ملف «باطام» الذي اندلعت شرارته في أواخر 2002 ولم يجد آذانا صاغية ولا أقلاما كاتبة، فسالت دموع العمال قهرا بدل أن يسيل الحبر على الصحف للتعبير عن حجم المعاناة التي تكبدها العمال وعائلاتهم... واندلعت احتجاجات العمال في بطحاء محمد علي وفي مغازة شارع باريس وفي الطريق السيارة الرابطة بين قمرت وقرطاج الرئاسة حيث احتشد العمال بالطريق العام وشلوا حركة المرور واحتجزوا وكيل الشركة وأطردوا مجموعات مسلحة بالعصي استعملهم لترهيب العمال، هذه الأحداث والنضالات في زمن الطاغية، في زمن كان فيه العمال في القطاع الخاص يعجزون عن تأسيس نقابة، في زمن كان العمال يعجزون عن حمل شارة حمراء للاحتجاج وفي زمن كان فيه الاعراف لا يسمحون لعمالهم بالاجتماع العام داخل المؤسسة، في تلك الفترات العصيبة التي كان يعاني فيها العمال من هيمنة الاعراف في القطاع الخاص انتفض عمال «باطام» ضد التلاعب بالقانون وضد هشاشة التشغيل وحملوا لافتات في الطريق العام تنتقد تخلي الدولة عن دورها في اجبار أصحاب المؤسسات على احترام تشريعات الشغل وتطبيقها بكل نزاهة وأمام صمت الحكومة وتفقديات الشغل تحرك العمال واحتجوا ودفعوا مقابل ذلك أرزاقهم فتم طردهم أفرادا وجماعات أمام مرأى ومسمع الحكومة وتفقدية الشغل والاتحاد العام التونسي للشغل. وللحديث عما جرى «لباطام» تحدث الينا أحد أبنائها (حسن بن الحاج محمد) وهو كاتب عام نقابة باطام:
الأزمة وانقاذ المؤسسة
يقول محدثنا: «ست سنوات من الانقاذ بدون نشاط أصلي للشركة حيث تردد فيها الخبراء والمسيرون المتوافدون على المؤسسة في اتخاذ اجراءات جريئة وعجزهم عن توجيهها الى المآل المحدد، ست سنوات من القرارات المتضاربة وأهداف وهمية وقع التراجع فيها تدريجيا الى أن تم نسفها بالكامل في 2008 ، علما أن برامج الانقاذ وفترة المراقبة تداول عليها 5 مكاتب محاسبة وتدقيق كلفت المؤسسة المليارات من المليمات إضافة الى الأعباء السنوية المقدرة ب 20 مليارات من المليمات اي ما يعادل 3.5 مليار سنويا». وأضاف: «اندلعت الصعوبات الاقتصادية في أواخر 2002 والمتمثلة في حجم المديونية (300 مليار من المليمات) وتم إدراج المؤسسة في ائتمان عدلي وإعداد برامج انقاذ لها ثلاثة أهداف أساسية: الحفاظ على مواطن الشغل والايفاء بخلاص ديون المزودين والبنوك ومواصلة نفس النشاط للحفاظ على النسيج الاقتصادي للمؤسسة والى حدود سنة 2007 اندثرت هذه الاهداف حيث تقرر بموجب حكم تجاري رقم 429 بتاريخ 10/ 11 / 2007 إحالة المؤسسة الى الغير خالية من الديون أي أن 300 مليار تبخرت وبعدد عمال250 عاملا مقارنة الى2000 عامل سنة2002».
الاستهزاء بالمحكمة
«يتابع حسن :«كان الاستهزاء منذ البداية واضحا وذلك بالتلاعب بالتشريعات» حيث أن العرض الذي قدمته شركة كونكورد لم يكن العرض الأفضل واستطاع أصحاب المؤسسة اعتمادا على علاقة أحد الشركاء بعماد الطرابلسي وعلاقة زوجة الشريك الثاني بزوجة الرئيس المخلوع فآلت اليهما مؤسسة «باطام» مطهرة من ديونها مقابل 7 مليارات في حين أن أصول الشركة قدرت ب 48 مليارا بدون احتساب 50 أصلا تجاريا وسرعان ما أظهر أصحاب المؤسسة النية السيئة وانطلقوا في رحلة لتهميش العمال واستعمالهم في وظائف دون وظائفهم وفي مقرات غير تابعة للمؤسسة وتشغيلهم في حضائر البناء والدهن وفي ضيعة لأحد الشريكين وأعمال لأقارب أصحاب المؤسسة الى أن وصل بهم الى الحد الى تجويع العمال واجبارهم على امضاء وثائق تشير الى أن المؤسسة تعيش صعوبات اقتصادية لتمكينهم من مبالغ زهيدة اقتنعوا بها غصبا من أجل لقمة العيش وتزامنا مع الاحتجاجات والاضرابات كانت وسائل الاعلام صارمة في عدم التطرق لهذا الموضوع فإضافة الى جريمة المعارضة الداخلية كنقابيين في القطاع الخاص أضيفت الينا جريمة خارجية كمعارضين لقوانين احالة المؤسسات لأصحاب العائلة المالكة والوقوف ضدهم لاحترام القوانين وتشريعات الشغل وبالرغم من اشعارنا للمحكمة الابتدائية بتونس بالتجاوزات وعدم احترام كراس الشروط وعدم الايفاء بالتعهدات المسجلة على كونكورد في حكم الاحالة فقد اكتفت المحكمة بعدم الرد وذلك بأن القانون التونسي لا يخول لأحد تتبع عدم الايفاء بكراس الشروط بخصوص احالة المؤسسات التي تمر بصعوبات اقتصادية.
عملية سمسرة لا استثمار فيها
وذكر محدثنا أن شركة كونكورد لم تسجل فتح مغازة واحدة ولم تسجل اشتراء ولو قطعة كهرومنزلية واحدة، فبعد التخلص من العمال وطردهم شرع أصحاب المؤسسة في بيع الاصول التجارية والمغازات والشاحنات والسيارات وعدد من الكمبيالات وتم الاحتفاظ بمقر الادارة المتكون من ثلاثة طوابق ومخزن مركزي ضخم به أربعة طوابق ومساحة عرض بها ثلاثة طوابق قدرت في سنة 2005 ب9 مليارات اضافة الى بعض المخازن والأراضي في أماكن متفرقة بالجمهورية وهذا هو هدفهم الحفاظ على العقارات بلا عمال ولا عمل. فلماذا إذن فرطت المحكمة في 48 مليارا ب 7 مليارات فقط دون تتبع لمصداقية التعهدات؟ ولماذا تم فسخ 300 مليار وحرمان البنوك والمزودين؟
مقترح التسوية
وختم بالقول:« أن ظهور المغازة العامة على الخط وشرائها لمغازات «باطام» يفسح المجال الى الغاء البيع الباطل وذلك بأن تحل المغازة العامة محل كونكورد في الالتزامات وتسترجع كل العقارات والممتلكات التي احتفظ بها أصحاب كونكورد مقابل تسليمهم المبلغ الزهيد المذكور والذي لا يساوي شيئا مقابل القيمة الحقيقية لممتلكات «باطام»، أما بخصوص التعهدات فالمغازة العامة لها تاريخها في تجارة التوزيع ولا يبقى لها من الالتزامات سوى انتداب عمال «باطام» بنفس الامتيازات والخطط التي كانوا يشغلونها، هذا وتتمتع هذه الاخيرة بنفس الامتيازات التي أعطيت للمتحيلين».