المهدية: توزيع المواد الانتخابيّة على مراكز الاقتراع    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم السبت 05 أكتوبر    عاجل/ مجمع الوظيفة العمومية يدعو الى تنظيم تجمع وطني بساحة القصبة وهذا موعده..    الشركات التونسية تكثف جهودها للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة    بشرى سارة بخصوص صابة الزيتون بهذه الولاية..    عاجل/ المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرات توقيف بحق 6 أشخاص..وهذه جنسياتهم..    المنتخب الوطني للكرة الطائرة يخوض تربصا بتركيا .. و4 مباريات ودية في البرنامج    كأس الكاف: النادي الصفاقسي في المستوى الثاني    هام/ بلغ أقصاها 39 ملم ..كميات الأمطار المسجلة خلال الساعات الأخيرة..    جندوبة لقاءات بين السلط الجهوية و ممثلي المنظمات الوطنية لدفع التنمية و التشاركية    صمت انتخابي في تونس    الليغا: ريال مدريد يجدد عقد مدافعه الشاب    الطقس اليوم/ أمطار رعدية بهذه الجهات..    تاجروين: إيقاف موظفين بشبهة فساد واختلاس من إحدي الجمعيات المالية    اليوم: أمطار غزيرة بهذه الجهات    أمطار غزيرة في تطاوين : لجنة مجابهة الكوارث تتدخّل لشفط المياه من المنازل    نفيسة بنت محمد العش ارملة المرحوم عامر بالحاج في ذمة الله    نسبة تقدم انجاز الطريق الرابطة بين جربة وجرجيس بلغت 67 بالمائة    أدين في 90 جريمة اغتصاب لقاصرات..42 حكما بالمؤبد لرجل في جنوب إفريقيا    هاريس تلتقي ممثلين للأمريكيين من أصول عربية بميشيغان لإقناعهم بالتصويت لصالحها    جيش الاحتلال: مؤشرات متزايدة على استشهاد هاشم صفي الدين    استشهاد قيادي في حماس و 3 من أفراد أسرته في غارة اسرائيلية    ترامب لإسرائيل: اضربوا منشآت إيران النووية    تتويج للسينما التونسية في مهرجان نامور للفيلم الفرنكوفوني ببلجيكا    سيدي بوزيد: افتتاح مركز الصحة الأساسية بالرقاب    خاص...بمناسبة احتفال النادي الافريقي بمرور 104 سنوات على تأسيسه ..الأوركسترا السمفوني بمقرين يقدّم «سمفونية النادي الإفريقي»    التمويل البنكي يعزّز موازنات الشركات المالية في تونس    الممثلة وجيهة الجندوبي ل«الشروق»...مسرحيّتي الجديدة اجتماعية بطابع سياسي    أولا وأخيرا... لا عدد لدول العرب !    كيف تنجح في حياتك ؟..30 نصيحة ستغير حياتك للأفضل !    متابعة صيانة المعالم الثقافية    "الرجل الذي باع ظهره" لكوثر بن هنية يُعرض في مهرجان الفرنكوفونية بباريس    سيدي بوزيد ..إصابة طفل ال 3 سنوات بجرثومة الشيغيلا    وزير الخارجية الإيراني يحدد شرطين وضعتهما إيران لإبرام هدنة بين إسرائيل وحزب الله    بعد حصول القطيعة مع منير راشد ... حسان القابسي مدربا جديدا للملعب القابسي    بالفيديو: الشركة التونسية للصناعات الصيدلية تعلن استئناف نشاطها    الدورة الأولى للمنتدى التونسي للبيولوجيا الطبية تناقش استعمال الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة لتطوير المهنة    خلال التسعة أشهر الأولى : ارتفاع لحركة عبور المجال الجوّي التونسي    المكنين: الإحتفاظ بمروّج مخدّرات وحجز كمية من المواد المخدّرة مخفية داخل عدّاد استهلاك الكهرباء    اتحاد الشغل يدعو للمشاركة بكثافة في مسيرة 7 أكتوبر    بلاغ هام من سفارة تونس في لبنان    الفيلم التونسي '' الرجل الذي باع ظهره '' يُعرض في مهرجان الفرنكوفونية بباريس    تونس: وزير النقل يحثّ على ضرورة التسريع في استكمال مشاريع الشبكة الحديدية    البنزرتي: طرحت فكرة تجنيس مهاجم الترجي الرياضي رودريغو رودريغاز على رئيس لجنة التسوية للجامعة    كاتبة الدولة المكلفة بالشركات الاهلية تؤكد ان ارتفاع نسق احداث الشركات الاهلية يعد مؤشرا من مؤشرات النجاح فى هذا الملف.    بن قردان حادث مرور يسفر عن قتيل    الاحتياطي من العملة الصعبة يتراجع إلى ما يعادل 114 يوم توريد    الترجي الرياضي:الفيفا يعلن فترة انتقالات استثنائية للأندية المشاركة بكأس العالم للأندية 2025    تونس: حجز أكثر من 18 ألف قرص دواء مخدّر    عاجل - تونس : تفكيك شبكة مختصة في ترويج المخدرات بالأوساط التربوية    طقس الجمعة: أمطار منتظرة بهده المناطق وانخفاض في درجات الحرارة    الانتخابات الرئاسية 2024: انطلاق الاقتراع بالخارج بمركز سيدني بأستراليا واليوم بأوروبا    حملة المترشّح للانتخابات الرئاسية العياشي زمال ... لا تأثير للمسار القضائي على نتائج الانتخابات    خطبة جمعة..مكانة المسنين في الإسلام    مفتي الجمهورية: يوم الجمعة (4 أكتوبر الجاري) مفتتح شهر ربيع الثاني 1446 ه    محمود الجمني رئيسا للجنة تحكيم مهرجان نواكشوط السينمائي في نسخته الثانية    عروض سينمائية ومعارض فنية وورشات في الدورة الخامسة من مهرجان سينما للفنون    عاجل : الأرض تشهد كسوفا حلقيا للشمس اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف حرّك مأزق العراق ثوابت السياسة الأمريكية؟
المأزق الأمريكي في العراق و«انقلاب» الدولة على «السلطة» (45):
نشر في الصباح يوم 05 - 06 - 2007

تحالفات واشنطن تقوم على المنافع وليس على القيم
في ما يلي الحلقة الرابعة من الدراسة التي اعدها الاستاذ صالح مصباح حول المأزق الامريكي في العراق والتي كنا نشرنا منها 3 حلقات في اعداد سابقة:
- النفعية الأمريكية ومتانة المؤسسات
يعبر ارتداد «الدولة» على «السلطة» على النحو الذي تابعه العالم - وسيتابعه - قدرا من النفعية الأمريكية من جهة معدنها الفلسفي والثقافي. وإنه معدن يثبت تاريخ أمريكا أن تفاعله مع الأخطار التي تحدق بالمصالح القومية يكون صريحا، مباشرا، عنيفا. وبقدر ما تعودت أمريكا، الليبرالية الطليقة، على أن ترخي الحبل مديدا للفردية وللمصالح الطبقية الضيقة بدرجة لا تكون أحيانا إلاّ أمريكية الطابع، فقد تعودت أيضا على أن تتحرك بسرعة متى ظهر تهديد للمصالح القومية التي تظل بها أمريكا أمريكا. ولتأكيد هذا المذهب نضرب مثالين قبل التدرج مجددا إلى سياقة الحال.
- المثال الأول: إسرائيل
بين أمريكا وإسرائيل وصلة أكيدة عجيبة إلى حد أن كل بلد من البلدين - على ما بينهما من تفاوت في الحجم وتباعد في الجغرافيا - قد يلوح امتدادا للآخر، والى حد أن الناظر بسطحية يحيره فيهما أيهما يتحكم في الآخر، لا سيما في مضمار الصراع العربي الإسرائيلي و في التعاملات الاقتصادية و في التنافس انتخابيا داخل أمريكا، على شد أزر إسرائيل. و لعل الذي لم نفهمه جيدا - نحن العرب - أن ما يسمى « لوبيا صهيونيا» في أمريكا لا يعود تأثيره عليها لفائدة إسرائيل إلى مجرد قوته. فليس لهذا «اللوبي» أن يفعل الفعل الذي له، لأن قوته مهما عظمت تضّاءل إزاء قوة أمريكا النفعية. إن قوة هذا «اللوبي» تكمن في فهمه لمدى ما ترخي أمريكا لإسرائيل من حبل المنافع، وفي فهمه للخط الأحمر الذي ينبغي ألا يتخطاه نشاطه، حتى لا يقع في محاضير النفعية الأمريكية التي توقظ عند الحاجة فصل «الدولة» عن «السلطة». فما تبديه مختلف الإدارات الأمريكية من تدليل ظاهري لإسرائيل إنما هو في العمق منافع متبادلة. وبقدرما تحرص إسرائيل على ألا تُغضب علاقاتُها بأمريكا علاقةَ «الدولة» «بالسلطة» فيها، تحرص الإدارات الأمريكية على ألا تجنح مساندتها لإسرائيل إلى إيذاء أمريكا دولة ومجتمعا إيذاء علنيا مكينا.
إن قوة إسرائيل - واللوبي - تظهر في إثباتها للشعب الأمريكي ولمؤسسات «الدولة» الأمريكية أن ما تفوز به منهما من دعم وعون هو نافع لأمريكا وليس مؤذيا لها. فمتى أفلح العرب حكّاما وشعوبا ونخبا ومواطنين أمريكيين في إثبات عكس ذلك؟! فطالما أنهم لم يثبتوا هذا الإيذاء وطالما أن إسرائيل تحرص على ألا يثبت عليها ذلك، وطالما أن العرب لم يبتدعوا ما به يخاطبون النفعية الأمريكية فيظهرون لها بذكاء وصرامة وحكمة أنهم انفع لأمريكا من إسرائيل - والغريب أنهم كذلك -، فلا سبيل إلى أن تتحرك «الدولة» في أمريكا لتعدّل خيارات «السلطة». بمعنى، لم يدرك المجتمع الأمريكي أن إسرائيل عبء على أمريكا، ولم يفلح العرب في إثبات ذلك لينفذوا إلى تعديل الإدارة، «السلطة»، لفائدتهم، باستفزاز نفعية «الدولة». لا بل يظهرون أحيانا، وربما بمقتضى ما هو عندهم، جهلا لهذه الثنائية، فيتعاملون مع الرئيس الأمريكي من حيث هو أمريكا، ولا يتدبرون أمرهم معه من جهة نظام المؤسسات الأمريكي المتين، وما يوفره من فجوات يمكن النفاذ منها إلى ذهنية المجتمع ونفعية «الدولة». وللوقوف على متانة المؤسسات الأمريكية، وعلى مغزاها النفعي الذي به تطمس عند الاقتضاء «الدولةُ» «السلطةَ»، نسوق مثال ذلك الجاسوس الإسرائيلي القابع منذ سنوات في سجن أمريكا. ففي الظاهر، لا مانع من أن يتجسس على أمريكا لإسرائيل. وفي الظاهر أيضا، لا أسرار بينهما. أما وقد تأكدت أمريكا أن هذا الجاسوس قد بلغ «الدرجة الثالثة» من الاختراق، فقد تيقظت فيها على «السلطة» «الدولةُ»، وتحرك روحها الثقافي النفعي، فظهر أن إسرائيل ليست البتة أمريكا، وأن العلاقة بينهما لا تُجوّز لها أمريكا المساس بمصالح «الدولة» الأمريكية العليا. فلم يجرؤ أي رئيس «سلطة»، إدارة، على العفو على هذا الجاسوس، على تعاقب الالتماسات الإسرائيلية مع كل رئيس وزراء جديد، وعلى تخويل الدستور الأمريكي للرئيس هذا الضرب من العفو.
كما يحسن أن نذّكر بحادثة أخرى تعود إلى بضع سنوات، أظهرت بدورها أن علاقة إسرائيل بالسلطة الأمريكية - رغم الحسابات الانتخابية التي يتقن اللوبي الإسرائيلي في أمريكا استثمارها - يمكن أن تتهافت في لحظة إذا تأذّت بها «الدولةُ» الأمريكية ومصالح شعبها القومية. وآية ذلك أن إسرائيل والصين اتفقتا على صفقة تعاون في مجال الاستشعار الجوي العسكري مجزية ماليا لإسرائيل لأنها ستضع على ذمة الصين أجهزة في هذا المجال حساسة دقيقة تملكها إسرائيل، كانت أمريكا قد زودتها بها. وإذ أدركت الإدارة الأمريكية وقتئذ أن هذه الصفقة ضارة - استراتيجيا - بمصالح الدولة الأمريكية العليا ضررا لا تسمح به «الدولة» «للسلطة»، فقد نهت عنها إسرائيل نهيا غريبا في الظاهر. فقد بلغ النهي ذاك مراتبَ التهديد الصريح الفج، الذي أنسى في لحظة السُذجَ من المتابعين التماسك الإسرائيلي الأمريكي، وأظهر، مرة أخرى، أن «للدولة» في أمريكا مؤسسات وحسابات تنقضّ على «السلطة» انقضاضا متى لم تلائم حدودُ تدبيرها التنفيذي حدودَ المصالح القومية الكبرى. وعلى قدر فهم إدارة كلينتون وقتئذ لمغزى أمريكا النفعي، كان فهم إسرائيل التي ألغت الصفقة صاغرة، خاضعة لاقتضاء أن تذود أمريكيا «السلطة» عن «الدولة «من أجل ألا ترتد هذه على تلك.
- المثال الثاني: كندا
إن أشبه علاقة لأمريكا بإسرائيل هي علاقتها بالجار الكندي. فهذا الثالوث كان أول نواة في المنظمة العالمية للتجارة ولبنودها التحررية الناسخة، في الأنشطة التجارية بمختلف قطاعاتها، للحدود السيادية بين البلدان. ولعل الجوار الجغرافي قد ساعد على أن يتعاظم بين أمريكا وكندا تداخل اقتصادي وثقافي وسياسي أكيد. وقد ترجم مقاديره المفكر سمير أمين بتسمية كندا: «الولاية الأمريكية الثالثة والخمسين». وغذى التداخُل ذاك حريةَ حركة بين البلدين تشمل المتنقلين و المنقولات. وإزاء شطط تكاليف الخدمات الطبية في أمريكا، استمر لفترة تحول أمريكيي الولايات الحدودية إلى كندا للفوز فيها بخدمات طبية أبخس من مثيلاتها في بلدهم. وليس يوحي تدبير هؤلاء المواطنين الأمريكيين بالمروق عن قواعد المنظمة العالمية للتجارة، أو عن القوانين الأمريكية، أو عن قيم العولمة، أو عن أعراف التعالق الأمريكي الكندي. فكان لا بد أن تحترم «السلطة» الأمريكية، الإدارة، كل ذلك، وأن تحترم لمواطنيها حرية اختيارهم.
لكن الغريب أن الإدارة الأمريكية قطعت هذا الوضع، وضيقت على هؤلاء المواطنين حرية التداوي في كندا أو «الولاية الثالثة والخمسين». وقد يردنا هذا إلى اتصال المال بالسياسة في أمريكا. وقد يجوز أن يكون إجراء اتخذته «السلطة» إرضاء لأرباب القطاع الصحي الخاص. بيد أن تدبيرا إداريا كهذا، إنما يعبر بالخصوص عن تحرك مؤسسات « الدولة» لدفع أجهزة «السلطة» إلى التصرف على مقتضى المصلحة المالية والاجتماعية القومية، بصرف النظر عن الأعراف والمواثيق التي تصرفها تنفيذيا صلاحيات «السلطة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.