لوس أنجلس-الصباح بعد اسم محمد القمودي الذي اعتلى منصّة التتويج في ثلاث دورات أولمبية سنوات 1964 بطوكيو و1968 بمكسيكو و1972 بمونيخ، وأصبح على إثرها من أشهر الأبطال الرياضيين في العالم، برزت خلال السنوات الموالية بعض الأسماء الرياضية التونسية الأخرى التي لم تعمر طويلا.. الا أن العهد مع بطولات القمودي تجدّد اليوم بنفس الشعلة والتميّز والتألق مع اسم تونسي لامع سيظل في تاريخ الرياضة التونسية رمزا من رموزها الخالدة وعلما من أعلامها البارزين وهو الذي جعل من بلده تونس اسما مشعا في المحافل الرياضية الدولية.. فبعد القمودي، لم يحدث أن برز اسم على الساحة الرياضية التونسية مثل أسامة الملولي الذي كان التونسي الثاني المتوج بالذهب في أولمبياد بيكين، كيف لا وهو الذي أهدى لتونس نخوة الصعود إلى أعلى درجة في منصة التتويج في الأولمبياد بعد 40 سنة من الفراغ على هذا المستوى. أسامة الملولي، هذا الشاب المثقف الذي نجح في الحقلين الدراسي والرياضي التقيناه في لوس أنجلس حيث يواصل دراسته في المرحلة الثالثة من تعليمه العالي في مجال التصرّف الرياضي بجامعة جنوب كاليفورنيا. فما هي آخر أخبار أسامة ومواعيده الرياضية على المدى القريب والبعيد؟ هذا ما ستكتشفونه من خلال هذا الحوار المطوّل مع بطلنا المتألّق: * ما هي أبرز مواعيدك الرياضية القادمة وما مدى استعدادك لها؟ - في البداية أريد أن أقول أن التدريبات في حياتي الرياضية دائما متواصلة، فلا مجال للراحة لأنّ المحافظة على المستوى الرفيع تستوجب اللياقة البدنية والتضحيات الجسام. وجوابا عن سؤالك، فإن هناك العديد من الدورات التي سأشارك فيها، ولكن تبقي أبرز محطّة بالنسبة لي على المدى القريب هي المساهمة في ألعاب المحيط الهادي خلال الصائفة القادمة وتحديدا في شهر أوت حيث سأخوض مسابقات 400م و1500م سباحة حرة وربما 400م 4 سباحات. كما سأشارك في بطولة العالم بمسبح 25 مترا في ديسمبر 2010. أما على المدى البعيد، فتبقى المشاركة في الألعاب الأولمبية بلندن سنة 2012 هي غايتي الكبرى. * هل أنت مطلع على أبرز منافسيك ومتابع لنتائجهم؟ - في السباحة، كل سنة يبرز جيل جديد من السباحين، يصنعون المفاجأة في التظاهرات الرياضية الكبرى، ولكن يبقى أخطرهم الصيني زهالين »Zhanlin« بطل العالم بروما في مسافة 800م سباحة حرة والكوري الجنوبي تاي بارك »Tae Park« بطل العالم في سباق 400م سباحة حرة. * وكيف ستكون التحضيرات للمواعيد المرتقبة وأين ستجرى؟ - كالعادة، ستكون التحضيرات شاقة، فأنا أتدرب 5 ساعات يوميا، بمعدل ساعتين، في الحصة الصباحية وساعتين في الحصة المسائية بالمسبح وساعة للإعداد البدني. ومن المنتظر أن تتم أغلب هذه التحضيرات هنا بالولاياتالمتحدةالأمريكية بقيادة الطاقم الأمريكي الذي يشرف عليّ بجامعة جنوب كاليفورنيا، الى جانب القيام بعدة مشاركات خلال الصائفة القادمة في أوروبا. * ومتى سنراك في تونس؟ - بإذن الله في شهر جويلية بمناسبة زفاف شقيقي أنس، وستدوم الزيارة كالعادة أياما معدودة. * لقد تمّ اختيارك مرة أخرى أفضل رياضي تونسي لسنة 2009، فكيف تقبلت هذا الخبر؟ - بفرحة عارمة وبشعور لا يوصف، وقد حملني هذا اللقب مسؤولية كبرى، حتى أكون دوما في مستوى متميّز، وهو أمر ليس هيّنا بالمرة كما سبق أن قلت إذ تستوجب السباحة تضحيات جساما والحرمان من متع الحياة، ومن جهة أخرى، فإنّ هذا الاستفتاء يُعدّ بالنسبة لي مؤشرا واضحا على أنني في الطريق الصحيح الذي رسمته لنفسي وهو احتلال موقع في الشمس الوهّاجة على الساحة الرياضية العالمية وفي رياضة صعبة جدا مثل السباحة. وإن أنسى فلا أنسى أنّ أبناء وطني في تونس لم يتردّدوا في الاستفاقة من نومهم في الساعة الرابعة فجرا لمتابعة سباقي في الألعاب الأولمبية، وقد ترك هذا الأمر شعورا عميقا في نفسي، ذكّرني بعهد محمد علي كلاي حيث كان التونسيون يستفيقون من نومهم في ساعة مبكّرة لمشاهدة مقابلاته الرائعة في بطولة العالم للملاكمة. وبالمناسبة، أتقدم بعبارات الشكر والامتنان لكلّ الصحفيين التونسيين الذين توّجوني أحسن رياضي لسنة 2009، وأعد الجميع بأن أسعى جاهدا لتحقيق حلمي الكبير ألا وهو الفوز بميدالية ذهبية في الألعاب الأولمبية التي ستقام بلندن سنة 2012 في سباق 1500م. * تحدثت عن التضحيات الجسام التي قدمتها خلال مسيرتك الرياضية، فهل لك أن تحدثنا عن التي تركت آثارا عميقة في نفسك؟ * أكبر تضحياتي هي اضطراري لمغادرة العائلة ودفء أجوائها منذ كنت في سن ال15 عاما أي في مرحلة الطفولة حيث يحتاج الطفل الى الرعاية والإحاطة العائلية وحنان الأبوين، ومنذ ذلك الوقت وعلى مدى 11 سنة وأنا أعيش حرقة الغربة وقسوتها وأكتوي بنيرانها الحامية كل يوم. وكانت وجهتي في البداية الى فرنسا حيث تحصلت على شهادة الباكالوريا، ثم انتقلت سنة 2002 الى الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث أقيم إلى اليوم. ولا تسلْ في الألم النفسي الذي ينتابني في حالة المرض حيث أفتقد إلى من يواسيني أو يمدّ لي يد المساعدة في وحدتي، أما في مناسباتنا التقليدية، فإني أحنّ كثيرا إلى لقاء العائلة والأقارب والأحباب والأصدقاء وإلى أكلاتنا الشهيّة. ومن التضحيات الأخرى، الانهاك البدني المتواصل الناتج عن التمارين الشاقة المستمرة في السباحة. فأنا أعاني من آلام حادة أحيانا في العمود الفقري منذ الألعاب الأولمبية بأثينا سنة 2004 ورغم ذلك، فإني لم أتخلّ عن ممارسة هذه الرياضة في أعلى مستوى. * ما دمت تتحدث عن التضحيات، فهل أن الرياضي العالمي مجبر على أن يحرم نفسه من بعض المأكولات الشهية ويتبع نظاما غذائيا خاصا بالرياضيين للحفاظ على لياقته البدنية؟ - لا شك أنّ التضحيات تشمل أيضا مستوى التغذية، فأنا أعيش في الولاياتالمتحدةالأمريكية بعيدا كل البعد عن المأكولات التونسية، وبالتالي فإنني مجبر على تناول غذاء خاص بالرياضيين يخضع إلى مقاييس علمية ومشروطة. ولكن هذا لا يمنعني عند العودة إلى تونس من تناول مأكولاتنا اللذيذة بجميع أنواعها سواء في المطاعم أو في البيت من اعداد والدتي ولكن بكميات محدودة. * على ذكر الوالدة، يبدو أن علاقتك بها متينة للغاية؟ - بالفعل، علاقتي بأمي أكبر من أن توصف، فهي كلّ شيء في حياتي، ملجئي عند الضيق وملاذي في محني وبلسمي لكل آلامي. وفضلا عن ذلك، فهي التي ترعى مصالحي الرياضية وتنسّق أعمالي وتتابع مواعيدي وترافقني في كل المنافسات الهامة، فيزيدني حضورها الى جانبي ومساندتها لي شحنة إضافية ثمّ إنّ «وجهها مبروك عليّ» والواقع أن حضور الأم في مسيرة الرياضي وتحركاته أصبحا أمرا مألوفا وخاصة في رياضيات السباحة والتنس والجمباز والرقص على الجليد.. * لقد حبتك الدولة برعاية خاصة وتتولى حاليا الإنفاق على دراستك بالخارج، فما رأيك في هذه الحظوة؟ - حظوة، أعتزّ بها أيّما اعتزاز، وأقدّرها أيما تقدير، وهذه مناسبة لتقديم تشكراتي الجزيلة وتحياتي الخالصة لسيادة رئيس الدولة زين العابدين بن علي على ما حباني به من عطف كبير ورعاية موصولة ومساندة أدبيّة ومادية فائقة، فمازالت كلماته ترنّ في أذني لما نلت شرف الالتقاء به، عندما قال لي: «واصل فتونس معك، ونحن معك». وبفضل هذا التشجيع المتواصل، أعود في كلّ مرة، إلى أمريكا بعزيمة أكبر وإصرار أقوى على مزيد البذل والعطاء والكد والاجتهاد حتى أكون عند حسن ظن الجميع، وإذ أنسى فلا أنسى مبادرة رئيس الدولة بتهنئتي في كل مرة أفوز فيها بميداليات ذهبية خلال التظاهرات الرياضية الكبرى، وهذا يشكّل في حدّ ذاته دفعا معنويا كبيرا للمضي قدما على درب التتويجات العالمية. * بعيدا عن الرياضة، كيف تقضي أوقات فراغك؟ - في الحقيقة ليس لي وقت فراغ، وإن حصل، فإني أبقى في الغالب في البيت للراحة واسترجاع الأنفاس أو للمطالعة والاستماع الى الموسيقى ومشاهدة البرامج التلفزية والإبحار على شبكة الأنترنات للتعرف على ما يجري في العالم ومتابعة الأخبار الرياضية التونسية بجميع أنواعها وبالمناسبة، فقد سررت كثيرا بالنتائج التي حققها المنتخب الوطني لكرة اليد الذي تمكن من استعادة الزعامة على المستوى القارّي بعد الظفر بهذا اللقب في مصر بالذات، كما ألتقي من حين إلى آخر مع بعض الأصدقاء التونسيين المقيمين في أمريكا مثل لاعب التنس هيثم عبيد. * قبل سنة وبضع الأشهر من الألعاب الأولمبية بلندن 2012، نريد أن نطمئن على استعداداتك وقدرتك على الحفاظ على سيطرتك على سباق 1500م؟ - حتى أكون صريحا معك، فإن السباحة كما سبق أن ذكرت، هي من أصعب الرياضات، وفي كل مرة يبرز جيل جديد. وفي سباق 1500م، هناك منافسة شرسة جدا من قبل عدد من الأسماء وخاصة من الكوري الجنوبي تاي بارك »Tae Park« الذي يقوم بتحضيرات مكثفة في استراليا، والسباح الصيني زهان لين »Zhaa Lin« الذي يواصل تدريباته هنا بأمريكا، وقد تم تعزيز الفريق الذي يسهر على تمارينه بمدربين إثنين ومدلك ومترجم ومشرف عام ومرافق إلى جانب سباح صيني آخر يقاسمه التمارين، أما أنا فإني أتدرّب بمفردي تحت إشراف الثنائي الأمريكي دايف صولو »Dave Solo« ومساعده جيريمي كيب »Jeremy Kipp« ومازلت في حاجة إلى بعض الحوافز المادية، نظرا إلى مستوى العيش المرتفع في أمريكا، حتى تكون جهودي كلّها موجهة إلى السباحة، ورغم ذلك فإني دائم الحرص على الإيفاء بوعودي والسعي إلى اعتلاء منصة التتويج وتشريف بلادي وإسعاد كل التونسيين الذين أحسنوا استقبالي في المطار وأكرموني أحسن تكريم في مختلف المناطق التي زرتها صحبة سباحين فرنسيين وإىطاليين وأمريكيين في تونس العاصمة والحمامات وسوسة. * كيف تختم هذا اللقاء؟ - أشكر جزيل الشكر جريدة «الصباح» التي زارتي بالولاياتالمتحدةالأمريكية والتي أتابع من خلالها يوميا عبر شبكة الأنترنات أخبار بلادي في شتى المجالات. وأجدّد وعدي لكل التونسيين بأن أعتلي منصة التتويج مرة أخرى في الألعاب الأولمبية التي ستقام بلندن سنة 2012.