مهرجان الفوانيس الطائرة "حلمة" أو كما يحلو لنا تسميتها "الحلمة الطبرقية"، هذا الحلم الذي صار منذ سنوات قليلة حقيقة وتجسدَّ في شكل مهرجان، ولطالمَا كانَ لوحةً تعبيريةً عن أحلام شباب المدينة من منظمينَ ومتطوعينَ ومساهمينَ. هذا المهرجان الذي واكبه أكثر من 30 الف متفرج ، يخطو هذه الأيام بثبات بين ثنَايَا عقده الخامس، حيثُ أسدلَ الستار يوم أمس السبت 15 جوان 2019 على دورته الخامسة و التي تواصلت على مدى ثلاثة أيام. البحث عن التجديد هذه الدورة التي ازدانت بعدة أنشطة ثقافية وفنية مميزة، أثثها أكثر من 17 موسيقيا من الهواة منتمين لمجموعات فنية من مختلف مناطق الجمهورية كمجموعة شوشرة و the othersو the aliensو pawpawوغيرهم. كما تم تنظيم على هامش المهرجان معرض للصناعات التقليدية والحرفية لتشجيع بنات وأبناء المدينة على تقديم منتوجاتهم ودعم الدورة الاقتصادية قبيل انطلاق الموسم السياحي فيها. عزم على إلاشعاع قبل المهرجان "نرغبُ في دعم للامركزية الثقافية وجعل طبرقة منارة للفن والسياحة" يقول مناف العرفاوي أحد المساهمين الرئيسيين في المهرجان وعضو لجنة تنظيمه. وتأكيدا على تصريحه الذي خصنا به فإن كل شيء في المهرجان يوحي بأنه عبارة عن بطاقة هوية لطبرقة، تلك المدينة المنسية حكوميا وتنمويا وحتى ثقافيا، فهي تفتقر للمسارح ودور السينما، حتى تأتي هذه المهرجانات في كل مرة لتذكر السلطة المحلية بأن المدينة موجودة على الخريطة و أن بإمكانها احتضان كبرى التظاهرات وأهم الأحداث الثقافية. شاطىء بحر في قلب مدينة جبلية سياحية قد يبدو أكثر إغراء لإقامة عروض فنية من كبرى مسارح مدينة الثقافة. الخروج من النمطية والتكرار هو فعل ثوري في حد ذاته، صورة طبيعية لا تعديل فيها سماء وبحر ومسرح مفتوح، فلا حاجة لجزء مخصص لل "vip" و لا الوزراء والمسؤولين، من يريد ان يستمع للموسيقي فليقف لها احتراما وقدميه تحتضنها رمال البحر. ظروف مناخية سيئة لم تطفىء قمر الليلة الثانية رغم الظروف المناخية السيئة التي داهمت المنظمين خلال اليوم الثاني من المهرجان قبيل ابتداء العروض، لم يلغ برنامج السهرة و حاول القائمون على المهرجان قدر المستطاع تأمين الركح والفنانين، متحدين مجموعة من الظروف المناخية جراء هطول الأمطار أفرزت عوائق لوجستية. هذا التأخير كان حافزًا قويَّا لمؤثثي السهرة، ولربَّما كان قادحًا لمزيد تمسكّهم بالصعود على ركح شاطىء مارينَا، لا سيما وأنَّ جلهم يغني لأول مرة في طبرقة كالمغنيتين الفرنسيتين Gaelle Buswelو Thais Geresy. ساشا وخليل ثنائي "الحب والانسجام" ربما من أنجح العروض التي كانت طيلة ايام المهرجان ، ساشا وخليل هما فنانان متزوجان، خليل تونسي أصيل ولاية صفاقس و ساشا فرنسية، هذا النوع من الفرق الفنية الذي لا نراه كثيرا يعتلي مسارحنا في مهرجانات لاسيما في العاصمة، كان عنوانا للانسجام والتناغم، وكأنما بهما يقولان لنا، نعم نحن اثنين فقط لكننا قادرين على إمتاعكم، ولدينا ما يأسرُ حواسكم. فبقدر ما كانت موسيقى خليل تتواصل بأريحية مع صوت ساشا بقدر ماكنت تشعر بأنك تريد أن تقترب منهم أكثر حتى تطالك رياح المحبة النابع منهما. عروض متنوعة "اسرت" الجمهور بين أحضان شاطئ مارينا بطبرقة اعتلت المغنية الفرنسية Gaelle Buswellمسرح المهرجان خلال الليلة الثانية من فعالياته، معبرةً عن سعادتها الكبرى بتواجدها لأول مرة في طبرقة، لم تتوار مغنية ومؤلفة موسيقية وعازفة قيثار Gaelleوراء عناصر فرقتها الستة، بل كانت تقود المسرح غناء ورقصا وتواصلا مباشرا مع الجمهور. لكن السؤال الذي يطرح هنا لماذا لانرى مثيلات Gaelleفي مهرجاناتنا التقليدية لاسيما وأن عمرها الفني تجاوز التسع سنوات، وعرفت بنجاحها في أداء النمط الموسيقي Blue، بعد ان أنتجت ألبومين ناجحين خلال سنة 2015 و 2013. ليلة الاختتام: سماءها مضيئة بالفوانيس الطائرة والألعاب النارية اليوم الأخير للمهرجان كان إسما على مسمى حيث أطلق القائمون عليه أكثر من 2900 فانوس طائر، زينوا سماء شاطئ مارينا، حيث سبحت هذه الفوانيس المضيئة بين ثنايا الفضاء، الذي أنير بدوره بألوان الألعاب النائرة، شكلوا جميعهم فسيفساء ملونة في سماء طبرقة، أسرت العابرين في الطريق والحاضرين لفعاليات المهرجان. لكن هذه الاضاءة السماوية قابلتها قتامة أرضية بسبب الحضور الأمني المكثف لاسيما بسبب حضور بعض كبار مسؤولي الجهة سهرة الاختتام كوالي جندوبة ومعتمد المدينة، هذا المشهد أربك الحاضرين و عطل فاعلوه بشكل او بآخر عمل بعض الصحفيين "خوفا" من أن يطال الأذى أحد المسؤولين. وهنا يخالجنا سؤالين رئيسيين عندما تتكرر أمامنا هذه المشاهد في مهرجانات عدة، هل من الضروري حضور "شخصيات محلية" "ذات أهمية قصوى" ان كان ذلك سيسببُ ارتباكًا ؟ وهل تعدُّ تونس دولة في مرحلة الانتقال الديمقراطي بعد انتفاضة شعبية اذا كان مسؤولوها المحليون يسببون ارتباكا في مهرجانات من المفترض أن تكون مصدرًا للأنس والبهجة؟؟.