فقدت أهلي وأرزاقي في حرب لبنان لكني ظللت صامدة ما يحدث في فلسطين هذه الأيام أمر لا يرضاه أحد لأنه يدمي القلب. فهو عدوان ألغى كل الاتفاقيات وضرب بكل التقاليد والقوانين عرض الحائط إذا ما اعتبرنا للحرب تقاليد ومعاهدات أبسطها حماية الأطفال والنساء والشيوخ وسلامتهم من الرصاص. والأدهى والأمر أن هذا العدوان وهذه الحرب لم تعبأ بالنداءات الإنسانية ولا بالقانون. والجميع يتساءل دون انتظار إجابة طبعا عن القوانين والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن أو الأممالمتحدة أو دول الفيتو. أمام هذا الهول ونسبة التقتيل الفظيعة لا يقدر الفنان الأعزل من أي قرار نافذ سوى التفاعل على طريقته التي عادة ما تكون شبيهة بالغبن والحسرة والكمد ولو ترجم احساسه وشعوره إلى أغنية أو قصيدة أو أي شكل من أشكال التعبير الفني. فأي معنى لهذا التعبير أمام الصور المباشرة التي تنقلها لنا القنوات صور الموتى والأشلاء المتناثرة... واحدة من الذين عاشوا وتعودوا على الحرب وضد نفس العدو هي الفنانة هيام يونس التي كان لنا معها هذا الحوار عبر الهاتف والذي مفاده أن الدخول من باب الذل لا ينتج غير الذل ومن لا ينطق بحاجته يكون أولى بالخرس. تقول الفنانة هيام يونس «فلسطين تعيش وضعا مأساويا وسيئا جدا. شعبنا الفلسطيني ينام ويستيقظ على دوي الرصاص والطائرات والصواريخ والقنابل المتطورة التي تجرب على شعب أعزل إلا من إرادته القوية.. فلسطين تعيش حالة حرب بشعة أو لنقل بالأحرى هي تعيش حالة دمار شامل وإبادة ونسف وشعبنا محروم من أبسط مرافق العيش البسيط هو محروم من الماء والطعام والكهرباء...» وتضيف «ما يعيشه الشعب الفلسطيني عاشه الشعب اللبناني في صيف .. 2006وأتت تلك الحرب كما هي اليوم على الأخضر واليابس وشملت كل المستويات.. حرب استهدفت حضارتنا وثقافتنا ..هي حرب للإبادة الشاملة كما ذكرت». ورغم الوضع المأساوي الذي تعيشه غزة هذه الأيام فإن التفاؤل يحدو السيدة هيام يونس حيث تؤكد ردا عن سؤالنا لها وهو هل لها أمل في عودة غزة كما كانت قالت «أنا مؤمنة بالله وبالنصر للحق وإن شاء الله ستعود ساعات الصفو والسلم والعيش الكريم لشعبنا الفلسطيني... لقد لقّننا التاريخ درسا لبنانيا وهو حقيقة عزم شعبنا فكم من مرة دمر فيها لبنان بالكامل وعادت له الحياة والنصر بسرعة خيالية بفضل عزيمة شعبه وأكيد أن عزيمة أهالينا في غزة الصامدة ستنسج على منوال جنوب لبنان»... وعن رأيها في الحروب باعتبارها قد عاشت التجربة تقول «الحرب أمر مدمر فأنا عشت حالة تأثر وحزن واكتئاب شديدة وقد اعتزلت الفن لمدة طويلة جدا لما فقدت في الحرب اللبنانية الأولى كل أرزاقي وأهلي وأعزاء لي ولم أعد للفن إلا لما انتصرنا على العدو وترممت جراحي... وأعيدت الكرة مرة أخرى حيث كان القصف المتوحش في حرب صيف 2006 قد أجبرني على مغادرة بيتي والبقاء في الملجإ لمدة تزيد عن الشهر وفي كل المحن التي عاشها لبنان فضلت أن أكون في الداخل بجانب شعبي ولا احتمي بسماء أخرى وعشت معه كل الصعوبات والأزمات لذلك أدعو الله أن يحمي فلسطين من كل مكروه وأن ينعم عليها بالنصر والحرية والسيادة والكرامة كما ينعم بذلك اليوم لبنان بفضل أرادة شعبه لأني أدرك جيدا ما معنى حرب وما معنى أن يعيش شعبنا الفلسطيني وضعا موازيا... يعيش الحاجة إلى ابسط مرافق الحياة ويعيش حرب الأعصاب أمام تقتيل أبنائه ونسائه وشيوخه بطريقة وحشية وبأعداد مهولة إلى درجة أن غزة تحولت كلها إلى مقبرة بعد أن طال القصف الوحشي حتى المدارس والمستشفيات. وتختتم هيام يونس حديثها بما يلي «ويستمرّ الموت في غزّة،. الأيام تمر، والعدوان يمضي، ويرتفع عدد الشهداء والمصابين. تزدحم الأرض بالدم والأشلاء في سياق حرب بربرية لا يمكن أن يجد لها العالم مثيلا، في حين تزدحم المنطقة بالموفدين والوسطاء. وإذا كان طوفان الدم يفيض في غزة، فإن طوفان الخيبة يفيض أيضا من المحيط إلى الخليج وإلى أقاصي الأرض. لأن مذبحة العصر هذه تدين لا القتلة وحدهم بل تدين أيضا أخلاقيا وإنسانيا العالم كله ، لأن البشر خرجوا من البربرية منذ زمن بعيد على ما يفترض. إلاّ أن ما يجري في غزة من عنف هو نموذج لما مازال يفيض به قلب الإنسان وعقله من شر وفساد رغم دخول البشرية الألف الثالث من تاريخها. «فهيرودس» الألف الثالث يكرر مجزرة «أطفال بيت لحم»، منذ ألفيّ سنة، بأطفال غزّة اليوم. ما يجري، للأسف، هو تحطيم لصورة العالم المتمدن! لا يكفي أن أتوجّع بسبب سيول الدم في غزة. بل بسبب ما يحصل اليوم من اختلال عظيم. إنسان العصر الحاضر، إنسان الألف الثالث من الحضارة، يجعل نفسه مثل الله صاحب الحياة والموت. من يردع القوي في هذا العالم حتى لا نخاف؟ من يضمن الصغار؟ لقد كنت آمل أن السنة الجديدة ستحمل إلينا الطمأنينة والسلام، غير أن إطلالتها حملت خلاف ما كنا نتوقع، لذلك علينا ان نكثف الجهود والدعاء إلى الله كي يجود علينا بالروية والتعقل للعمل في سبيل هذا السلام المفقود، كما أدعو ربّ العالمين كي يتقبّل الشهداء الأبرار في جنّاته، ويعزّي قلوب الثكالى والزوجات. وفي الختام، تحية لغزة الجريحة، تحية لفلسطين لا تموت، وبعد ستين عاماً، لا تشيخ ولا تموت؟..» وحيد عبد الله للتعليق على هذا الموضوع: