حزب الله يؤكد استشهاد القيادي إبراهيم عقيل في غارة صهيونية    أخبار النادي الصّفاقسي ... الانتصار مع الاقناع    تونس : دفعة معنوية كبيرة للنجم الساحلي قبل مواجهة الإتحاد المنستيري    حكايات من الزمن الجميل .. اسماعيل ياسين... الضاحك الحزين(2 /2).. النهاية المأسوية !    في أجواء عراقية حميمة: تكريم لطفي بوشناق في اليوم الثقافي العراقي بالالكسو بتونس    عادات وتقاليد: مزارات أولياء الله الصالحين...«الزردة»... مناسبة احتفالية... بطقوس دينية    حادثة رفع علم تركيا ... رفض الإفراج عن الموقوفين    موعد انطلاق المحطات الشمسية    عاجل/ الاطاحة بمنفذ عملية السطو على فرع بنكي بالوردية..    بنزرت ماطر: العثور على جثّة طفل داخل حفرة    في قضيّة تدليس التزكيات...إحالة العياشي زمّال على المجلس الجناحي بالقيروان    يُستهدفون الواحد تلو الآخر...من «يبيع» قادة المقاومة ل «الصهاينة»؟    أم العرايس ... قصّة الفلاح الذي يبيع «الفصّة» لينجز مسرحا    شهداء وجرحى في عدوان صهيوني على لبنان .. بيروت... «غزّة جديدة»!    لقاء الترجي الرياضي وديكيداها الصومالي: وزارة الداخلية تصدر هذا البلاغ    وضعية التزويد بمادة البيض وتأمين حاجيات السوق محور جلسة عمل وزارية    مسالك توزيع المواد الغذائية وموضوع الاعلاف وقطاع الفلاحة محاور لقاء سعيد بالمدوري    بداية من 24 سبتمبر: إعادة فتح موقع التسجيل عن بعد لأقسام السنة التحضيرية    المدافع اسكندر العبيدي يعزز صفوف اتحاد بنقردان    طقس الليلة.. سحب كثيفة بعدد من المناطق    مركز النهوض بالصادرات ينظم النسخة الثانية من لقاءات صباحيات التصدير في الأقاليم من 27 سبتمبر الى 27 ديسمبر 2024    أولمبياد باريس 2024.. نتائج إيجابية لخمسة رياضيين في اختبارات المنشطات    مريم الدباغ: هذا علاش اخترت زوجي التونسي    بالفيديو: مصطفى الدلّاجي ''هذا علاش نحب قيس سعيد''    تأجيل إضراب أعوان الديوان الوطني للبريد الذي كان مقررا لثلاثة أيام بداية من الاثنين القادم    جامعة رفع الأثقال: هروب رباعين تونسيين الى الأراضي الأوروبية خلال منافسات المنافسات    بني خلاد: مرض يتسبّب في نفوق الأرانب    '' براكاج '' لسيارة تاكسي في الزهروني: الاطاحة بمنفذي العملية..    إيقاف شخصين بهذه الجهة بتهمة الاتجار بالقطع الأثرية..    غرفة الدواجن: السوق سجلت انفراجا في إمدادات اللحوم البيضاء والبيض في اليومين الاخيرين    الأولمبي الباجي: 10 لاعبين في طريقهم لتعزيز صفوف الفريق    تأجيل الجلسة العامة الانتخابية لجامعة كرة السلة إلى موفى أكتوبر القادم    زغوان: برمجة زراعة 1000 هكتار من الخضروات الشتوية و600 هكتار من الخضروات الآخر فصلية    منحة قدرها 350 دينار لهؤولاء: الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يكشف ويوضح..    تنبيه/ اضطراب في توزيع مياه الشرب بهذه المناطق..    رئاسيات 2024 : تسجيل30 نشاطا في إطار الحملة الإنتخابية و 6 مخالفات لمترشح وحيد    فتح باب الترشح لجائزة الألكسو للإبداع والإبتكار التقني للباحثين الشبان في الوطن العربي    تونس: حجز بضائع مهرّبة فاقت قيمتها أكثر من مليار    سقوط بالون محمل بالقمامة أطلقته كوريا الشمالية بمجمع حكومي في سيئول    قفصة: إنطلاق الحملة الدعائية للمرشح قيس سعيد عبر الإتصال المباشر مع المواطنين    يهدد علم الفلك.. تسرب راديوي غير مسبوق من أقمار "ستارلينك"    "دريم سيتي" يحل ضيفا على مهرجان الخريف بباريس بداية من اليوم    رم ع الصيدلية المركزية: "توفير الأدوية بنسبة 100% أمر صعب"..    سعر الذهب يتجه نحو مستويات قياسية..هل يستمر الإرتفاع في الأشهر القادمة ؟    السيرة الذاتية للرئيس المدير العام الجديد لمؤسسة التلفزة التونسية شكري بن نصير    علماء يُطورون جهازا لعلاج مرض الزهايمر    الحماية المدنية تسجيل 368 تدخلّ وعدد366 مصاب    عاجل/ عملية طعن في مدينة روتردام..وهذه حصيلة الضحايا..    تونس تشتري 225 ألف طن من القمح في مناقصة دولية    ثامر حسني يفتتح مطعمه الجديد...هذا عنوانه    ارتفاع عائدات صادرات المنتجات الفلاحية البيولوجية ب9.7 بالمائة    تحذير طبي: جدري القردة خارج نطاق السيطرة في إفريقيا    مصادر أمريكية: إسرائيل خططت على مدى 15 عاما لعملية تفجير أجهزة ال"بيجر"    كظم الغيظ عبادة عظيمة...ادفع بالتي هي أحسن... !    والدك هو الأفضل    هام/ المتحور الجديد لكورونا: د. دغفوس يوضّح ويكشف    "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"...الفة يوسف    مصر.. التيجانية تعلق على اتهام أشهر شيوخها بالتحرش وتتبرأ منه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رأي/ التطور التاريخي للتشريعات المتعلّقة بتنظيم المهن الصيدلية بتونس
نشر في الصباح يوم 23 - 05 - 2019


بقلم: محجوب الجلاصي( مستشار بمجلس نواب الشعب)
عرفت مهنة الصيدلة منذ الاستقلال إلى اليوم تطوّرا كبيرا سواء على مستوى دورها الحيوي في معاضدة النشاط الطبي وتقديم الخدمات الصحية الهامة للمواطنين، أو من خلال تزايد عدد الصيادلة وعدد المنشآت الصيدلية وتنوع الخدمات المقدمة من طرفها مما جعل القوانين المنظمة لها تحاول في كل مرة أن تكون مواكبة للتطور السريع الذي تشهده هذه المهنة من فترة إلى أخرى.
وقد جاء المرسوم عدد 12 لسنة 1960 المؤرخ في 16 مارس 1960 في البداية لينظم القطاع الصيدلي وذلك خاصة فيما يتعلق بشروط مباشرة مهنة الصيدلي سواء كانت عن طريق صيدليات البيع بالتفصيل أو عن طريق مؤسسات بيع الأدوية بالجملة، كما تعرض هذا المرسوم في عنوانه الثاني إلى كيفية تنظيم مهنة الصيدلية والى بعض الأحكام المتعلقة بهيئة الصيادلة.
وإضافة إلى هذا المرسوم صدر القانون عدد 3 لسنة 1961 المؤرخ في 02 جانفي 1961 المتعلق بمنع إنشاء أو شراء أو إحداث صيدليات بالمدن التالية: تونس وسوسة وصفاقس وبنزرت وأحوازها، الذي يمنع منح أية رخصة في تعاطي مهنة الصيدلة كما يمنع إنشاء أو شراء أو إحداث صيدليات في المدن المذكورة أعلاه إلا في حالة الترخيص بمقتضى قرار من كاتب الدولة للصحة العمومية والشؤون الاجتماعية آنذاك ، وذلك سواء للصيادلة المرخص لهم في تعاطي مهنتهم في المدن غير المذكورة أعلاه أو للصيادلة الذين باشروا مهنتهم بأحد الأقسام التابعة للصحة العمومية مدة لا تقل عن عامين متواصلين.
إلا أن هذا القانون لم يتعرض إلى بقية التفاصيل التي تهم الجانب التنظيمي للقطاع الصيدلي وبقيت أهم المسائل المتعلقة بالقطاع الصيدلي تخضع لأحكام منشور 1960 المشار إليه سابقا، وهذا المنشور وبحكم النسق السريع للتطورات التي عرفتها مهنة الصيدلة أصبح بعد ما يناهز العشرة سنوات من صدوره غير قادر على تنظيم المهنة بالشكل الكافي ، خاصة أمام بعض النقائص الشكلية التي اعترته مثل تعرّضه في قسمه الخامس من الباب الثاني صلب عنوانه الأول إلى الأدوية ، ثم جاء الباب الرابع من نفس العنوان تحت مسمى " الأدوية" مما يعني عدم التناغم بين عناوين الفصول، بالإضافة إلى بعض الهنات الأخرى مثل تعرضه في العنوان الثاني مباشرة إلى الباب الثاني والسهو عن ذكر الباب الأول.
بالإضافة إلى ذلك فان النية التشريعية في ذلك الوقت اتجهت إلى إعادة تنظيم القطاع بشكل أكثر دقة عن طريق قانون شامل ينظم المهنة وتعهد من خلاله مسألة تنظيم بعض الجزئيات المتعلقة بها الى الأوامر والقرارات. وفي هذا السياق جاء القانون عدد 55 لسنة 1973 المؤرخ في 3 أوت 1973 الذي كان يهدف الى اتخاذ بعض التدابير تكون أكثر تلاؤما مع ما يتطلبه التطور اليومي لمهنة الصيدلة ومنها خاصة :
1- تحقيق توزيع جغرافي لصيدليات البيع بالتفصيل حسب الحاجيات الحقيقة للسكان .
2- توحيد صفوف الصيادلة باستبدال قاعدة الهيئات الناخبة الثلاث لمجلس هيئة الصيادلة بهيئة ناخبة وحيدة.
3- تنظيم اشهار المواد الصيدلية وجعله متماشيا مع مقتضيات الأخلاق الحميدة .
وقد جاء على لسان وزير الصحة العمومية أثناء مناقشة هذا القانون وقبل التصويت عليه ما مفاده أن الأدوية مادة متأكدة وقطاعها ذو مكانة هامة، وأن هذا القطاع كان محتكرا من طرف الأجانب الذين اخلّوا عديد المرات بعملية التوريد لأن غايتهم فقط هي البحث عن الأرباح مما جعل الصيدلية المركزية دون سواها تكلف بتوريد الأدوية التي لا يوجد اذ ذاك مني وردها .ولما أخصت الحكومة الصيدلية المركزية بتوريد الأدوية استطاعت تركيز سياسة في هذا القطاع الهام من ميزاتها وضع حد لارتفاع أسعار الأدوية، مع الملاحظة أن الصيدلية المركزية تعهدت بالنسبة لبعض أصناف الأدوية بتحمل جزء من تكاليفها .
كما أفاد ان التجمعات في صناعة الأدوية اخذت تنتشر في جميع أنحاء العالم وخاصة في نطاق المجموعة الاقتصادية الاوروبيّة التي تشكل أهم مصدر لبلادنا في باب الأدوية ، ومن أجل هذا بدأت محادثات على مستوى المغرب العربي الكبير ترمي إلى توخي سياسة موحدة ازاء قطاع الأدوية وخصوصا في عملية التوريد .
وأكد ان ذلك القانون لا يخص الصيدليّة المركزية بتوريد الأدوية بل يترك هذا الاختصاص للحكومة التي يمكن لها أن تشرك الخواص في هذه العملية .
كما أضاف أن الصيدلية المركزية دشنت أخيرا مصنعا للأدوية وقد بلغ الانتاج المحلي سنة 1972 ما قدره بالعملة 1.244.000 د مفصلة كما يلي :
ثمن ماهو موزع على الصيدليات الخاصة : 523.000د
ثمن ماهو موزع على المستشفيات : 721.000د
كما أن رقم عمليات الأدوية بالجمهورية التونسية يفصل كما يلي :
1- 8.743500د بالنسبة الى الصيدليات الخاصة.
وبذلك فان الأدوية المصنوعة محليا تشكل 11 % مما هو مستهلك.
2- 2635.000 د بالنسبة الى المستشفيات.
وبذلك فان ما صنع محليا يبلغ 51% من الاستهلاك العام .
كما أشار الوزير إلى أن عدد الصيادلة سنة 1971 قد بلغ في جملته 215 منهم 24 أجانب، مضيفا أن هذا العدد يبقى غير كاف لأن الغاية المرجوة هي بلوغ ألف صيدلي، أي صيدلي لكلّ 5000 ساكن .
وأشار الى أنه بالاعتماد على نتائج الدراسة التي قامت بها وزارة التربية القومية بالاشتراك مع وزارة الصحة العمومية تبين أن حاجتنا الى الصيادلة خلال 1976 -1981 تقدر ب 180 صيدليا اذا اعتبرنا في هذا التقدير نمو السكان و الضارب الخاص بكلّ جهة ذلك الضارب الذي يختلف من جهة الى أخرى بحكم المعطيات الاجتماعيّة و الاقتصاديّة .
ولذلك فان قانون 1973 حاول قدر الامكان أن يأخذ بعين الاعتبار جميع هذه المعطيات مع استيعاب جميع المواضيع التي تهم مهنة الصيادلة فجاء عنوانه الأول منظما للمهن الصيدلية من حيث شروط مباشرة المهنة و كيفية عمل صيدليات البيع بالتفصيل، كما جاء ضمن الباب الثاني من هذا العنوان تحديد للالتزامات المحمولة على الصيدلي ، إضافة إلى التعرض إلى مسألة التوزيع الجغرافي للصيدليات حيث أصبح يتعين ضبط عدد رخص الصيدليات البيع بالتفصيل بنسبة صيدلية لكل مجموعة 5000 ساكن، على أن التوزيع الجغرافي لصيدليات البيع بالتفصيل وكذلك عددها حسب المجموعات السكنية يقع ضبطه بمقتضى قرار من وزير الصحة العمومية بعد أخذ رأي مجلس هيئة الصيادلة مراعيا في ذلك بالخصوص التوزيع من حيث المساحة وكثافة السكان مع احترام مسافة لا تقل عن 200 متر بين صيدلية وأخرى.
كما جاء هذا القانون منظما لمسألة الترخيص لغير الصيادلة في بيع الأدوية، إضافة الى مسألة الاشهار في الأدوية حيث جاء بهذا القانون صلب فصله 43 أن "الاشهار لفائدة الصيادلة وما يقع منه بالواجهات البلورية وبالأماكن المهيئة لتكون ظاهرة من الخارج لا يمكن انجازه بطرق أو وسائل مخلة لكرامة المهنة".
كما تعرض هذا القانون ضمن عنوانه الثاني إلى إعادة تنظيم المهنة وإلى ادخال بعض التغييرات على الأحكام المتعلقة بمجلس هيئة الصيادلة.
كما تعد من أهم الإضافات التي جاء بها هذا القانون هو تنظيمه لمسألة تفقد الصيادلة في بابه الخامس من عنوانه الأول، وقد كانت هذه المسألة منظمة في السابق بمقتضى القانون عدد 15 لسنة 1961 المؤرخ في 31 ماي 1961 المتعلق بتفقد الصيدليات وغيرها من المؤسسات الصيدلية، وبذلك فان هذا القانون قد قام بتوحيد الأحكام والتشريعات المتفرقة التي كانت تنظم المهنة في السابق وقد جاء ضمن فصله 78 أنه يقع الغاء جميع الاحكام السابقة المخالفة لهذا القانون، على أن الفصل 77 كان قد استثنى القانون عدد 54 لسنة 1969 المؤرخ في 26 جويلية 1969 المتعلق بتنظيم المواد السامية الذي بقي نافذ المفعول.
إثر ذلك صدر القانون عدد 31 لسنة 1976 المؤرخ في 4 فيفري 1976 الذي جاء بإضافة وحيدة تمثلت في إلغاء الفصل 29 من القانون عدد 55 لسنة 1973 وتعويضه بالفصل 29 جديد الذي ينص على أن "التوزيع الجغرافي لصيدليات البيع بالتفصيل العاملة نهارا أو ليلا وكذلك عدد رخص الاستغلال يقع ضبطها بأمر" وتمثلت الإضافة هنا في أنّ مسألة التوزيع الجغرافي لصيدليات البيع بالتفصيل أصبحت تضبط بأمر بعد أن كانت تضبط سابقا بمقتضى قرار من وزير الصحة العمومية بعد أخذ رأي مجلس هيئة الصيادلة مع مراعاة التوزيع من حيث المساحة وكثافة السكان واحترام مسافة لا تقل عن 200 متر بين كل صيدلية وأخرى.
كما أنّ عدد رخص الاستغلال لصيدليات البيع بالتفصيل أصبح يضبط بأمر بعد أن كان يضبط بقرار باعتماد نسبة صيدلية لكل مجموعة كاملة تعد 5000 ساكن.
و السبب الداعي الى هذا التنقيح حسب ما جاء بشرح أسباب هذا القانون قبل المصادقة عليه هو ما ظهر بالممارسة ومعاينة الواقع من ثغرات في تطبيق القانون الجاري به العمل من ناحية التوزيع الجغرافي للصيدليات ومن ناحية المسافة الفاصلة بين كل صيدلية وأخرى، وكذلك من ناحية عدد المجموعات السكنية القابلة للاحداثات الجديدة بالعاصمة و بالمدن الكبرى، وأخيرا من ناحية العمل بالصيدليات ليلا وخاصة بالعاصمة و المدن الكبرى .
كما أنّ التنظيم السابق عرف عدّة ثغرات أهمها أنّ عدد الصيدليات الليلية أصبح في ارتفاع متزايد بالعاصمة وببعض المدن الكبرى وذلك على حساب فتح صيدليات جديدة ليلية بعدّة مدن أخرى محتاجة إلى ذلك ، فضلا عن كون عدد من الصيدليات تعمل ليلا نهارا مما يترتب عنه عدم وجود الصيدلي بمركز عمله تطبيقا للقانون وافتقاد الدواء في بعض الصيدليات ليلا، الأمر الذي يتنافى مع ضرورة وجود الأدوية المستعجلة خاصة وأنّ الموزعين للأدوية يغلقون مستودعاتهم بالليل .
ونظرا لهذه الوضعية وجب إعادة تنظيم العمل ليلا بالصيدليات على أساس إحداث رخص استغلال صيدليات تعمل بالليل دون النهار خاصة وأنّه كانت هناك طلبات عديدة من صيادلة شبان مستعدين للقيام بالعمل ليلا على الوجه القانوني مع توفير ضمانات لهم . وهذه الضمانات تتمثل في غلق الصيدليات التي تعمل بالنهار بالمدن التي تقل عن 100.000 ساكنا وكذلك الصيدليات المفتوحة ليلا على مسافة منها تقل عن 500 مترا في المدن التي تعد أكثر من 100.000 ساكنا.
وفي نفس السنة أدخلت بعض التنقيحات على أحكام القانون عدد 55 لسنة 1973 المشار اليه أعلاه وذلك بمقتضى القانون عدد 62 لسنة 1976 المؤرخ في 12 جويلية 1976 الذي أضاف بعض الأحكام الخاصة بمخابر صنع الأدوية البيطرية، وألغيت الفقرة الأولى من الفصل الأول من قانون 1973 وعوضت بفقرة جديدة ورد بها أنّ مخابر صنع الأدوية البيطرية يمكن أن يسيرها أيضا محرزون على شهادة البيطرة. وتقوم برقابة نوع منتوجاتها المصالح القومية التابعة لوزارة الصحة العمومية ولا يمكن لهذه المخابر أن توزّع أية كمية من الأدوية المحضرة بها دون مراقبتها مسبقا من قبل المصالح القومية لمراقبة الأدوية والاعلان عن مطابقتها للصبغة المسجلة. كما أضاف هذا القانون أنّ مخابر صنع الأدوية البيطرية يجب أن تكون على ملك البيطري أو ملك شركة يساهم فيها البياطرة .أمّا عن رخصة استغلال مخابر صنع الأدوية البيطرية التي يسيرها بياطرة فيجب منحها من طرف وزير الصحة العمومية بعد موافقة وزير الفلاحة وأخذ رأي مجلس هيئة البياطرة، ولا يمكن للبيطري صاحب هذه الرخصة أن يتعاطى نشاطا آخر.
وكانت الغاية المرجوّة من هذا التنقيح هي تشجيع البياطرة على صنع الأدوية الحيوانية خاصة وأنه كانت تصرف أموال طائلة لاستيراد مثل هذه الأدوية وقانون 1973 في صيغته الأصلية كان يعطي حق صنع الادوية المعدة للطب سواء الطب البشري ام الطب البيطري للمحرزين على شهادة في الصيدلية فقط، كما أنه عملا بما جاء بالفقرة الاولى من الفصل الخامس الجديد لا يمكن للبيطري المرخص له في تسيير مخبر لصنع الادوية البيطرية أن يتعاطى نشاطا آخر وهذا يتماشى مع الأحكام السابقة لهذا القانون التي تحجر على الصيدلي ان يباشر نشاطا آخر غير الذي وقع تحديده بالرخصة المسلمة له. وكانت الغاية من ذلك أن يخصّص البيطري كامل أوقاته لصنع الادوية ومراقبتها وتعقبها في مختلف مراحل صنعها تلافيا لكل خطأ يحصل في إعدادها وتركيبها وذلك للحفاظ على سلامة الحيوانات وبالتالي على صحة الإنسان الذي يستهلك منتوجاتها
ثم بعد ذلك أعيد تنقيح قانون 1973 من جديد بمقتضى القانون عدد 24 لسنة 1989 المؤرخ في 27 فيفري 1989 الذي استثنى من تطبيق أحكام القانون القديم المتعلقة بتسيير المؤسسات الصيدلية وكذلك الأحكام الخاصة بمجلس الإدارة والوكلاء والشركات، الصيدلية المركزية للبلاد التونسية وكذلك مؤسسات صنع المواد الصيدلية المعدة للطب البشري أو البيطري، وأصبح يمكن لأشخاص غير الصيادلة أو البياطرة تسيير هذه الهياكل باعتبار أن القانون القديم كان يوكل مهمة تسيير مؤسسات صنع الأدوية المعدة للطب البشري للصيادلة أمّا صنع الأدوية ذات الاستعمال البيطري فكان يوكلها للصيادلة أو البياطرة كما أن القانون في صيغته الأصلية كان يمكّن هؤلاء الأخصائيين من نصف عضوية مجالس إدارة الشركات خفية الاسم ومن كافة الوظائف بالنسبة لوكلاء الشركات ذات المسؤولية المحدودة مع امكانية مسك جملة رأس المال بالنسبة لأصناف الشركات الأخرى. وقد تبين عمليا أنّ هذه الأحكام الرامية إلى حماية المؤسسات الصيدلية من الناحية الفنية لم تعد تستجيب الى المستلزمات التي يقتضيها التصرف الاقتصادي والمالي، لذلك تم التفكير في اللجوء إلى الكفاءات في ميدان التصرف سواء من بين الصيادلة والبياطرة أو من غيرهم وذلك لتكليفهم بتسيير المؤسسات الصيدلية وإبقاء المسؤولية الفنية من مشمولات الصيادلة دون سواهم.
ويجدر التذكير في هذا المجال بأن القانون عدد 91 لسنة 1985 المؤرخ في 22 نوفمبر 1985 المنظم لصناعة وتسجيل الأدوية المعدة للطب البشري ، قد أدخل مفهوم الصيدلي المسؤول على الإنتاج، الذي تخول له صلاحياته الخاصة القيام بالرقابة الداخلية لجودة المنتوج.
كما أن هذا التنقيح كان يرمي إلى تدعيم انتاج الأدوية على النطاق الداخلي بإعادة هيكلة الصيدلية المركزية واحداث مؤسستين تعنى الأولى منها بإنتاج الأدوية باعتبار أن 92% من الادوية في ذلك الوقت كانت تستورد من البلدان الأوروبية ولا سيما من فرنسا، وفي سنة 1989 تم استيراد ما تتراوح قيمته بين 80 و100 ألف دينار من الادوية.
ثم وفي أواخر نفس السنة صدر القانون عدد 101 لسنة 1989 المؤرخ في 11 ديسمبر 1989 الذي أدخل بعض التغييرات على أحكام القانون عدد 55 لسنة 1973 على مستوى الاجراءات التأديبية والعقوبات المسلطة بموجبها وكذلك الأحكام الخاصة بالمجلس الوطني لهيئة الصيادلة. وكان من أهم أسباب سن هذا القانون ما يلي:
السبب الاول: يتعلق بالتعقيد وطول الاجراءات القانونية في المادة التأديبية أمام مجلس التأديب ودائرة التأديب ومحكمة الاستئناف بتونس، حيث لا يوجد أي مبرر قانوني لفرض استئناف القرارات الصادرة مرتين ، المرة الأولى أمام دائرة التأديب والمرة الثانية أمام محكمة الاستئناف بتونس.
السبب الثاني: يعزى إلى أنّ القانون عدد 40 لسنة 1972 المتعلق بالمحكمة الادارية نص صراحة في فصله 13 على أنّ المحكمة الادارية تنظر تعقيبا في الطعن الموجه ضد قرارات المحاكم الاستئنافية المتعلقة بالنزاعات في مختلف الهيئات المهنية.
لذا بدا من الانسب تبسيطا للإجراءات على التقاضي حذف وجوبية استئناف القرارات الصادرة عن دائرة التأديب أمام محكمة الاستئناف بتونس، وتمكين أطراف النزاع من الطعن تعقيبيا في هذا القرارات مباشرة أمام المحكمة الإدارية.
كما كان هذا القانون يهدف إلى إدخال بعض اللامركزية على هياكل المجلس الوطني لهيئة الصيادلة بالتنصيص على إحداث المجالس الجهوية، اما فيما يتعلق بالعقوبات التأديبية فقد قام هذا القانون بإضافة عقوبة الانذار التي توجد في أغلبية القوانين التي تتعرض إلى المسائل التأديبية.
ثم وفي مرحلة لاحقة و بعد مضي ما يقارب العشرين سنة أضحت بعض أحكام قانون عدد 55 لسنة 1973 غير متلائمة مع واقع القطاع الصيدلي مما أدى بالمشرع إلى سن القانون عدد 75 لسنة 1992 المؤرخ في 03 أوت 1992، وتمثلت أهم إضافة جاء بها هذا التنقيح في توسيع نطاق ممارسة البياطرة لمهنة الصيدلة بتمكينهم من مسك المواد الصيدلية والبيولوجية المعدة للطب البيطري لغاية استعمالها على الميدان بدون أن يقتصر ذلك على الأماكن التي لا يوجد بها صيدلي وذلك بتمكينهم من التزوّد، على غرار الصيادلة، بالمواد المذكورة والمرخص لهم في استعمالها، لدى المورّدين والباعة بالجملة الموزعين مع إلزامهم ببيعها بنفس سعر الاقتناء يضاف إليه معلوم محدد بقرار أتعابهم. ويدخل هذا الاجراء في نطاق العناية بقطاع تربية المواشي والسعي الى تعزيز الوسائل الكفيلة بالحفاظ على الثروة الحيوانية وتحقيق تغطية أشمل للرعاية الطبية البيطرية.
كما أن هذا التنقيح مكن من ادخال بعض التعديلات على مستوى هياكل هيئة الصيادلة تتمثل في حذف دائرة التأديب المكلفة بالنظر استئنافيا في القرارات الصادرة عن المجلس الوطني وتحويل مهام هذه الدائرة إلى محكمة الاستئناف بتونس، وذلك في إطار توحيد الأحكام القانونية المنظمة لبعض المهن الحرة وخاصة منها مهن الطب وطب الأسنان والمحاماة.
إضافة إلى ذلك فقد مكّن القانون المذكور من الفصل بين تحمل المسؤوليات ضمن المجلس الوطني لهيئة الصيادلة وضمن الهياكل النقابية ليتمكن المجلس الوطني من القيام بدوره بعيدا عن كل الاعتبارات المادية وكل عمل مطلبي.
كما يعتبر هذا التنقيح تتمة لإجراءات أخرى وقع اتخاذها هي تخص مراجعة المعايير المعتمدة لإسناد رخص فتح صيدليات البيع بالتفصيل باعتبار أنّ الأمر المتعلق بضبط تلك المعايير وقعت مراجعته لغاية إدخال مقاييس جديدة تأخذ بعين الاعتبار العنصر الجغرافي والاقتصادي وكذلك عدد السكان، وهو ما من شأنه أن يحقق مزيد الموضوعية في تحديد تلك المقاييس.
وتجدر الاشارة هنا الى أن إضافة الفصل 29 مكرر للقانون عدد 55 لسنة 1973 قد مكّن الوزارة من الحصول على المعطيات الاحصائية المتعلقة بمبيعات المواد الصيدلية، وقد جاء ذلك كتتمّة لما وقع اقراره من معايير لضبط التوزيع الجغرافي لصيدليات البيع بالتفصيل، باعتبار أنه وكما وقعت الإشارة إليه فإنّ الأمر المتعلق بالتوزيع الجغرافي للصيدليات أدخل العنصر الاقتصادي المتعلق برقم المعاملات ضمن المعايير المعتمدة لمنح رخص فتح الصيدليات، ولغاية تمكين الوزارة من التعديل المستمر للتوزيع الجغرافي للصيدليات عملا بأحكام الأمر المشار إليه فقد اتجه إضافة الفصل المذكور.
ثمّ وبعد ذلك بفترة زمنية هامة صدر القانون عدد 32 لسنة 2008 المؤرخ في 13 ماي 2008 لينقّح القانون عدد 55 لسنة 1973 وذلك من خلاله إحداث آلية جديدة تسمح للصيدلي باستبدال الأدوية التي يصفها الأطباء بأدوية أخرى يكون سعرها منخفضا مقارنة بسعر الأدوية المنصوص عليها بالوصفة الطبية. ولتطبيق هذه الآلية على الوجه الأكمل ولضمان صحة وسلامة المريض يشترط المشروع أن يكون للدواء البديل نفس الشكل الصيدلي ونفس التركيبة النوعية والكمية من المواد الفعالة مقارنة مع الدواء المنصوص عليه بالوصفة الطبية، علما وأنه لا يمكن اللجوء إلى هذه الآلية عندما يدرج الطبيب على الوصفة الطبية بنفسه وبخط يده ولأسباب خاصة متعلقة بالمريض عبارة "دواء غير قابل للاستبدال".
وتجدر الإشارة إلى أن الكيفيات والأساليب العملية لتطبيق آلية الاستبدال وقع توضيحها بقرار صدر عن وزير الصحة العمومية بتاريخ 18 نوفمبر 2008.
وفي نفس الإطار وسعيا لإنجاح آلية الاستبدال وتسهيلا لمهام الصيادلة عند التطبيق تم إدراج بعض المفاهيم الأساسية صلب القانون تتعلق بتحديد مفهوم الاختصاص الصيدلي وتعريف الاختصاص المرجعي ، كما تضمن القانون تعريفا للاختصاص الجنيس يراعي التطورات العلمية الحاصلة في مجال الأدوية وكذلك التعريف المعتمدة في قوانين الدول المتقدمة في هذا الميدان، وهذه التعاريف تعتمد على مقاييس علمية دقيقة ومتطورة، ومن ذلك فقد نص هذا القانون على أنّ اثبات التكافؤ الحيوي يتمّ عن طريق دراسات ملاءمة في القابلية الحيوية وهذه الدراسات ضرورية ولا يتم الإعفاء منها إلا في حالات معينة يتمّ تحديدها بالرجوع إلى معايير علمية تضبط بقرار من وزير الصحة العمومية.
وعلى صعيد آخر وتجسيما لتوجهات الدولة الرامية إلى تعزيز البعد التضامني خاصة في المجالات الحساسة والحيوية ومنها بالأخص المجال الصحي نص هذا القانون على إحداث آلية جديدة لجمع الأدوية عن طريق التبرعات والهبات المتأتية من الجمعيات والمنظمات الخيرية والمؤسسات المحلية أو الأجنبية قصد توزيعها على ضعاف الحال وذوي الدخل المحدود، مع التأكيد على أهمية تدخل الصيدلي لمراقبة عمليات قبول الهبات وجمع الأدوية وتوزيعها باعتبار أن هذه الرقابة ضرورية للتأكد من جودة الأدوية المجتمعة في هذا الإطار ضمانا لصحة المواطن.
كما أنه ولضمان شفافية العمليات الموكولة للجمعيات المشار إليها أعلاه خاصة باعتبارها تتعلق بمواد حساسة مثل الأدوية، أخضع هذا القانون تلك الجمعيات بخصوص أنشطتها في مجال صنع الأدوية وتوزيعها إلى رقابة المصالح المختصة لوزارة الصحة، كما تجدر الإشارة إلى أن النية كانت متجهة ساعتها الى الترخيص في القيام بمثل هذه المهام الى الجمعيات التي تتميز بنشاطها في المجال التضامني على غرار الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي الذي كانت له تجربة هامة في هذا المجال تتماشى مع توجهات سياسة الدولة في النهوض بالفئات المعوزة ومحدودة الدخل وذات الاحتياجات الخصوصية خاصة.
وقد تعززت أحكام هذا القانون خاصة في بعدها التضامني بالقانون عدد 30 لسنة 2010 المؤرخ في 07 جوان 2010 المنقح للقانون عدد 55 لسنة 1973 والذي كان يرمي هو بدوره الى تجسيم توجهات الدولة في تعزيز البعد التضامني والنهوض بالفئات المعوزة ومحدودة الدخل وذات الاحتياجات الخصوصية خاصة في المجالات الحساسة والحيوية ومنها المجال الصحي. ولذلك فقد قد نصت أحكامه على توسيع مجال تطبيق آلية جمع الأدوية عن طريق الجمعيات القائمة قانونا عبر التبرعات والهبات المتأتية من الجمعيات والمنظمات الخيرية والمؤسسات المحلية أو الأجنبية، لتشمل العموم قصد توزيعها على ضعاف الحال وذلك تحت مسؤولية صيدلي.
وتم تبعا لذلك الترخيص للاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي (البنك الخيري للأدوية) اعتبارا لتجربته الهامة في مجال التضامن التي تتماشى مع توجهات السياسة العامة للدولة للنهوض بالفئات المعوزة وذات الاحتياجات الخصوصية ونظرا لما يمتلكه من امكانيات بشرية ولوجستية هامة، للقيام بهذا النشاط.
وقد مكن الإجراء الذي أتى به القانون عدد 32 لسنة 2008 المؤرخ في 13 ماي 2008 المشار إليه أعلاه من الرفع من قيمة التبرعات المتعلقة بالأدوية خلال الفترة الممتدة من 2 سبتمبر 2008 إلى غاية 31 ديسمبر 2009 والمتأتية من المصنعين وأصحاب المخابر والصيدلية المركزية للبلاد التونسية والشراءات من الأدوية داخليا وخارجيا حيث بلغت 3.235.390 دينارا (منها 104.476 إلى غاية 31 ديسمبر 2009 دينارا شراءات).
وفي هذا الإطار قام خلال نفس الفترة الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي بتوزيع كميات من الأدوية عن طريق البنك الخيري للأدوية بما قيمته 1.812.368,38 دينارا والتي تنقسم إلى صنفين:
_ الصنف الأول: أدوية خاصة بالأمراض الحادة : 70%
_ الصنف الثاني: أدوية خاصة بالأمراض المزمنة : 30%
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الكميات قد انتفع بها:670 هيكلا حيا عموميا و 25 قافلة صحية و 24 جمعية.
وقد قام الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي بمنطقة حي الخضراء من 6 إلى 13 سبتمبر 2006 بالتعاون والتنسيق مع هياكل وزارة الصحة العمومية والمجلس الوطني لهيئة الصيادلة والوكالة الوطنية للتصرف في النفايات بحملة جمع تبرعات الأدوية من العموم أسفرت عن جمع 4184 علبة دواء غير مستعملة(جديدة) إلى جانب 215 وحدة من التجهيزات شبه الطبية بقيمة جملية بلغت 30.000 دينار.
وقد توزعت على النحو التالي:
_ أدوية خاصة بالأمراض الحادة : 72%
_ أدوية خاصة بالأمراض المزمنة: 28%
وسعيا إلى تعزيز هذا التوجه وتكريس قيم التضامن وتأصيل ثقافته ، كان هذا القانون يهدف إلى توسيع مجال تطبيق آلية جمع الأدوية عن طريق الجمعيات القائمة قانونا عبر الهبات المتأتية من الجمعيات والمنظمات الخيرية والمؤسسات المحلية أو الأجنبية، لتشمل جميع الأدوية لدى العموم، وذلك بغاية تجميع كميات الأدوية المتوفرة لدى المواطنين والتي تفوق حاجاتهم والحدّ من تداولها بين أفراد العائلة بدون ضمانات من ناحية جودتها واسترسالها ، وفي المقابل تمكنت الجمعيات المرخص لها في الغرض وذلك عبر التنسيق مع المصالح المعنية لوزارة الصحة العمومية والمجلس الوطني لعمادة الصيادلة من حسن استغلال هذه الأدوية جمعا وفرزا وتوزيعا والتخلص من الأدوية غير الصالحة.
هذا قد تمت مراجعة الأمر عدد 2704 لسنة 2008 المؤرخ في 28 جويلية 2008 والمتعلق بضبط شروط وأساليب تجميع الأدوية المتأتية من الهبات وتوزيعها بصفة مجانية من قبل الجمعيات المرخص لها في القيام بهذا النشاط لتنسحب أحكامه على عمليات جمع الأدوية لدى العموم التي تشترط أن تتم عمليات جمع الأدوية وتوزيعها تحت مسؤولية صيدلي يتعين عليه عند تسلمه لهذه الأدوية أن يتأكد من استرسالها وجودتها وصلوحيتها.
ورغم أهمية كل هذه النقيحات التي أدخلت على القانون عدد 55 لسنة 1973 المنظم للمهن الصيدلية فانها بقيت غير كافية باعتبارها كانت في مجملها تنقيحات جزئية لم تحدث أي تغير جوهري على أحكام القانون المذكور تجعله يتلاءم مع ماعرفته مهنة الصيدلة من تطورات كبيرة منذ 1973 إلى حدّ اليوم مما جعل الحاجة تتأكد يوما بعد إلى مراجعة هذا القانون بصفة جذرية، وهو ما فكرت فيه المصالح التابعة لوزارة الصحة منذ مدة، وهي الى حد الآن تعمل، بالتنسيق بين مصالحها القانونية وبعض المصالح الأخرى التابعة لها لا سيما وحدة الصيدلة والدواء، وبالتشاور مع المجلس الوطني لهيئة الصيادلة، على إعادة النظر في هذا القانون برمّته. ولكن بما أن هذا الأمر يتطلب الكثير من الوقت والدراسة فقد ارتأى البعض من أعضاء مجلس نواب الشعب التقدم بمبادرة تشريعية لإيجاد حلول مستعجلة لبعض الاشكاليات التي يعاني منها قطاع الصيدلة اليوم والتي يجب التخلص منها في أقرب وقت ممكن.
وفي هذا الإطار فقد جاء مقترح القانون عدد 44 /2018 الذي أوضح من خلاله أصحاب المبادرة أنه أمام تفاقم ظاهرة البيع العشوائي للمواد الصيدلية وتهريب الأدوية، وتوريد مواد مجهولة المصدر وغير مراقبة صحيا خاصة منها حليب الرضع والمستلزمات الطبية والمكملات الغذائية، إضافة إلى عدم احترام قانون رخص الاستهلاك عند التوريد وغياب كلي لقانون يلزم المصنعين المحليين الحصول على هذه الرخصة مع ترويج هذه المواد بالسوق الموازية وبيع أدوية مصنفة بالجدول "أ" و"ج" خارج الصيدليات بطرق غير قانونية و استفحال ظاهرة الدخلاء على ميدان بيع الأدوية والمواد الصيدلية إضافة لاعتماد هؤلاء على أساليب التحيل والمغالطة بهدف الوصول إلى المستهلك، حيث يقومون باعتماد الرموز والعلامات الخاصة بمهنة الصيدلة على واجهات المحلات، إضافة إلى تدليس تاريخ صلاحية المواد الصيدلية والمستلزمات الطبية، مع استغلالهم وسائل التواصل السمعي البصري والأنترنت للإشهار والترويج وبيع المواد الصيدلية، وحرصا على الحفاظ على صحة المواطن وسلامته، فقد تم التقدم بهذه المبادرة بهدف تحيين القانون المنظم للمهن الصيدلية.
ثم إثر ذلك تقدمت مجموعة أخرى من نواب الشعب بمقترح القانون عدد 46/2018 الذي جاء حسب ما ورد بشرح أسبابه نتيجة لاستفحال ظاهرة العرض في الأسواق لمنتجات وأدوات الرعاية والنظافة والتغذية والتي ينسب إليها فضائل عدة ويقع توزيعها وبيعها للعموم من طرف أشخاص من غير ذوي الكفاءة وفي أماكن لا تستجيب لشروط السلامة اللازمة، ونظرا إلى أن عددا من هذه المنتجات يمكن أن يمثل استعمالها خطرا على صحة المستهلك إما بسبب تركيبتها أو سوء استعمالها، ونظرا لاستفحال ظاهرة بيع الأدوية والمواد الصيدلية عبر الأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ونظرا لتفاقم ظاهرة فتح محلات تجارية تستغل علامة الصيدلة وعبارة "شبه صيدلية" لغاية إيهام المواطن بتقديمها لخدمات صيدلية.
وقد جاء كل من هذين المقترحين باقتراحات هامة لتحيين بعض الأحكام الواردة بقانون 1973 ومنها خاصة منع بيع المواد الصيدلية عن طريق الانترنت، ومنع أي كان غير الصيدلي المحرز على رخصة استغلال صيدلية بيع بالتفصيل من استعمال علامة الصيدلة وأي عبارة تضم كلمة "صيدلية" على واجهات المحلات التجارية أو المواقع الالكترونية، وذلك من أجل إيجاد حل عملي لظاهرة استعمال عبارة "صيدلية" على بعض المحلات غير الصيدلية التي تبيع للمواطن بعض المواد الصيدلية بدون أية رقابة صحية.
كذلك ورد بكل من هذين المقترحين التحجير على كل شخص ولو كان محرزا على شهاد الصيدلة في بيع الأدوية والمواد الصيدلية الغير دوائية وعرضها وتوزيعها في الطريق العمومية والأسواق وبالمنازل والمغازات غير المخصصة لصيدلية البيع بالتفصيل وعبر المواقع الالكترونية، وهو ما يرجى منه منع ظاهرة بيع المواد الصيدلية عبر الأنترنيت لما يمكن أن يشكله ذلك من مخاطر عديدة على صحة المواطن.
كما تضمن المقترحان كذلك التوسع في تعريف الأنشطة الصيدلية لتشمل "البيع بالجملة والتفصيل وصرف المواد الصيدلية"، بالإضافة الى التوسع في قائمة المواد الصيدلية لتشمل العديد من المواد التي لم تكن مذكورة في قانون 1973 ومنها مثلا "اللزاقات واللصاقات والمستلزمات الطبية المعقمة ذات الاستعمال الواحد" وكذلك "بدائل لبن الأم والمواد الشبيهة بها" و"معدات الرضاعة ومستلزمات الرضع التي توضع بالفم أو تدخل في تماس مباشر مع أغذية الرضع" و"الأدوات والمواد الصالحة للتشخيص المعدة للعموم" وغيرها من المواد.
وتجدر الاشارة الى أن هذين المقترحين قد وقع إحالتهما من طرف مكتب مجلس نواب الشعب على لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية لدراستهما وتقديم تقريرها بشأنهما، وقد حاولت اللجنة المذكورة دراسة هذين المقترحين بكل جدية نظرا للحاجة المتأكدة لإدخال بعض التغييرات المستعجلة على القانون عدد 55 لسنة 1973، متّبعة منذ بداية أشغالها منهجية تعتمد على توسيع باب الاستشارة قدر المستطاع عن طريق الاستماع الى كافة المتدخلين في القطاع الصيدلي وخاصة منهم وحدة الصيدلة والدواء التابعة لوزارة الصحة والمجلس الوطني لهيئة الصيادلة وهي تعمل على الانتهاء من أشغالها في أقرب وقت ممكن حتى يقع الحد من الاشكاليات المتعددة التي يعرفها القطاع الصيدلي، وذلك في انتظار إعادة النظر في القانون عدد 55 لسنة 1973 المنظم للمهن الصيدلية بصفة جذرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.