اليوم وفي سابقة لا تخلو من دلالات استراتيجية عميقة يقف الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز في العاصمة التركية انقرة لالقاء خطاب بالعبرية امام النواب الاتراك في خطوة تامل اسرائيل معها تحقيق مكسب جديد يضاف لها في رصيد معركتها الديبلوماسية والاعلامية في مواجهتها مع العالم العربي والاسلامي وهي معركة كانت اسرائيل هي الأكثر حنكة ودهاء في ادارتها والاستفادة منها امام الرأي العام الدولي عموما والغربي خصوصا... صحيح ان زيارات المسؤولين الاسرائيليين الى عواصم الدول العربية والاسلامية سواء تلك التي لها علاقات مع اسرائيل او لا لم تعد بالامر الغريب في السنوات القليلة الماضية لا سيما خلال المؤتمرات الدولية وغيرها الا ان مما لاشك فيه ان هذه الزيارة التي وصفها بيريز بالتاريخية في العلاقات بين تل ابيب وانقرة تلقي بظلالها الاقليمية والدولية على سير الاحداث التي تستعد لها المنطقة مع بدء العد التنازلي لمؤتمر انابوليس المرتقب تحديد تاريخه خلال الايام القليلة القادمة.. ولعل في حرص تركيا على حضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس في نفس اليوم لالقاء خطاب بدوره امام النواب الاتراك ما يعكس رغبة واضحة من الجانب التركي في خضم الازمة مع العراق على تاكيد دور انقرة المتزايد اقليميا ودوليا في الصراع الدائر في منطقة الشرق الاوسط او ما يمكن ان تقوم به من جهود الوساطة بين اسرائيل وسوريا. فالزيارة التي تأتي تحت غطاء اقتصادي بالتزامن مع المنتدى المالي والاقتصادي الذي يجمع رجال اعمال من تركيا واسرائيل وفلسطين لا يمكن ان تكون بمعزل عن الزيارات المكوكية للمسؤولين الامريكيين والاوروبيين وكذلك العرب واللقاءات والتطورات المتسارعة التي تعيش على وقعها المنطقة خلال ما بقي من فترة حكم الرئيس بوش. ولعل الاخطر ان تسعى اسرائيل كعادتها في مثل هذه المناسبات لتسويق زيارة بيريز الى تركيا الدولة الاسلامية وتجعل منها محور حملة دعائية مجانية قبل موعد انابوليس لمزيد التشبث بلاءاتها المعلنة والعمل على تثبيت سياسة الامر الواقع والقفز على الحقائق في نفس الوقت الذي تسجل فيه الساحة الفلسطينية عودتها الى اتون الفتنة والصراعات الدموية بين ابرز فصيلين فلسطينيين لتضيف بذلك الى جحيم الاحتلال المزيد من المآسي والجروح النازفة وتدفع بتلك الحشود الفلسطينية المكثفة التي كانت تأمل ان تكون ذكرى رحيل عرفات مناسبة للمصارحة والمصالحة بين ابناء القضية الواحدة نحو المزيد من مشاعر الاحباط واليأس.