تونس الصباح يبلغ عدد اقسام الاستعجالي في تونس 182 قسما تستقبل حوالي 000 00 42 مواطن سنويا.. اقبال يفسر تشكيات المرضى واختناق اروقة اقسام الاستعجالي بهم مما يجعل عمل الأطباء والعاملين أكثر صعوبة خاصة مع ضعف التجهيزات ونقص الموارد البشرية. وفي شهر رمضان الكريم لهذه السنة، يجد الطبيب نفسه بين مطرقة ارتفاع درجات الحرارة وتثاقل عقارب الساعة في اتجاه موعد الافطار وسندان العجز على المسك بزمام الأمور في عيادة تختنق بحالات درجات خطورتها شبه متساوية واعناق مرافقيهم مشرئبة تتطلع لنتيجة ايجابية واسعافات فورية وناجحة. 3 أطباء ل30 مريضا! الساعة السادسة مساء و52 دقيقة المكان قسم الاستعجالي بمستشفى الحبيب ثامر في نهاية الأسبوع الاول من شهر رمضان.. خفت الحركة وعم السكون شرع الاطباء والعمال في تناول الطعام بعد ان حان موعد الافطار الذي طال انتظارهم له ما لبث الطبيب المقيم يتناول البعض من التمر وكوبا من الماء حتى يسمع ضوضاء بالخارج، ترك السفرة بما حملت وتوجه نحو المريضة التي كانت تستجدي الممرضة لتمدها بما يسكن الامها الحادة صحبها لغرفة الكشف وما ان شرع في فحصها حتى دخلت زميلته بمعية شاب من الواضح انه تعرض لطعنة بسكين على مستوى كتفه الأيمن، شرح اسبابه بمنتهى الصعوبة لحدة الامه. لم تكد تمر الساعة الأولى حتى امتلأ قسم الاستعجالي بمرضى اختلفت اسباب تواجدهم به واتحد هدفهم في التخلص من الالم لا تحتمل. طاقم الاطباء يتكون من طبيب مقيم وطبيبة داخلية وطبيب استعجالي له من الخبرة ما يتعدى العقدين تجندوا لينقذوا حياة من استنجد بهم وهو بين الحياة والموت وبذلوا كل ما بوسعهم لتهدئة من يرافق زوجته ومن ترافق ابنتها فتشاطرها نفس الأوجاع وتنحبس الدموع في مآقيها كلما اشتدت الالام بفلذة كبدها. كل شيء على ما يرام ولكن! «كانت لي تجربة تعيسة ومؤلمة جدا مع احدى المستشفيات اين قبعت اسبوعا بعد ولادة قصيرية، ولكن الامر هنا مختلف تماما فابتسامات الأطباء المطمئنة ترفع من معنوياتي وتخفف من الآمي كثيرا كما اني سرعان ما كونت صداقات خففت من وطأة فراقي لطفلي. الخدمات ممتازة والاكل نظيف ومتنوع». هذا ما جاء على لسان السيدة سامية قاسمي ام لطفلين ثم استدركت «امكانيات المستشفى اقل من طاقة استيعابه مما يصعب عمل الاطباء ويثقل كاهلهم بمسؤوليات مضاعفة، لذلك احاول ان اكون متفهمة لظروف عملهم حين اطلب المساعدة ويطول بي الانتظار». الانسة كوثر قنوني (24 سنة) لخصت مؤاخذاتها على قسم الاستعجالي فتقول «احتاج كثيرا للراحة ولكن بقي ذلك مجرد امل.. طوال اليومين اللذين قضيتهما في هذا المكان في انتظار نتائج التحاليل والفحوصات استمرت الضوضاء طوال ساعات النهار وحتى الليل، كما ان عدد الاطباء يبدو لي غير كاف ليغطي حاجيات كل المرضى وليتسنى لهم متابعة الحالات بالتوازي وبالدقة التي تتطلبها»، وتضيف بعد صمت جمعت خلاله قواها التي انهكها المرض «لا يمكن للاطباء تأمين خدمات استعجالية متاحة للجميع وناجعة ومتواصلة وذات جدوى لا في ظل وجود تجهيزات متطورة وكفيلة بان تسهل عملهم ولكن يستحيل ذلك في قسم يفتقر لأبسط التجهيزات كما وكيفا». عدد المرضى يفوق طاقة الاستيعاب والعنف اهم أسباب الاصابات اثناء جولتنا بالعيادات واستفسارنا لانواع الحالات الموجودة فوجئنا بان اغلبها (12 حالة من 21) سببها العنف 8 اذ وجدنا شابا لم يتجاوز ال18 ربيعا تعرض لاصابة في رأسه اثر شجار عنيف مع احد الجيران كما التحقت بركب المرضى امرأة بعد ان اعتدى عليها زوجها بالعنف. كردة فعل شرسة حين كانت الزوجة تطالب بابسط حقوق ابنائها. وفي المقابل، هنالك حالات يؤكد الاطباء انها لا تتطلب الكشف ولا الاسعافات ارادها اصحابها كوسيلة لغاية الحصول على دليل يثبت ادانة الخصم وتوريطه بالتالي في قضية الاعتداء بالعنف المادي، فاثاروا الفوضى وعطلوا عمل الاطباء والممرضين الذين لم يجدوا حلا امام الاكتظاظ غير تخصيص دقائق فقط لكل حالة. اين سيارة الاسعاف؟ طال انتظار احد المرضى لسيارة اسعاف تنقله ليتمكن من التصوير بالاشعة فيتنسى لطبيبه تشخيص الحالة بدقة وبنجاح، ووصل ذلك لساعة ونصف كانت المريضة اثناءها وهي فتاة في سن ال21، تتلظى تحت وطاة الامها الحادة التي لم تنجح في اخفائها امام نظرات امها وتوسلاتها للطبيب ووجد هذا الأخير نفسه في حيرة من امره يعجز عن اداء مهامه بسهولة الدكتور يوسف الاهي طبيب استعجالي وصف ظروف العمل قائلا: «امام العدد الضخم للوافدين علينا يوميا، نصبح عاجزين على تقديم الخدمات اللازمة وبالسرعة والجودة المطلوبة لكننا نحاول ان نبذل قصارى جهدنا في معالجة كل الحالات رغم حدة الضغط كل ما نرجوه هو ان يتفهم المريض صعوبة الظروف التي نعمل فيها، ويتاكد ان صحته وشفاءه هدفنا الأكيد ويوضح الدكتور: الطبيب لا يستطيع اداء واجبه بدون تجهيزات او عند نقصها، لطالما شعرت بالعجز وانا انتظر نتيجة التحاليل، فاجدني بين لوم المريض وشكه في نزاهتي وحرصي على صحته، وبين نار الانتظار ونظرات من ملأ قاعة الانتظار تاوها وتململا وصراخا، ولكن في النهاية وبعد 20 سنة عملا، احاول قدر الامكان التخفيف على المريض والسيطرة على اعصابي، وهذا واجبي». يتطور عدد اقسام الاستعجالي بنسبة 5% في السنة ويخصص لكل قسم 4 اطباء استعجالي و8 اطباء مقيمين و4 اطباء مبرزين ولكن لم يتعد كما ذكرنا عدد الاطباء في قسم الاستعجالي بمستشفى الحبيب ثامر الثلاثة ووقف نقص التجهيزات حائلا امام اداء عملهم على اكمل وجه رغم ما بذلوه من مجهود جبار وما لاحظناه من اجتهاد من طرف الأطباء والممرضين والعملة على حد السواء. سألنا السيد رضا العبيدي قيم عام بالقسم عن سبب هذا النقص فقال «نعمل طوال النهار ولساعات متأخرة من الليل، ولا يتعبنا الا نقص التجهيزات التي ظلت تعيق العمل رغم ما يبذله المشرفون من مجهودات في سبيل ارضاء المريض.