المقاومة تعني استخدام كافة اشكال العمل المعبر عن رفض الاحتلال او وجود نظام فاسد مستبد، بما في ذلك استخدام العمليات المسلحة لانهاك العدو، والاضرار بقواته ومعداته. أما الاشكال الاخرى للمقاومة فتظهر من خلال المظاهرات ورفع الشعارات, والمقاطعة بكافة اشكالها، اي رفض التعاون مع قوة الاحتلال او الاستجابة لاوامرها كما حصل في حركة الزعيم الهندي غاندي ضد الاحتلال البريطاني. على ان الاستخدام الشائع عربياً، لمفهوم المقاومة، هو اللجوء لأساليب الكفاح المسلح ضد قوة محتلة. استعادت امريكا في حربها ضد العراق والعرب عامة، بعض النظريات القديمة عن الحرب الوقائية التي كانت قد ظهرت لاول مرة بين 1945 1949 يوم كانت الدولة النووية الوحيدة في العالم، قبل ان يمتلك السوفيات سلاحهم النووي، وترى الادارة الحالية ان الظروف السائدة، تشابه ما كانت عليه الحالة في اواخر اربعنيات القرن، مما شجعها على ان تمارس عدوانها دونما خوف من ردة فعل قوية تهدد كيانها، او عقوبة يمكن ان تؤثر على مصالحها. لم يكن هذا العدوان او هذا النمط من الحروب إلا شكلا من اشكال استهتار القوة التي يمكن ان تضمن النصر دون اي خوف من رد فعل مؤذ، عندما امتلك الاتحاد السوفياتي السلاح النووي الرادع، اصبح مفهوم الحرب الاستباقية لاغيا او مفهوما قديما وبدأت النظريات الاستراتيجية الجديدة تركز على مفهوم الضربة الثانية، اي القدرة على استيعاب الضربة الاولى وتحقيق ضربة انتقامية مدمرة، او ما عرف بالدمار الشامل المتبادل، مع غياب الاتحاد السوفياتي وانعدام الخوف من ان يقود خطأ ما في السياسة الدولية الى حالة الدمار المتبادل الشامل عادت امريكا لمفهوم الحرب الاستباقية لتغطية عدوانها على الدول الضعيفة لتبرر حروبا تقاد بعقلية رعاة البقر وليس استراتيجية الحرب الاستباقية، فالحرب الاستباقية تعني وجود تهديد حقيقي يمكن ان يتحول في اي لحظة الى فعل مدمر، ولم يكن العراق يشكل فعلا مصدر تهديد للولايات المتحدة، اثبت مرور عام على العدوان زيف كل الادعاءات الامريكية عن الاسباب التي قادتها للحرب، الا ان الادارة الامريكية ترى ان الظروف السائدة تشابه ما كانت عليه في اواخر الاربعينات من القرن الماضي مما شجعها على ان تمارس عدوانها دونما خوف من ردة فعل قوية يمكن ان تهدد امنها او مصالحها. رغم كل مزاعمها الدعائية عن الشرعية الدولية، فان الحرب على العراق حرب عدوانية لامبررة، ولا تستند لاي اساس شرعي قانوني غير شرعية عقلية رعاة البقر المتخلف حضاريا ولايفهم الا القوة كقيمة تحدد سلوكه في حالة الهجوم او التراجع والاستكانة دون اي اعتبارات انسانية او حضارية، فالمادة التاسعة من لائحة حقوق الدول وواجباتها التي اقرتها الاممالمتحدة عام 1949، والتي تشكل احد ركائز القانون الدولي لتنظيم علاقات الدول مع بعضها، وسبر شرعية او لاشرعية سلوكها حيال دول او مجموعة دول اخرى، تؤكد « على كل دولة واجب الامتناع عن اللجوء الى الحرب كأداة لسياستها القومية، وعليها أن تمتنع عن كل تهديد باستعمال القوة، أو أستعمالها فعلاً، سواءً ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لدولة ما، اوعلى أي وجه أخر يتعارض مع القانون والنظام الدولي العام.»، وهي نفس المادة التي اعتمدتها امريكا للعدوان على العراق عند دخوله الكويت. فالعدوان على العراق يجسده المثل العراقي المعروف « نشيط ومهبول» أي رجل قوي وجاهل أو غبي يمكن أن يعتدي أو يؤذي بسبب او بدون سبب بالاعتماد على قوته العضلية. فهيئات التفتيش التي نسبتها الاممالمتحدة بأتفاق مع، وبأشراف مباشر من الولاياتالمتحدة، كانت قد اكدت زيف الادعاءات الامريكية حول امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل، مع ان العراق يمتلك الحق الكامل مثله مثل الولاياتالمتحدة لامتلاك مثل هذه الاسلحة. المقاومة العراقية، بمواجهة هذا العدوان المستمر، وسياسة راعي البقر «النشط والمهبول «، الذي لا يرتدع الا بالخوف، وبالضربة مقابل الضربة، هي شكل من اشكال الحرب العادلة. مصطلح الحرب العادلة هذا مستعار من الأدبيات الشيوعية، حيث يسجل تاريخ العلاقات الدولية، ان اول من استخدم هذا المصطلح لوصف حروب التحرير (وليس الحرب العادية) هو نيكيتا خروتشوف، وبقي قيد الاستعمال في الادبيات الشيوعية حتى بعد ازاحته عن السلطة. يعتذر الكاتب (عما تكشفه استعارته هذه من توجهات رجعية) للحزب الشيوعي العراقي الذي تجاوز في مسيرته التقدمية مرحلة الشيوعية ليرتقي نحو التشيع للعولمة، ويتحول بظل فلسفته الجديدة هذه الى أداة لتسويغ وتبرير «الاحتلال العادل» لأعلى مراحل الرأسمالية، مقابل وظيفتين او ثلاث في ادارة سلطة الاحتلال، وكانه قد حقق بذلك فعلا دكتاتورية البروليتاريا، بعد انجاز مرحلة الانتصار على الرأسمالية. ان عدالة ظهور وسلوك المقاومة العراقية، لا تأتي فقط من كرم ما يمكن ان يضيفه عليها خرتشوف والشيوعيون من صفات العدل، بل هما حق يضمنه القانون الدولي، حيث نص قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 3281 الصادر بتاريخ 1974/11/12 على ان «من حق جميع الدول منفردة ومجتمعة ازالة الاستعمار والعدوان الاجنبي والاحتلال و السيطرة الاجنبية». كما يأتي الحق في مقاومة الاحتلال من خلال كونها تمثل الموقف الشرعي والطبيعي - بإقرار وموافقة كافة فقهاء واساتذة العلاقات الدولية، وهم امريكون في الغالب - للدفاع عن المصلحة الوطنية العراقية، والامن الوطني العراقي، وما يتضمنه هذان المفهومان من معاني السيادة، والاستقلال، وما يمثلانه كمعيارين ثابتين لوطنية وشرعية كل سلوك يمارسه الشعب، أو بعض من قطاعاته، او مؤسساته، وبالاسلوب والاتجاه الذي يراه مناسباً بما فيه قيادة حرب تحرير شعبية ضد محتل اجنبي وعملائه المحليين، يتساوى في ذلك الشعب العراقي او اي شعب اخر في العالم. ان الالتزام بهذين المعيارين -المصلحة الوطنية والامن الوطني -يرتقي بالمقاومة ليضعها موضع السلطة الشرعية الوحيدة الممثلة لمصلحة الشعب العراقي، في مرحلة غياب السلطة وعدم توفر الفرصة اللازمة كي يمارس الشعب حقه في اختيار ممثليه ونوابه. وهي الطرف الوحيد الذي يمتلك الاحقية في تقرير ما هو في صالح وما هو ضد مصالح الشعب العراقي، والدولة العراقية. تلك المصالح التي يدافع عنها المقاومون بحياتهم، وهي اغلى ما يمكن ان يقدمه الانسان من تضحيات في سبيلها، مقابل بعض العراقيين الذي باعوا هذه المصالح الوطنية مقابل بعض الامتيازات المادية والوظيفية. رغم ان هناك من يؤاخذ المقاومة على انها لا تمتلك الغطاء السياسي، او الواجهة السياسية التي تمثلها وتعكس اهدافها. ان هذه النقيصة في رأى البعض تمثل ميزة ايجابية لصالح المقاومة وليس نقيصة، كما سنتحدث عن ذلك. أن كون المقاومة تمثل السلطة الشرعية الوحيدة في العراق اليوم، حقيقة لانطلقها جزافاً ولا نقولها خضوعاً لنزعات عاطفية تدفعنا لاشعورياً للوقوف مع او ضد هذا الطرف أو ذاك. بل هي حقيقة موضوعية اقرها جميع دارسي المفاهيم والقيم الاخلاقية، ومعنى الثورة والثوريين، حتى الامريكيين منهم. ويلخص الدكتور توماس ه. جرين، استاذ العلوم السياسية في جامعة جنوب كاليفورنيا في الولاياتالمتحدة، هذه القيم بما يلي (مع المعذرة من هذه الاستعارة الطويلة): «تبدأ الثورة في العقل. فهي تعبير من مُثل عليا وأمال كبيرة وثقة تامة مطلقة في قدرات الطبيعة الانسانية والامكانات الخلاقة لجزء او كل الجنس البشري. انها الاجلال والتقدير لتفاؤل الروح الانسانية المطلقة..... تبدأ الثورة في العقل لانها استلهام لفكرة العدالة. فالثوري يسعى، نتيحة ايمانه وعمله، الى بناء نهج جديد للحياة، واية محاولة لاصلاح المجتمع القائم مهما كانت مجدية فانها تعتبر مستحيلة بالنسبة للثوري الذي لا يقبل التسويات وأنصاف الحلول، فأما عدالة او لا عدالة. بهذا المعنى فان الثوري يعتبر متطرفاً. فالسعي المطلق نحو العدالة ليس من خصائص اللاواثقين وليس من خصائص اولئك الذين يضعون الاجماع والاتفاق في الرأي. ولو كان بسيطاً في منزلة اعلى من الحقيقة المطلقة. الحقيقة المطلقة والعدالة التامة الكاملة هما الهدفان والغايتان اللتان تبرران تطرف الثوري في الفكر والعمل. لذلك، فانه ليس في الحياة السياسية ما يحبس الانفاس وما هو اجرأ من عمل ثوري مُلهم برؤيا عن العدالة التامة الكاملة». تلك هي السمات العامة لاخلاقية الثوري، والمقاوم العراقي نموذج أخر لهذا الانسان الثوري. وهذه نتيجة توصل لها مفكر امريكي، لم يعرف عنه انه كان ثورياً، ولا حتى يسارياً يوما ما. وما دمنا في عصر الشيوعية بنسختها المعولمة، وما دامت امريكا قد احتلت مقام سيف الدولة الحمداني وغدت هي موضوع الخصام، وهي الخصم والحكم، فهل هناك من يمتلك الشجاعة ليقول ببطلان هذا الوصف الموضوعي للمقاوم خاصة وانه كتب لاغراض علمية غير محكومة بنزعات المصلحة والنفعية، توصل لها الباحث بعد دراسة 218 مصدرا ودراسة عن سلوك الثائر واخلاقياته،كتبت من وجهات نظر مختلفة، مؤيدة ومعادية للثورة. هذا المقاوم النبيل، الخلاق الذي يضحي باغلى ما عنده من اجل قيم الحق والعدل، صانع الحدث التاريخي، الذي يكتبه بدمه، من الظلم ان يوصف بالارهاب من قبل بعض الجهلة، اما اذا جاء هذا الاتهام من النفعيين والمصلحين والانتهازيين والجبناء والخونة، فتلك سمة شرف للعمل المقاوم ان يشتم من امثال هؤلاء، مع ما يحز بالنفس للشرف الممنوح للاعمال الارهابية، التي يقاتل ضدها المقاوم العراقي. ان العراقي الاصيل _ لا اولئك الذين يغطون حالهم بالقاب العشائر العربية الاصيلة- يدرك جيدا من هو الارهابي الحقيقي، ومن هو المقاوم الذي يرسم بدمه تاريخ المثل الانسانية والاخلاقية ويدرك جيدا كم ان شتم المقاومة بهذا الشكل ما هو الا نوع من تغطية للحسد والغيرة من هذا المقاوم الذي يمتلك من القيم الاخلاقية والانسانية ما لم يتوفر لهؤلاء النفعيين من اشباه الرجال.