعينوا بمئات الديبلوماسيين والخبراء في الشؤون الدولية قبل المغامرة بخطوات قد تكون عواقبها وخيمة على المدى المتوسط والبعيد..