بقلم: حامد المعروفي أيها السادة والسيدات أنا اشهد بأنكم مناضلون افذاذ وانكم تأذيتم من عسف نظام بن علي وقاومتموه بضراوة ولم تخنعوا له ثم ساهمتم بشجاعة وسخاء في اشعال نار الثورة وتأجيج لهبها ولذلك فأنا حريص على الاصطفاف في طابوركم قدر ما امكنني ولن اتوانى ابدا عن الإعتراف بمديونيتي لكم مثلي في ذلك مثل كثير من التونسيين، فقروا عينا من هذه الناحية ولا تتصوروا انني جاحد او ناكر للجميل..لكنني والحق يقال بت اليوم ضائقا ذرعا بكم وخاشيا على الثورة منكم ومرتابا في حقيقة مآربكم لأنكم مافتئتم تكتمون انفاس المصطفين وراءكم وتضيقون الخناق على المحيطين بكم فآل بكم الأمر الى حرمانهم من الانتشار في معظم ميادين الثورة ومواقع النضال التي اجتحتموها عن بكرة ابيها... ثم وضعتم عليها اياديكم الى حد الإحتكار وبعد ذلك طفقتم تتكاتفون داخلها وتتآزرون بين ثناياها وعبر مفترقاتها فصار عصيا على أي كان مواجهتكم او شق طريقه بين انسجتكم المترامية الأطراف، ولقد تاكد لي انكم بسطتم هيمنتكم على مساحاتها شبرا شبرا فلم يخرج منها عن سيطرتكم الا ما تغاضيتم عنه او قررتم فسح بعض اجزائه الهينة وغير الهامة لتواجدات اخرى طفيفة وقليلة الفاعلية، فأنتم أيها السادة والسيدات مزروعون بكثافة وقوة في كل الهيئات وكل المجالس وكل الرابطات والمنظمات من عاليها الى مستقلها ومن ديموقراطييها الى انسانييها او نسوييها،وانتم بصورة عامة وفيما عدا بعض الإستثناءات القليلة تنهلون من نفس المنابع وتنضوون تحت نفس القيم والمذاهب ولذلك فليس غريبا ان لا يغيب احدكم عن انشطة الآخر او ندواته او مؤتمراته حتى وان قلت او انعدمت صلاته بها،وكثيرا ما رأيتكم تتهافتون على الإحتفاء ببعضكم بحرارة وشوق والى درجة الإفراط في مختلف اللقاءات والإجتماعات التي تنظمونها وعندئذ ايقنت بأنكم ضربتم طوقا منيعا حول كل مؤسسات الثورة ومواقعها فصرتم تتداولون عليها وترصدون من امكنهم بجهد جهيد اختراقها او التسلل اليها فتتبادلون المعلومات بخصوصهم وعند الاقتضاء تحكمون التصدي لهم ومعالجة وجودهم بينكم سواء بالترويض او بالعزل والتنبيذ، وباختصار فقد تحولتم الى قوة ضاربة وضارية وباعتبار انكم سليلو مناهل فكرية متقاربة فقد صار من العبث ان يحاول احد التنفس ملء صدره بين حشودكم او الظفر على مكان له بينكم لأنه لن يفلح في ذلك وسيجد نفسه لاهثا ومنهكا ولن يؤتى له ان يغنم شيئا كثيرا.. وحتى ان ارتأى ان يحلق بعيدا عن الهيئات والمنظمات ويمني النفس بنسمة نفس(بفتح الفاء) بين جدران المجلس التأسيسي فسيجد نفسه محاطا بكم من كل الجهات لأنكم وعلى ما يبدو خططتم بتصميم واصرار لاجتياح كل مواطن الحكم وروافده بحيث يصبح ميسورا لكم ان تخاطبوا بتحد غمائم تونس قائلين لها "امطري حيث شئت"، وهكذا حولكم شجع السياسة الى مقاولين ينشدون الربح لأنفسهم ويمنعونه عن غيرهم، وما بالعهد من قدم كنتم تذودون عن المظلوم وتدافعون عن المحروم وتشدون ازر المأزوم، فما الذي اعتراكم وما الذي غير وجهتكم وما الذي افقدكم ضياءكم فآل بكم الى "تيوقراطية" آسنة وعاتمة جعلتكم من حيث تدرون او لا تدرون تتردون في ممارسات الغطرسة والإحتكار التي يشهد التاريخ ببراءة رحمكم منها قبل الثورة، فافيقوا بالله عليكم يا قوم لأن عامة الناس صارت توجس خيفة من طغيانكم وتصنفكم "بارونات" للثورة ولا تتردد في اعتباركم عشيرة حاكمة او متهيئة للحكم ومستعدة لدوس كل من يحول بينها وبينه..ويقينا مني بأن الأمر يتعلق بانحراف ثوري عارض وبسيط فإنني اناشدكم بصدق ومحبة بأن تعودوا الى سالف طباعكم حتى نتفيأ معا ظل الثورة دون أفضلية لأحد منا على الآخر ودون ان تؤثروا انفسكم بكل خيرات البلاد بدعوى انكم الأكثر مددا والأوفر تضحية، واعلموا ان من يزرع الشوك يجني الجراح وان "بومرنق" افعالكم سيرتد عليكم ان آجلا او عاجلا فيلحق بكم اذاية لا قبل لكم بتحملها ويومئذ ستدركون انكم "في الصيف ضيعتم اللبن".