17 فيفري من كل سنة يتزامن مع الذكرى التاريخية لإنشاء إتحاد المغرب العربي، تعبر بدون شك عما تحمله من معان ومن عبر ومن تطلعات تطمح إليها الشعوب المغاربية، هذا الطموح التي تمّ وضع حجرة أساسه الأولى إنطلاقا من مؤتمر طنجة ذلك المؤتمرالذي إحتضن ممثلين عن أحزاب مغربية وتونسية وجزائرية، رفعوا أصواتهم الجهيرة داعية بإصرار للسعي إلى تحقيق الوحدة المغاربية مرورا بمؤتمر مراكش الذي خرج رسميا خلاله إلى النور إتحاد المغرب العربي كمنطقة إقليمية واعدة بإمكاناتها المادية والبشرية وموقعها الاستراتيجي وذلك خلال سنة 1989 على إثر توقيع على نص المعاهدة من قبل الدول الخمس الأعضاء (تونس-الجزائر-المغرب - ليبيا- موريطانيا-) منذ تاريخ الإنشاء بدأت سلسلة تحركات الاتحاد تطبع مسيرته، وبدأت تفاعلاته مع محيطه سواء في الشمال أو الجنوب تبرز وتميز عمله، فاجتمعت في إطار ذلك القمم المغاربية، والمجالس الوزارية، واللجان المتخصصة، وجميع الهياكل الأخرى الفنية والتقنية التي تسعى لتحقيق ما تضمنته مواثيق وقوانين، إنشاء الاتحاد، ونحن نثمن في هذا الصدد البعض من الإجراءات التي تم إتخاذها خلال دورة المجلس الوزارى المغاربي للتجارة المنعقد بتونس في 24 و25 جانفي 2007 الداعية آنذاك إلى ضرورة إقامة منطقة مغاربية للتبادل الحرّ، باعتبارها وسيلة كفيلة بتحفيز ودعم التبادل التجاري المغاربي، ولمزيد دعم قوة الاتحاد التفاوضية إزاء التجمعات العالمية الكبرى، إلى جانب المصرف المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية الذي سيلعب دون شك دورا هاما لمزيد تفعيل التجارة المغاربية، بالإضافة إلى إنشاء اتحاد مغاربي لأصحاب الأعمال...، ومما لا شك فيه فإن جميع الخطوات المتخذة تعتبر خطوة مهمة في إطار إندماج الاقتصاد المغاربي. لكن الملاحظ أن درجة التطور الاقتصادي الذي تعرفه البلدان المغاربية اليوم لم تصل بعد،إلى درجة التشابك والتداخل ولا يتسنى ذلك اليوم إلا بمزيد توحد الأقطار المغاربية على الساحة الدولية المبنية على المصالح، ومن مصالحنا العمل على مزيد دفع هذا التعاون الاقتصادي في مختلف المجالات ومزيد تشبيكه وتطوير حجم الاستثمارات.... فالوضع الذي تتميّز به الساحة الدولية اليوم، ووضع الاقتصاد العالمي، والأزمة المالية العالمية يدفع بالضرورة بلدان المنطقة المغاربية إلى ضرورة القفز عن كل العقبات والمعوقات، بهدف خلق كيان إقليمي قادر عن التعبير عن ذاته أمام التحديات وأمام الكيانات الاقتصادية الاخرى كالصين واليابان والاتحاد الأوروبي .. ومن ثم فإن سياسة الانكفاء على الذات وانتهاج سياسة الحلول الفردية في زمن العولمة لا تعد الوسيلة المثلى لتحقيق القفزات المرجوة، فعالمنا تحوّل اليوم إلى قرية صغيرة مرتبطا ببعضه البعض نتيجة الثورة الاتصالية والتكنولوجية التي عرفها اليوم. فالدعوة ملحّة اليوم إلى الأطراف الفاعلة والمؤثرة داخل دول الاتحاد إلى ضرورة المزيد من السعي لتكوين كيان إقتصادي مغاربي قوي يمثل ويظاهي بقية الكيانات الاقتصادية الأخرى ولا يتسنى ذلك إلا بمزيد تكثيف الجهود وبلورة جملة من التصورات المختلفة والمتنوعة من اجل الوصول إلى التنمية الاقتصادية المنشودة، ولا يتجسم ذلك إلا عن طريق مزيد تنمية المبادلات التجارية فيما بينها، ووضع تصور موحد للسياسة الاقتصادية الداخلية والخارجية قصد مجابهة العولمة الاقتصادية ومزيد تنسيق البرامج التنموية والمسائل الاقتصادية لجميع الدول المنضوية تحت لواء الاتحاد المغاربي، فالتعاون بين جميع دوله أصبح حتمية لمجابهة التحديات المفروضة من الدول الأوروبية خاصة من خلال هذه الشراكات المشروطة ويفرضها أيضا النظام المعولم. وبعد التكامل على المستوى الاجتماعي داخل كيان الاتحاد المغاربي من أوكد الأولويات اليوم، فضرورة تفعيل مفاهيم التعاون والتكافل والتضامن والتسامح والسلم .....تعد من الثوابت التي لا محيد عنها، هذا بالاضافة إلى ضرورة الاستفادة من مختلف التجارب الاجتماعية الناجحة وانتهاجها كطريقة عمل وتمش من طرف الدول المغاربية من شأنه أن يلعب دورا مهما قصد النهوض بالانسان المغاربي، ولقد وضعت تونس على ذمة شقيقاتها المغاربيات تجربتها الاجتماعية لا سيما في مجال حقوق المرأة..... إذ تعد التجربة التونسية بحق في هذا المجال رائدة ومتقدمة كثيرا عن باقي أقطار الاتحاد، ولا مناص للاتحاد المغاربي إذا كان جادا في تحقيق أهدافه الحيوية من أخذ حقوق المرأة على محمل الجد إنسجاما مع الرؤية الحداثية التي من المفروض أن تحكم أي مشروع تنموي يتوخى النهوض بالانسان كقيمة عليا تمثل غاية لكل مجهود تنموي. ويعتبر التكامل على المستوى الثقافي بالفضاء المغاربي على درجة كبيرة من الأهمية، فهذا العامل يعتبر اليوم المنطلق الهام لتوحيد الشعوب المغاربية ، وذلك عن طريق الإلمام بأنماط التفكير والتقارب المعرفي ومن ثم فلا مفر للمنظمات ودور النشر.... أن تلعب دورا متميزا قصد مزيد التعريف بكتاب وأدباء ورسامي وفناني... الأقطار المغاربية، إلى جانب الدور المهم الذي يلعبه التعليم اليوم قصد مزيد تعريف الناشئة بمفكري المغرب العربي. ونحن نبارك في هذا السياق الخطوة الإيجابية التي أقرها الاتحاد المغاربي والمتمثلة في تخصيص جائزة لأفضل كتاب مغاربي، والذي سيتمخض عنها بالتأكيد مزيد من تحفيز العمل الثقافي، والمنافسة بين الكتاب والأدباء المغاربة خلال معالجتهم وتطرقهم لعديد المواضيع التي تهم الشأن المغاربي اضافة إلى خلق حوار ثقافي بين الكتاب المغاربة وذلك في إطار تصور ووجهات نظر تهدف أساسا لتقريب الأشقاء ثقافيا للوصول إلى التقارب على بقية الأصعدة الأخرى . والدعوة ملحة اليوم الى العمل على ضرورة التواصل بين الشباب المغاربي لأنه يعتبر القاعدة والعنصر الطاغي، فلا بد من توفير الفضاءات لتمكين الأجيال الجديدة من تبادل الخبرات فيما بينهم وذلك بتبادل الوفود الشبابية والطلابية ... ولما لا التفكير في إنشاء كرسي جامعي بكل عاصمة مغاربية يتم فيها تناول مجمل القضايا التي تشغل شبابنا المغاربي واقتراح الحلول العملية لكيفية معالجتها. واليوم ورغم النكسات البسيطة التي مر بها الاتحاد المغاربي (قضية الصحراء الغربية) فإن إرادة جميع قادة المنطقة ثابتة على الخيار الاستراتيجي للعمل المغاربي والمصير المشترك لشعوبه، ومن ثمّ تغليب منطق المصلحة العليا المشتركة للشعوب المغاربية على بعض المسائل العابرة التي تبقى مثل السحابة التي لن تستمر بل سرعان ما تمر لترك المكان لغد مشرق وأفضل، فالوضع على الساحة الدولية اليوم ووضع الاقتصاد العالمي لا بدّ أن يدفع كافة الشعوب المغاربية بضرورة القفز على هذه العقبات لأجل خلق كيان إقليمي يعبر عن ذاته أمام بقية الكيانات الأخرى.