أصحاب القمصان الحمراء في تايلندا يتفوقون على نظرائهم من المتظاهرين الذين باتوا يقتفون اثار قادة العالم حيثما يجتمعون بعد ان تحولت الازمة الاقتصادية العالمية الى عنوان مشترك لكل تلك التحركات الاحتجاجية. واذا كان اعداء العولمة قد نجحوا في ضم الالاف الى صفوفهم للتظاهر ضد قمة العشرين الاقتصادية المنعقدة قبل اسبوع في العاصمة البريطانية في لندن واقتحام مقر احد اكبر البنوك هناك فان طوابير المحتجين التي رافقت قمة الحلف الاطلسي التي تلتها في سترازبورغ وكيل قد القت بظلالها على القمة التي جمعت قيادات سبع وعشرين دولة في الناتو الا ان ما شهدته تايلندا بالامس على وقع تحركات المتظاهرين الاحتجاجية قد تجاوز حتى الان كل ما سجلته المظاهرات التي سبقتها بعد ان تمكن الغاضبون من اقتحام المقر المحدد لاحتضان اشغال القمة والدعوة بالتالي الى تاجيل قمة الدول الاسيوية الى اجل غير محدد . والحقيقة ان في المشهد الذي رافق تدخل القوات الخاصة التايلندية لاجلاء عدد من القادة الاسيويين عبر المروحيات ومن فوق السطوح وهم الذين كانوا يستعدون للحدث قد جعل السلطات المحلية في موقع لا تحسد عليه امام الراي العام الداخلي والدولي بعد كشف ضعف استخباراتها وعدم صمود قدراتها الامنية امام المحتجين وهو ما يعد ايضا صفعة سياسية وامنية حادة قد لا يزول وقعها قبل مضي وقت طويل بعد ان تهاوت الاجراءات والترتيبات الامنية التي قضت اشهرا طويلة في الاعداد لها خلال ساعات قليلة. وبدلا من احتضان القمة التي وقع تاجيلها اكثر من مرة وجدت السلطات التايلاندية نفسها أمام حالة طوارئ قد لا تنذر بحل سريع للازمة التي وان بدت اقتصادية في ظاهرها فانها لم تخل من اسباب سياسية وتعقيدات داخلية مع تفاقم الازمة الحكومية التي شهدت تعاقب اربعة رؤساء حكومات خلال خمسة عشر شهرا . الا انه وبعيدا عن كل الاجواء والملابسات التي رافقت التطورات المتسارعة التي شهدتها تايلندا خلال الساعات القليلة الماضية والتي تبقى مرجحة لكل الاحتمالات فإن ما حدث لا يمكن ان يظل بمناى عما حدث ويحدث في مناطق عديدة من العالم منذ اول بوادر الازمة الاقتصادية العالمية التي كان ولايزال لها وقعها الاسوا على الاقتصاديات الصاعدة التي تبقى اسيا جزءا منها خاصة في اعقاب ما سجلته قبل سنوات ما اصطلح على وصفه بنمور اسيا من انطلاقة اقتصادية قبل ان تبدا في التراجع والكساد لا سيما امام توقعات البنك الدولي بتراجع النمو الاقتصادي لصادرات شرق اسيا وتراجع واردات الدول الغنية من تلك المنطقة وهي التوقعات التي لم تتاخر الاحداث في تاكيدها في ظل الكساد الاقتصادي العالمي والازمة الراهنة التي وصفت بانها الاسوا مذ عشرينات القرن الماضي... ولا شك ان انعقاد قمة "اسيان" التي تجمع الدول العشر الاعضاء في رابطة دول جنوب اسيا بالاضافة الى الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند واستراليا ونيوزلندا والدول التي تطمح الى تحقيق شراكة شبيهة بالاتحاد الاوروبي خلال السنوات القليلة القادمة تاتي في اطار التكتلات الاقليمية والتحركات الدولية على اكثر من صعيد لتطويق تبعات الازمة العالمية والبحث عن مخرج لها باقل الاضرار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الممكنة الا ان تلك التحركات تبقى حتى الان ابعد من تحقيق النتائج المطلوبة في مواجهة الازمة التي كشفت حاجة النظام الاقتصادي العالمي الذي فشلت احكامه وقوانينه في تفادي تبعات اسوا الازمات المالية الى الاصلاح واعادة ترتيب الاوراق والعلاقات بما يفرض المزيد من الضمانات لتحقيق الشفافية المطلوبة وتفادي فضائح الفساد والمكاسب غير المشروعة ونظام المكافات الشخصية الذي تسبب في انهيار اكثر من مؤسسة بنكية او مالية عالمية وفي افلاس اكثر من مصنع بما ادى الى تسريح الاف الموظفين والعمال واحالتهم على البطالة القسرية وبالتالي دفعهم الى الطرقات والشوارع احتجاجا على حياتهم الجديدة التي افرزتها العولمة ونظام اقتصاد السوق الحر، كل ذلك طبعا الى جانب افرازات الحروب والصراعات الدموية وما تستنزفه مصانع السلاح ومختبرات الموت من اموال وثروات وطاقات من اجل القتل والدمار والخراب...