للمواطن أهلية مراقبة أداء الحكومة شهدت بلادنا بعد الثورة ثلاث حكومات انتقلالية إثنتان رأسهما محمد الغنوشي، والثالثة، يرأسها حاليا، الباجي قائد السبسي... وفي إطار الشفافية والديمقراطية والعدالة، لابد في هذه المرحلة الانتقالية أن نطرح السؤال التالي: من يراقب أداء الحكومة؟ وكيف يتم ذلك؟ في هذا الشأن يقول السيد عبد الله العبيدي (ديبلوماسي سابق ومحلل سياسي): «لدينا الآن شرعية مزدوجة، شرعية تنطلق من الدستور البائد وبالتحديد الفصل 57 منه والتي فرضت نفسها، وشرعية تستند إلى الثورة التي شهدتها بلادنا، فرضت كذلك وجودها بقوة الشارع، وهي سيف مسلط على أصحاب الشرعية الدستورية البائدة... والحكومة الحالية تحت طائلة ما يعبر عنه الحقوقيون بشبه العقد، فتطوع أعضائها بمن فيهم الوزير الأول يعني القيام بالمهام التي تستوجبها مواقعهم، حسب القوانين والدساتير... وهناك منظومة قانونية في بلادنا، لم يقع تعليقها بمجرد تعليق العمل بالدستور، ناهيك أن لدينا قوانين جار بها العمل منذ الاستعمار إلى حد يوم الناس هذا... وبالتالي فالقوانين التي لم يتم إلغاؤها أو تعليقها تبقى سارية المفعول إلى أن يأتي ما يخالف ذلك... ومن هذا المنطلق، فهذه الشبكة من القوانين والتراتيب من شأنها مراقبة آداء الحكومة، وهي التي يجري بمقتضاها التصرف في كل ما يمت بصلة للشأن العام»...
تبرير قانوني
ويوضح الأستاذ العبيدي أن إسناد اعتمادات ما، مثل ما تم مؤخرا لفائدة بعض الجهات الداخلية، لا بد أن يمر عبر تبرير قانوني... ولكن إذا انتفى التبرير القانوني... كيف تتم مساءلة الحكومة؟ عن هذا السؤال يجيب محدثنا: «توجيه مساءلة لأي عضو من الحكومة، يمر أولا عبر هياكل المجتمع المدني، من صحافة وجمعيات وأحزاب، وكذلك، المؤسسات والهيئات الرسمية... ولا ننسى أيضا ضغط الشارع.. وبمجرد أن يثار مشكل ما، متعلق بالشأن العام، فالجهة المعنية المسؤولة مجبرة على أن ترد الفعل بالتبرير والتفسير والتوضيح»... «ولا ننسى والكلام للأستاذ العبيدي أن المسؤولية العمومية هدفها إجمالا جلب المنافع ودرء الاضرار عن المجتمع، إلا أنه، في المجتمعات العصرية لا يبقى هذا العمل رهين النوايا، فلا بد من ارتكازه على أسس ثابتة، واستناده إلى الاختصاص وقواعد المهنة... فالحكومة ممثلة في وزارة أو إدارة لها تمظهرات مختلفة...
عقوبات وتعويضات
وكل جهة معنوية أو مادية، في صورة تضررها في شأن ما، يمكن لها أن تقوم بقضية في الغرض، لدى المحكمة المعنية، ورجال القانون يتخذون ما يرونه صالحا قضائيا.. كما أن الخبراء هم المؤهلون لإثبات الضرر وتقويمه، ومن هنا يمكن تحديد المسؤولية والعقوبات والتعويضات». وهل يمكن للمواطن أن يراقب أداء الحكومة، ويتظلم للقضاء في أمر ما؟! في هذا الشأن يقول السيد عبد الله العبيدي: «إذا شعر مواطن أو مواطنون بضرر ما من جراء قرار صادر عن جهة رسمية، يمكن لهم رفع قضية في الأمر... وعموما فأية جهة متضررة أو من يحل محلها سواء كان محاميا أو منظمة، أو حتى ولي أمر تلميذ له أهلية وحق إثارة تظلم ما، ويمكن إدراج هذا في صلب مراقبة أداء الحكومة.. ففي كل دساتير العالم يحاسب من يقوم بعمل ما ولو كان وزيرا أو رئيس دولة... والحكومات أولي أمر الشعوب وعلى هذا الأساس لا بد من مساءلتها ومحاسبتها، على أدائها، وبالتالي ليس هناك فراغ قانوني في بلادنا»... ويختم محدثنا: «كل مواطن له الحق في مراقبة أداء الحكومة، عبر المسالك المتاحة التي يكفلها وينظمها القانون... ومن الوهم أن نتصور أن هناك مكانا أو زمانا خارج القانون». ومن ناحيته يقول العميد عبد الجليل بوراوي: «ان الفصل 2 من المرسوم عدد 6 الذي تم بموجبه بعث الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة يمنح لهذه الهيئة متابعة مردود الحكومة، وعند الاقتضاء اقتراح بعض التعديلات على أي قرار، وكذلك يمنح الاستفسار عن بعض المواضيع، ولكن هذا الفصل لا يكرس وجوب مراقبة أداء الحكومة»... ويضيف العميد بوراوي: «لقد تم بالفعل استفسار رئيس الحكومة المؤقتة الباجي قائد السبسي، مؤخرا من طرف الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة حول تعيين وزير جديد للداخلية، وهذا يقع لأول مرة في تاريخ تونس»...
لا رقيب ولا حسيب
أما المحامي خالد الكريشي، الناطق الرسمي باسم حركة الشعب الوحدوية التقدمية فيعتبر أن الحكومة الحالية تعمل دون رقيب ولا حسيب، مستغلة الوضع السياسي الانتقالي الذي يمر به القطر التونسي، هذا، حسب رأي الكريشي نتيجة لغياب مؤسسات دستورية حقيقية تقوم بدور المراقبة في وضع سياسي عادي... ويقول محدثنا: «كان من المفروض أن تضطلع الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة بهذا الدور، إلا أن صبغتها الاستشارية تحول دون ذلك... وحتى صبغتها الاستشارية لم يتم احترامها من طرف الحكومة، إذ يبدو أنها مقدمة على تغيير بعض فصول مرسوم القانون الانتخابي للمجلس التأسيسي»... ويقترح الكريشي تعديل المرسوم عدد 6 بما يعطي للهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة سلطة مراقبة الحكومة ومحاسبتها، مؤكدا أن الشعب التونسي بأسره يجهل كل ما يدور داخل هذه الحكومة، وفي المشهد السياسي برمته متسائلا: «أين تم صرف المليارات التي قدمت لتونس من جهات خارجية؟ وهل هي بعنوان قروض أم مساعدات؟... ذلك ما يريد الشعب أن يعرفه»..
مهمة دقيقة
ويرى الأستاذ فتحي العيوني المحامي لدى محكمة التعقيب، وعضو الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة أن مراقبة آداء الحكومة بصفة جدية غير متوفر الآن... ولكن، وبعد انتخاب المجلس التأسيسي، فلهذا الهيكل، باعتباره سيستمد شرعيته من صناديق الاقتراع، مراقبة أداء السلطة التنفيذية بجميع مكوناتها رئيسا وحكومة. ويشير الأستاذ العيوني إلى «أن مهمة المجلس التأسيسي دقيقة ومنحصرة أساسا في صياغة دستور جديد للبلاد، وتنتهي مهامه مباشرة بعد وضع الدستور المرتقب والذي سيحدد النظام السياسي للبلاد، ومهما كان نوع هذا النظام، برلمانيا، أو رئاسيا، فإنه سيقع انتخاب برلمان جديد وهو المكلف بمراقبة أداء الحكومة»...