بقلم: د. مبروك بن موسى في الجزء الأول من المقال توقف كاتبه عند تركيبة المجلس الوطني التأسيسي بينما يتناول الشق الثاني منه مسألة مهام المجلس وفي هذا الإطار يقول الكاتب : إذا أخذنا الأمور على ظواهرها انطلاقا من ان الناخبين قد دعوا لاختيار ممثليهم لإعداد دستور جديد للبلاد، نستطيع القول أن مهمة المجلس الوطني التأسيسي تنحصر في إعداد دستور جديد للبلاد لكن بما ان عمل المجلس هو «تنظيم السلط العمومية» التي ستحكم الشعب التونسي مستقبلا، فإنه لا ينبغي لمن عهد اليه بتنظيم مستقبل الشعب ان يترك حاضره للفوضى بل يجب عليه أن يحفظ هذا الحاضر حتى يدرك المستقبل الذي فوّض له أمر تنظيمه. سيما أن رئيس الجمهورية و الحكومة المؤقتين ستنتهي مهام كل منهما بمجرّد مباشرة المجلس الوطني التأسيسي مهامه، حسب ما ينص على ذلك الفصل الأول من المرسوم المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية. لكن كيف سينظم المجلس حاضر البلاد ؟ فهل بتكوين حكومة من داخل المجلس أم بحكومة من خارجه ؟ إن تكوين حكومة من داخل المجلس لا تعني بالضرورة ان يكون اعضاؤها من النواب المنتخبين. فهؤلاء ينبغي أن ينصرفوا بكل جهودهم لإعداد الدستور في الفترة المحدّدة له (عام واحد). و إنما يعني ان تتألف الحكومة من الأحزاب والتنظيمات الممثلة في المجلس سواء أكان ذلك على أساس أغلبية تحكم و أقلية تعارض أم على أساس تقاسم السلطة بين أهمّ أو كل الأحزاب والحساسيات الفائزة في الانتخابات و أما تكوين حكومة من خارج المجلس فتعني ان كل الأحزاب الممثلة في المجلس تتخلى عن إدارة البلاد خلال الفترة التي سيستغرقها اعداد الدستور و تنظيم الانتخابات الرئاسية و التشريعية، و تكتفي باختيار رئيس دولة يعهد اليه بتكوين حكومة لا تضم بصورة مبدئية الأحزاب الممثلة في المجلس و إنما تكون حكومة كفاءات وطنية يتم اختيار أعضائها على أساس وفاق وطني بين كل الأحزاب و الحساسيات الممثلة في المجلس و غير الممثلة فيه و تكون بطبيعة الحال خاضعة لرقابة ومحاسبة المجلس. وهناك تصوّر ثالث لإدارة البلاد تكون فيه الحكومة مؤلفة من الأحزاب و الحساسيات والتنظيمات الممثلة في المجلس و غير الممثلة فيه ولكل واحد من هذه الخيارات محاسنه و مساويه و إن كان الخيار الأخير يبدو هو الأكثر ملاءمة لهذه المرحلة لعدّة اعتبارات أهمها : 1 أن البلاد تمرّ بوضع صعب اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا. و لا يمكن تجاوزه الا بتضافرجهود الجميع. .../... 2 أن نتائج الانتخابات، و إن أفرزت تفاوتا في عدد المقاعد بين الأحزاب المتنافسة فإنها لم تعط لأي منها أغلبية مطلقة تمكنه من تكوين حكومة بمفرده، الا ان وجود هؤلاء جميعا في الحكومة يمثل عامل دعم و مساندة لبرنامج عملها هي في أمسّ الحاجة اليه في الظرف الراهن. 3 إن الفائزين في هذه الانتخابات هم مفوضون بالأساس لإعداد دستور للبلاد و لتنظيم قيادة و إدارة شؤون البلاد للفترة الزمنية التي يتطلبها إعداد الدستور فحسب لأن الجميع يعلم ان هناك انتخابات رئاسية و تشريعية قادمة وهي التي ستفوّض الفائز او الفائزين فيها قيادة البلاد وفق منطق الأغلبية و الأقلية التي ستفرزها الانتخابات. 4 ضرورة إضفاء قدر واسع من الاطمئنان على المسار الديمقراطي الوليد و ذلك بقبول الأغلبية بمشاركة الأقلية و اعتماد مبدأ التشارك و التعايش بين مختلف التيارات و العائلات السياسية بديلا عن مبدأ أغلبية تحكم و أقلية تعارض حتى نتجنب في هذه المرحلة بالخصوص مساوي المعارضة التي كثيرا ما تطغى فيها الرغبة في استعجال الوصول الى الحكم على المصلحة العامة للبلاد اذ يخشى ان تنصرف جهود الأحزاب و التنظيمات التي لم تدخل الحكومة الى الإطاحة بها بدلا من العمل على إخراج البلاد من هذه الأزمة الخانقة التي تمرّ بها هذه الأيام. و إذ يعوّل الشعب على وطنيّة من اختارهم لعضوية المجلس الوطني التأسيسي فإنه ينتظر من الجميع سواء من كان داخل هذا المجلس او من بقي خارجه العمل في إطار وفاق وطني حقيقي يضع مصلحة تونس فوق كل الاعتبارات الحزبية و الانتخابية الماضية منها و القادمة، تتجنّد فيه كلّ الكفاءات و تتوحّد فيه كل الجهود للعمل يدا واحدة من أجل الخروج بالبلاد من أزمتها في أقصر الآجال و ذلك في اطار حكومة يقع اختيار أعضائها على أساس الكفاءة و التخصّص والإخلاص لهذا الوطن دون سواه، و ضمن برنامج عمل دقيق وواضح، يضمن الأمن و الاستقرار و تدفق الاستثمار الداخلي و الخارجي على حدّ سواء حتى يقع الشروع من الآن في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية و الاجتماعية التي تحتاجها البلاد. الرئيس الأول السابق لمحكمة التعقيب