تونس- الصباح: نظرا لأن السوق الأوروبية ستحمل علامة «قف» أمام السلع التي تنتج في بلدان طاقاتها البشرية تعاني من تهديدات حوادث الشغل والأمراض المهنية فإنه لم يعد من خيار أمام جميع المؤسسات التونسية المصدّرة سوى السعي قدر المستطاع إلى التقليص في عدد الحوادث والأمراض المهنية صلبها حتى تضمن لنفسها منفذا إلى أوروبا... وأمام هذا الحاجز الأوروبي الذي سيعرقل دون شك المؤسسات التي لا تحترم شروط السلامة المهنية ولا توفرها لعمالها يجدر التساؤل عن واقع حوادث الشغل والأمراض المهنية والمؤشرات المسجلة في هذا المجال خلال هذا العام... خاصة أن احصائيات السنوات الماضية كانت تدعو إلى الفزع... واستوجب الأمر تكثيف عدد زيارات التفقد للمؤسسات لرفع الاخلالات والنقائص إلى جانب إرساء برنامج وطني جديد للتصرف في الأخطار المهنية. ويهدف هذا البرنامج خاصة إلى الرفع من نسبة تغطية اليد العاملة في مجال طب الشغل والنهوض بخدمات الصحة والسلامة المهنية ودعم الحوار الاجتماعي داخل المؤسسة وتفعيل دور المؤسسة كعنصر أساسي في منظومة الصحة والسلامة المهنية والتقليص من مجموع حوادث الشغل المسجلة وخاصة منها الحوادث القاتلة والخطيرة ومتابعة إنجاز المشاريع الكبرى لحماية العامل من الأخطار المهنية... انخفاض مطمئن... لكنه لا يكفي! إجابة عن سؤال يتعلق بحوادث الشغل المسجلة في تونس خلال السنة الجارية وهل انخفضت مقارنة بما تم رصده خلال العام المنقضي أفادت مصادرنا من الصندوق الوطني للتأمين على المرض أنه واستنادا إلى آخر الاحصائيات وهي المتعلقة بالثلاثي الأول من السنة الجارية يمكن تأكيد انخفاض مجموع الحوادث بنسبة 12 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2008. وتشير احصائيات الصندوق في هذا الإطار إلى أن عدد حوادث الشغل المسجلة في الثلاثي الأول لسنة 2009، بلغ عشرة آلاف و270 حادث مقابل 11 ألف و697 حادث خلال نفس الفترة من سنة 2008... ولكن رغم هذا الانخفاض فإن الرقم مازال يشغل المهتمين بمجال الصحة والسلامة المهنية... بل أن العاملين في معهد الصحة والسلامة المهنية يؤكدون دائما وفي كل المناسبات أن تسجيل حادث واحد فقط يعدّ أمرا مقلقا فبالإضافة إلى وقعه الاقتصادي فإن لأي حادث شغل كان صدمة اجتماعية موجعة للضحية ولعائلته أيضا خاصة إذا كان الحادث قاتلا. ويذكر في هذا السياق أن عدد حوادث الشغل القاتلة المسجلة خلال الأشهر الثلاثة الأول من السنة الجارية تبلغ 35 مقابل 61 خلال نفس الفترة من السنة الماضية أي بانخفاض نسبته 42 فاصل 60 بالمائة وسجل 25 من هذه الحوادث ومكان العمل و10 في الطريق مقابل (40 في مكان العمل و21 في الطريق العام الماضي). أيام عمل ضائعة مؤشر آخر سجله الصندوق الوطني للتأمين على المرض يتعلق بخسائر حوادث الشغل والأمراض المهنية، وهو يتعلق بعدد الأيام الضائعة وكانت حوادث الشغل والأمراض المهنية قد تسبّبت خلال السنة الماضية في ضياع مليون و104 آلاف يوم عمل وهي كما يعتبرها المختصون في الصحة والسلامة المهنية «خسارة لا تعوّض»... فهي مكلفة للغاية ومن الحجم الكبير وبالنظر إلى الثلاثي الأول من السنة الحالية، نلاحظ أن عدد أيام العمل الضائعة بلغ نحو 250 ألف و545 مقابل 262 ألف و371 خلال نفس الفترة من سنة 2008 أي بنقص قدره (4 فاصل 5 بالمائة).. هل استوعبت المؤسسات الدرس؟ نظرا لأن المؤسسات الاقتصادية أصبحت مطالبة اليوم في ظل اشتداد المنافسة بالتقليص من عدد حوادث الشغل فيها ومن تواتر الأمراض المهنية... فيبدو وحسب ما توفر لنا من معلومات أن العديد منها بدأ يستوعب الدرس... واقتنع أنه لا مكان مستقبلا في الأسواق الأوروبية للمؤسسات التي تتهاون في هذا المجال ولا تهتم بصحة عمالها وبتوفير ظروف العمل الملائمة لهم... ومتابعة لحالات المؤسسات التي تسجل عددا كبيرا من حوادث الشغل تم خلال السنوات الثلاث الماضية تكثيف زيارات التفقد لهذه المؤسسات بالذات والبالغ عددها نحو ألف و33 مؤسسة كانت قد سجلت أكثر من 65 بالمائة من مجموع الحوادث ولكن هل أتت هذه الزيارات التفقدية المكثفة والمراسلات المتكرّرة من التقليص من عدد الحوادث؟ إجابة عن هذا السؤال استفدنا من مصادر الصندوق الوطني للتأمين على المرض (الكنام) أن الحملة سالفة الذكر ساهمت بالفعل في التقليص في عدد حوادث الشغل بنسبة 10 فاصل 8 بالمائة سنة 2007 وبنحو 19 فاصل 3 بالمائة سنة 2008 مقارنة بما كان عليه الحال سنة 2006. وبالنظر إلى الثلاثي الأول من السنة الحالية نجد أنه من بين المؤسسات التي صرحت بحوداث شغل والبالغ عددها 3 آلاف و253 نجد 139 مؤسسة سجلت عشرة حوادث فما أكثر لكن جل المؤسسات وعددها 2932 سجلت من حادث إلى خمس حوادث والبقية سجلت من 6 إلى 9 حوادث...